سقوط نظام بشار الأسد بعد سنوات من القمع والاستبداد
وضع سقوط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد يوم الأحد نهاية درامية لصراعه المستمر منذ ما يقرب من 14 عاما من أجل التمسك بالسلطة مع تفتت بلاده وسط حرب أهلية وحشية أصبحت ساحة معركة بالوكالة للقوى الإقليمية والدولية.
وكتب سقوط الحكومة السورية نهاية مذهلة لحكم عائلة الأسد الذي استمر أكثر من 50 عاما بعد هجوم مفاجئ شنته قوات المعارضة عبر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة ودخلت العاصمة في عشرة أيام.
وجاء سقوط الأسد في تناقض صارخ مع الأشهر الأولى التي قضاها رئيساً لسوريا في عام 2000، حين كان كثيرون يأملون أن يكون إصلاحياً شاباً بعد ثلاثة عقود من قبضة والده الحديدية.
ولكن عندما واجه الاحتجاجات ضد حكمه التي اندلعت في مارس/آذار 2011، لجأ الأسد إلى التكتيكات الوحشية التي استخدمها والده في محاولة لسحقها.
ومع تحول الانتفاضة إلى حرب أهلية صريحة، أطلق الأسد العنان لجيشه لقصف المدن التي تسيطر عليها المعارضة، بدعم من حلفائه إيران وروسيا.
وتحدثت جماعات حقوق الإنسان والمدعون العامون الدوليون عن استخدام واسع النطاق للتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء في مراكز الاحتجاز التي تديرها الحكومة السورية.
وقد أدت الحرب السورية إلى مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص ونزوح نصف سكان البلاد قبل الحرب والذين بلغ عددهم 23 مليون نسمة.
ومع تحول الانتفاضة إلى حرب أهلية، فر ملايين السوريين عبر الحدود إلى الأردن وتركيا والعراق ولبنان ثم إلى أوروبا.
ويعني رحيل بشار نهاية حكم عائلة الأسد الذي دام ما يقرب من 54 عاما. وفي ظل عدم وجود خليفة واضح، فإن هذا من شأنه أن يدفع البلاد إلى مزيد من عدم اليقين.
حتى وقت قريب، بدا الأمر وكأن الأسد أصبح على وشك الخروج من المأزق، فقد استقر الصراع الطويل الأمد على خطوط الصراع المتجمدة في السنوات الأخيرة، مع استعادة حكومة الأسد السيطرة على معظم أراضي سوريا بينما ظل الشمال الغربي تحت سيطرة جماعات المعارضة والشمال الشرقي تحت السيطرة الكردية.
وبينما ظلت دمشق خاضعة للعقوبات الغربية المشلولة، بدأت الدول المجاورة تستسلم لاستمرار الأسد في الإمساك بالسلطة. فقد أعادت جامعة الدول العربية عضوية سوريا في العام الماضي، وأعلنت المملكة العربية السعودية في مايو/أيار عن تعيين أول سفير لها في سوريا منذ قطع العلاقات مع دمشق قبل اثني عشر عاماً.
ولكن المد الجيوسياسي تحول بسرعة مع شن جماعات المعارضة المتمركزة في شمال غرب سوريا هجوما مفاجئا في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني.
وانهارت القوات الحكومية بسرعة، في حين بدا حلفاء الأسد، المنشغلون بصراعات أخرى ــ بما في ذلك حرب روسيا في أوكرانيا والحروب التي استمرت عاما بين إسرائيل والجماعات المسلحة المدعومة من إيران حزب الله وحماس ــ مترددين في التدخل بالقوة.
لم يتضح بعد مكان تواجد الأسد، الأحد، وسط تقارير عن مغادرته البلاد بعد سيطرة المتمردين على العاصمة السورية.
لقد وصل بشار إلى السلطة في عام 2000 بمحض الصدفة، فقد كان والده يزرع شقيق بشار الأكبر باسل كخليفة له، ولكن في عام 1994 قُتِل باسل في حادث سيارة في دمشق، وقد عاد بشار إلى وطنه من عيادته لطب العيون في لندن، وخضع لتدريب عسكري، ثم رقي إلى رتبة عقيد لتأسيس أوراق اعتماده حتى يتمكن من الحكم ذات يوم.
وعندما توفي حافظ الأسد في عام 2000، خفض البرلمان بسرعة شرط السن الرئاسي من 40 إلى 34 عاماً، وتم تثبيت صعود بشار إلى الرئاسة من خلال استفتاء وطني، كان المرشح الوحيد فيه.
حكم حافظ الأسد، وهو رجل عسكري طيلة حياته، البلاد لمدة تقرب من 30 عاماً، أقام خلالها اقتصاداً مركزياً على الطراز السوفييتي، وأبقى يده خانقة على المعارضة إلى الحد الذي جعل السوريين يخشون حتى مجرد المزاح بشأن السياسة مع أصدقائهم.
وسعى إلى تطبيق أيديولوجية علمانية تسعى إلى دفن الخلافات الطائفية تحت ستار القومية العربية وصورة المقاومة البطولية لإسرائيل.
كما شكل تحالفاً مع القيادة الدينية الشيعية في إيران، وعزز الهيمنة السورية على لبنان، وأنشأ شبكة من الجماعات المسلحة الفلسطينية واللبنانية.
في البداية، بدا بشار مختلفاً تماماً عن والده القوي.
كان بشار الأسد طويل القامة ونحيفاً، وكان يتلعثم في كلامه قليلاً، وكان يتمتع بسلوك هادئ ولطيف. وكان المنصب الرسمي الوحيد الذي شغله قبل أن يصبح رئيساً هو رئيس الجمعية السورية للحاسبات.
وكانت زوجته أسماء الأخرس، التي تزوجها بعد أشهر قليلة من توليه المنصب، جذابة وأنيقة ومولودة في بريطانيا.
ويبدو أن الزوجين الشابين، اللذين أنجبا في نهاية المطاف ثلاثة أطفال، كانا يتجنبان مظاهر السلطة، فقد عاشا في شقة في حي أبو رمانة الراقي في دمشق، على النقيض من القصور الفخمة التي يسكنها زعماء عرب آخرون.
في البداية، بمجرد توليه منصبه، أطلق الأسد سراح السجناء السياسيين وسمح بمزيد من الحوار المفتوح، وفي “ربيع دمشق”، نشأت صالونات للمثقفين حيث كان السوريون قادرين على مناقشة الفن والثقافة والسياسة بدرجة لم تكن متاحة في عهد والده.
ولكن بعد أن وقع ألف مثقف على عريضة عامة تدعو إلى الديمقراطية التعددية والمزيد من الحريات في عام 2001، وحاول آخرون تشكيل حزب سياسي، قامت الشرطة السرية المخيفة بقمع الصالونات وسجنت العشرات من الناشطين.
وبدلاً من الانفتاح السياسي، لجأ الأسد إلى الإصلاحات الاقتصادية، فرفع القيود الاقتصادية ببطء، وسمح للبنوك الأجنبية بالدخول، وفتح الأبواب أمام الواردات، وعزز من قوة القطاع الخاص.
وعلى الصعيد الخارجي، ظل الأسد ملتزماً بالخط الذي وضعه والده، والذي استند إلى التحالف مع إيران وسياسة الإصرار على العودة الكاملة لمرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل، رغم أن الأسد لم يواجه إسرائيل عسكرياً على الإطلاق في الممارسة العملية.
في عام 2005، تعرض لضربة قوية بفقدان سوريا لسيطرتها التي دامت عقوداً على لبنان المجاور بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
ومع اتهام العديد من اللبنانيين لدمشق بالوقوف وراء عملية الاغتيال، اضطرت سوريا إلى سحب قواتها من البلاد.
اعتمد الأسد طيلة فترة حكمه إلى حد كبير على نفس قاعدة القوة في الداخل التي كان والده يعتمد عليها: طائفته العلوية، وهي فرع من الإسلام الشيعي تشكل نحو 10% من السكان.
وذهبت العديد من المناصب في حكومته إلى أجيال أصغر سناً من نفس الأسر التي عملت لدى والده. كما اجتذبت هذه الإصلاحات أيضاً الطبقة المتوسطة الجديدة التي أنشأتها إصلاحاته، بما في ذلك عائلات التجار السُنّة البارزين.
كما لجأ الأسد إلى عائلته، فشقيقه الأصغر ماهر كان يتولى قيادة الحرس الرئاسي النخبوي، وقاد حملة القمع ضد الانتفاضة.
وكانت شقيقتهما بشرى صوتاً قوياً في دائرته الداخلية، إلى جانب زوجها نائب وزير الدفاع آصف شوكت، حتى مقتله في تفجير عام 2012.
وأصبح ابن عم بشار، رامي مخلوف، أكبر رجل أعمال في البلاد، حيث ترأس إمبراطورية مالية قبل أن يحدث خلاف بينهما أدى إلى إبعاد مخلوف جانباً.
كما عهد الأسد بشكل متزايد بأدوار رئيسية لزوجته أسماء، قبل أن تعلن في مايو/أيار أنها تخضع للعلاج من سرطان الدم وتخرج من دائرة الضوء.
قمع دموي للثورة
وعندما اندلعت الاحتجاجات في تونس ومصر، وأطاحت في نهاية المطاف بحكامهما، استبعد الأسد إمكانية حدوث نفس الشيء في بلاده، وأصر على أن نظامه أكثر انسجاماً مع شعبه.
وبعد انتقال موجة الربيع العربي إلى سوريا، شنت قواته الأمنية حملة قمع وحشية بينما نفى الأسد باستمرار أنه يواجه ثورة شعبية، بل ألقى اللوم بدلاً من ذلك على “الإرهابيين المدعومين من الخارج” الذين يحاولون زعزعة استقرار نظامه.
ولقد لاقى خطابه صدى لدى العديد من الأقليات في سوريا ــ بما في ذلك المسيحيون والدروز والشيعة ــ فضلاً عن بعض السنة الذين كانوا يخشون احتمال حكم المتطرفين أكثر من كرههم لحكم الأسد الاستبدادي.
في 15 آذار/مارس 2011، انطلقت تظاهرات سلميّة مناوئة للنظام في إطار ما سُمّي حينها “الربيع العربي”، لكن النظام قمع هذه التظاهرات بعنف.
سعى النظام إلى سحق التمرّد فخاض حرباً ضد مقاتلين معارضين اعتبر تحركهم “إرهاباً مدعوماً من الخارج”. وبدأ عام 2012 استخدام الأسلحة الثقيلة ولا سيّما المروحيات والطائرات.
واتّهم الغرب مراراً النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية، وهو ما نفته دمشق على الدوام.
إيران وروسيا إلى نجدة النظام
في العام 2013، أقر حزب الله الشيعي اللبناني بانخراطه في القتال إلى جانب قوات النظام، وأرسل الآلاف من عناصره إلى سوريا.
وأصبحت إيران الحليف الإقليمي الأكبر للنظام.
في 30 أيلول/سبتمبر 2015، وبعدما تراجعت قوات النظام على جبهات كثيرة، بدأت روسيا تدخلها العسكري في النزاع، بعدما كانت داعماً رئيسياً لدمشق في مجلس الأمن الدولي منذ اندلاع النزاع.
كان تدخل روسيا نقطة تحوّل في النزاع، وتمكن النظام بفضله من استعادة زمام المبادرة وتحقيق انتصارات استراتيجية في مواجهة الفصائل المعارضة والجهاديين.
وأقرت تهدئة في آذار/مارس 2020 بعد اتفاق روسي-تركي إلا ان الجماعات الجهادية واصلت قصفها وتحركاتها المتقطعة.
مذكرة توقيف دولية
في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف دولية في حق بشار الأسد بشبهة شن هجمات كيميائية في سوريا العام 2013.