موجة حرّ قياسيّة اجتاحت العالم هذا الصيف، إذ وصلت درجة الحرارة في تونس إلى 50 درجة، في وقت غادر عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام مكاتبهم خوفا من الحرارة وتأثيراتها! وتعد تلك الدولة من بين أكثر الدول تضرّراً جرّاء أزمة التغيّر المناخي في منطقة حوض المتوسط، فيما شهدت الجزائر موجة حرائق غير مسبوقة كذلك.
الأمر مشابه في اليونان وبالتحديد في جزيرة رودس السياحيّة، حي اشتعلت النيران في غاباتها جرّاء موجة الحر تلك، التي أدّت إلى فرار الآلاف. الوضع لم يكن مغايراً في بلدان كثيرة، فهل القادم أسوأ؟ وهل سيكون العام 2024 أكثر سخونه؟
وفي سياق البحث عن تداعيات تلك الحرارة وأسبابها، قال الخبير البيئي عضو الإتحاد العالمي لحماية الطبيعة، أيمن قدوري لبرنامج تلي Thérapie، من العراق، إنّ موضوع انتشار الحرائق أمر مُتوقع من أعوام أو من عقود لأنّ درجات الحرارة أحدثت طفرة غير مسبوقة وغير متوقعة، فحوض المتوسط تحديداً دائماً ما يتعرّض إلى تلك الموجات الحَارّة، لكن تواترها بتلك السرعة أدّى الى الكثير من التساؤلات، وأبرزها لماذا الآن بالتحديد؟ وإنْ نراقب الخارطة العالميّة للاحترار العالمي من 1903عام لغاية العام 2022، يمكن من خلالها إسكات كل المُشككين بنظرية التغيّر المناخي، فالتغير حقيقة واقعة، التطرف في درجات الحرارة تطرف غير مسبوق خصوصاً بعد الثورة الصناعيّة في القارة الأوروبيّة، وهي الآن تعاني من تلك الموجات الحارة.
ما أسباب الحرائق؟
وبالنسبة لأسباب الحرائق، قال الخبير البيئي أيمن قدوري: “ناهيك عن درجات الحرارة المترفعة التي تؤدّي إلى الأسباب الثانوية، فإنّ اندلاع أيّ حريق يجب أن تتوفر له 3 عوامل هي: رياح، درجة حرارة عالية ومادة قابلة للاشتعال، المادة القابلة للاشتعال توفرت بسبب الجفاف الذي رافق ارتفاع درجة الحرارة المتطرفة، فالحرارة كسرت حاجز 46 درجة مئوية وذلك الأمر لن تعتاد عليه البيئة في أوروبا، وبالتالي تعرّضت التربة إلى فقدان في محتواها المائي، وذلك ما انعكس على النبات، فجفّ ليصبح وقوداً جاهزاً للإحتراق ما إنْ يتعرض إلى درجة حرارة عالية، فتتولد الشرارة الأولى حيث يأتي من مصدرين طبيعي أو بشري، فالعامل البشري فهو السائد خصوصاً أنّه ينشط في تلك الفترة كونها فترة سياحة وتخييم، فأي شرارة أو شعلة متروكة ممكن أن تولّد الشرارة الأولى وتبدأ الغابات بالاشتعال”.
أمّا عن تعاطي الشعب التونسي مع موجة الحرّ وعواملها، فقد دعا الخبير البيئي حمدي حشاد إلى “قراءة ما يحصل في تونس وفق ما يحصل على صعيد الكوكب ككل. لقد كانت معظم المدن التونسية تحت تأثير ارتفاع درجة الحرارة، فيما طلب التونسيين وفي ظل الأزمة الإقتصادية، كان يزداد بشكل كبير على التكييف، فيما توده العديد من العائلات إلى الشواطئ والمرتفعات هرباً من الحرارة المرتفعة.
وتابع أنّ “تونس تشهد حرائق في غابات بـ 3 ولايات، والحريق الأكبر تسبب في إخلاء قرية بشكل كامل وتلك سابقة، فلأوّل مرّة تخلي تونس في تاريخها قرية خوفاً من انتشار الحرائق. نحن لا نملك الكثير من الخيارات، خيار التكيّف مع التغيرات المناخية ومع درجات الحرارة يلزمه إمكانيات مادية وتقنية.. لكن السؤال هل يشكل التكييف حلاً في المستقبل، بالطبع لا بل على العكس فالتكييف يساهم بطريقة أو بأخرى في ارتفاع درجات الحرارة لأنّ زيادة الطلب على الطاقة من شأنه أن ينتج كميات كبيرة من الاحتباس الحراري.
من جهة أخرى ومن ألمانيا بالتحديد، قال صانع المحتوى والمؤثّر على مواقع التواصل الإجتماعي، مصدق بانافع إنّ الشركات هناك أصبحت تستخدم في النقل الإجتماعي حافلات كهربائية ويحاولون تسليط الضوء أكثر على الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومازالت الناس لا تتعامل معها بشكل جدي. وأضاف: “أوروبا الآن أصبحت تمنع البلاستيك بشكل كبير، وتحديداً في ألمانيا تمّ منع البلاستيك في مناطق كثيرة وفي المطاعم وتمّ استبداله بالورق، لأنّه من المعروف أن حرق البلاستيك يسبب انبعاثات تؤثر على الغلاف الجوي وعلى الاحتباس الحراري بشكل كبير جدّاً.
من تونس أيضاً قال صانع المحتوى والمؤثر على مواقع التواصل الإجتماعي مشتوك، إنّ الناس مازالت لا تدرك أنّ التغيّر المناخي السبب في ما حصل، ويجب على الشباب أن يدركوا أنّ ذلك موضوع خطير جدّاً، وكل صيف سوف يكون أقوى من الصيف الذي يسبقه. وأضاف مشتوك أنّ أغلب الشعب في تونس يعتبرون ما حصل من حرائق هو مؤامرة وبفعل فاعل وليست حالات طبيعية.