ماكرون سيسمي رئيسا جديدا للوزراء ويرفض الدعوات إلى استقالته
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيسمّي رئيسا جديدا للوزراء “في الأيام المقبلة” بعد استقالة ميشال بارنييه إثر حجب الثقة عن حكومته في الجمعية الوطنية.
وفي خطاب إلى الأمة، رفض ماكرون أيّ دعوات إلى استقالته، مؤكدا أنه سيبقى رئيسا “في شكل تام، حتى انتهاء الولاية” في العام 2027، ومهاجمًا اليمين المتطرف واليسار الراديكالي اللذين اتّهمها بأنهما اتّحدا ضمن “جبهة مناهضة للجمهورية” بهدف إسقاط حكومة بارنييه و”إثارة فوضى”.
ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2027، لكن البعض، ولا سيما اليسار المتطرف، يطالبون ماكرون بالاستقالة.
وقال الزعيم اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون على إحدى القنوات التلفزيونية بعد خطاب الرئيس مباشرةً، إن ماكرون هو “سبب المشكلة” و”التطورات ستجعله يرحل”.
وبعد حجب الثقة عن حكومته، قدّم بارنييه استقالته لماكرون. وقد تترافق هذه العاصفة السياسية مع أخرى اجتماعية. فمن المدرّسين إلى المراقبين الجويين، شهد الخميس تعبئة وإضرابا في صفوف الموظفين الرسميين مع عشرات التجمعات في كل أرجاء البلاد، فيما طلب الطيران المدني من الشركات الجوية خفض برامج رحلاتها.
وأعلنت الرئاسة أن ماكرون “أخذ علما” باستقالة رئيس الوزراء الذي سيتولى مع حكومته تسيير الأعمال حتى تسمية خلف له.
وجرى تداول أسماء شخصيات عدة للخليفة المحتمل، بينهم رئيس حزب الحركة الديموقراطية فرنسوا بايرو، ووزير القوات المسلّحة سيباستيان لوكورنو، وحتى رئيس الوزراء الاشتراكي السابق برنار كازنوف.
وثمة ضرورة لحصول تحرك عاجل، نظرا إلى عمق الأزمة السياسية المستفحلة منذ أن قرر ماكرون حل الجمعية الوطنية في حزيران/يونيو الماضي بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها معسكره في الانتخابات البرلمانية الأوروبية أمام اليمين المتطرف.
وأنتجت الانتخابات التشريعية المبكرة جمعية وطنية مشرذمة وموزعة على كتل ثلاث، هي تحالف اليسار، ومعسكر ماكرون، واليمين المتطرف، دون أن تكون لأي منها غالبية مطلقة.
وإثر مداولات استمرت خمسين يوما، شكلت حكومة تضم وزراء من اليمين والوسط مطلع أيلول/سبتمبر.
وبعد ثلاثة أشهر، سقطت الحكومة أمام الجمعية الوطنية بموجب مذكرة حجب ثقة للمرة الأولى منذ 1962. وهذه أقصر ولاية لحكومة في ظل الجمهورية الفرنسية الثانية التي أعلِنت عام 1958.
وطلبت رئيسة الجمعية الوطنية يائيل برون-بيفيه من ماكرون صباح الخميس تعيين رئيس جديد للوزراء “سريعا”.
مشاورات
إلى ذلك، استقبل رئيس الدولة شخصيات عدة بينها برون-بيفيه، وتناول أيضا الغداء الخميس في الإليزيه مع زعيم حزب “الحركة الديموقراطية” فرنسوا بايرو الذي يجري تداول اسمه ليحل محل بارنييه، حسبما قال مصدر مطلع.
في الأثناء، امتنعت أوساط الرئيس الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوى، عن تقديم أي جدول زمني للخطوات التالية. لكنّ قريبين منه أشاروا إلى نيته التحرك سريعا وربما اعتبارا من مساء الخميس، وأكد أحدهم أن “لا خيار أمامه”.
ويبدو الانقسام واضحُا بين اليسار والوسط واليمين، للاتفاق على حكومة ائتلافية جديدة.
Un honneur d'avoir servi avec dignité la France et les Français. pic.twitter.com/BGe5gopVDF
— Michel Barnier (@MichelBarnier) December 4, 2024
وحذرت زعيمة مجموعة نواب حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي الخميس من أن حزبها لن يعطي الثقة في الجمعية لأي رئيس للوزراء لا ينتمي إلى تحالف اليسار المعروف باسم “الجبهة الشعبية الجديدة” الذي يضم الخضر والاشتراكيين والشيوعيين واليسار الراديكالي.
واعتمدت مذكرة حجب الثقة بتأييد 331 نائبا فيما كانت تحتاج إلى 289 فقط لإسقاط الحكومة، ما يجعل الضربة مؤلمة أكثر بالنسبة إلى السلطة.
ولحجب الثقة عن الحكومة، صوّت نواب اليسار وحزب التجمّع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه دعما للمذكرة التي تتناول مسائل الميزانية فيما تعاني فرنسا مديونية مرتفعة.
وسارع اليسار الراديكالي إلى المطالبة باستقالة ماكرون والدعوة إلى انتخابات “رئاسية مبكرة”.
واعتمدت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن موقفا أكثر اعتدالا مقارنة باليسار الراديكالي، مؤكدة أنها ستفسح المجال أمام رئيس الحكومة المقبل “للعمل على بناء ميزانية مقبولة للجميع بشكل مشترك”.
وقالت “لا أطالب باستقالة إيمانويل ماكرون”.
“واقع الدين”
ومع أن سقوط حكومة بارنييه كان متوقعا، إلا أن الصحافة أبدت قلقها الخميس من “مرحلة غموض تلوح في الأفق”.
وانقسم الفرنسيون حيال الوضع، إذ أيد 53 % قرار النواب فيما أعرب 82 % عن قلقهم من تبعاته، حسب استطلاع للرأي أجراه معهد “تولونا هاريس انتراكتيف” لحساب “آر تي إل”.
وأعرب مواطنون استطلعت وكالة فرانس برس آراءهم في أرجاء البلاد، عن قلقهم من “الغموض” و”الحلقة المفرغة” و”الطريق المسدود”.
ويتطلب وضع الميزانية في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، تشكيل حكومة سريعا.
ويتوقع أن يبلغ العجز العام 6,1% من إجمالي الناتج المحلي في 2024 أي أكثر بكثير من 4,4% كانت متوقعة في خريف العام 2023 فيما سيؤثر عدم اليقين السياسي في كلفة الدين والنمو.
وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن سقوط الحكومة الفرنسية “يقلص احتمال تعزيز المالية العامة”.
رغم ذلك، ظلت الأسواق هادئة، فبعد الافتتاح على انخفاض طفيف (-0,28%) الخميس، ارتفعت بورصة باريس قليلا في منتصف النهار (+0.22%). وبعيدا من الارتفاع، كان معدل فائدة الاقتراض الفرنسي في الأسواق يتجه نحو الانخفاض.