أخبار الآن | الموصل – العراق – (رويترز)
أول شيء فعله عازف العود العراقي المعروف فاضل البدري بعد طرد تنظيم داعش من مدينة الموصل، هو البحث عن آلاته الموسيقية. وكان البدري مطلوبا من جانب التنظيم المتشدد الذي كان يُحّرِم الفن أثناء فترة احتلاله المدينة، التي استمرت ثلاث سنوات بين 2014 و2017، وكان يعاقب ويقتل الموسيقيين والشعراء.
واختبأ البدري بعد أن أخفى آلاته الموسيقية. وبعد هزيمة داعش، على يد القوات العراقية ، استخرج البدري آلاته وعانقها وقبلها كما لو كانت أولاده وعزف وسط الأنقاض أغنية خاصة للموصل.
وقال عازف العود العراقي “طلعت الآلات الموسيقية، أجيت عليهم، دوزان (ضبط) مال الآلات نزل الدوزان، طلعت العود بوستهم (قبلتهم)، حضنتهم كأنهم أطفالي، فأول شيء حتى اللي كانوا موجودين معي قالوا لي معقولة هذا الشوق هذا للموسيقى؟. قلت هذه روحي وحياتي. طلعت الآلات الموسيقية، دوزنت (ضبطت) الكمان وعزفت مقطوعة موسيقية، وعزفتها خاصة لمدينة الموصل. مقطوعة موسيقية كانت جميلة جدا بس بها تحمل شجن وحزن وآلام اللي قضيتها بذيك (بتلك) الفترة عبرت بها بهاي المقطوعة الموسيقية”.
ويوم السبت (28 أكتوبر تشرين الأول) حضر البدري وموسيقيون ونشطاء آخرون أول حفل تحييه أوركسترا في المدينة الواقعة في شمال العراق منذ هزيمة المتشددين بها قبل أكثر من عام.
ولاقى ألوف حتفهم في تلك المعركة بينما فر عشرات الألوف من المدينة، وبينهم البدري نفسه.
وعزف الموسيقيون في حديقة كان المسلحون يدربون فيها أطفالا ليصبحوا جنودا. وتردد صوت الموسيقى، التي كانت مزيجا من الموسيقى الكلاسيكية الغربية والعراقية، على ضفاف نهر دجلة.
وقاد الحفل الفنان كريم وصفي القائد السابق لفرقة أوركسترا بغداد حيث عزفت فرقة فارابي أوركسترا الزائرة إلى جانب موسيقيين محليين.
ويُحتفى بالموصل منذ فترة طويلة كمركز للثقافة العراقية، لكن تلك الحياة تغيرت حتى قبل إعلان داعش احتلالها عام 2014. فقد فرض تنظيم القاعدة حظرا للموسيقى في المدينة عام 2003، ولا يكاد أحد يتذكر متى سمع آخر مرة موسيقى حية تُعزف في الموصل.
وأوضح علي البارودي، الأستاذ في كلية الآداب، جامعة الموصل أن تنظيم داعش واصل حملة القمع الثقافي في الموصل ففجر التماثيل ودمر الآثار.
وقال “لم يبق من الثقافة في الموصل إلا اسمها أو على الأقل بشكل علني، لأننا كنّا نمارس الثقافة بشكل سري.. سماع الموسيقى، هناك فرق موسيقية كانت تتمرن على الموسيقى تحت داعش بشكل سري، تبادل الكتب والأفلام والموسيقى، هذه الأمور لم ننقطع عنها وإن كانت هناك مخاطرة ليست بالهينة”.
وينتمي البارودي والبدري لمجموعة من الفنانين والناشطين الذين تحدوا المخاوف من التعرض لهجمات جديدة ونظموا أسواقا أسبوعية للكتب ومعارض للصور الفوتوغرافية، ورسموا جداريات في حركة نهضة للثقافة بالمدينة.
وفي العام الماضي، ساهم البارودي في إطلاق حملة دولية لتعويض مليون كتاب أحرقها تنظيم داعش في مكتبة جامعة الموصل، وهي واحدة من أهم المكتبات بالمنطقة.
وقال “الموصل فقدت هويتها، فقدت معالمها، فقدت الآلاف من أبنائها، والبعض منهم لايزال تحت الركام. هذه الحملات تعطينا بصيص أمل، حتى لا أُبالغ، هذه الحملات لن تقوم بحل جميع المشاكل في ليلة وضحاها ولكن على الأقل نشعر أننا لسنا وحدنا في الطريق وأن هناك ضوءا في آخر النفق”.
وافتتح مركز ثقافي جديد هو مقهى قنطرة الثقافي في شرق الموصل في مارس آذار الذي يرحب بالرجال والنساء وبه مكتبة عامرة بالكتب وينظم ورش قراءة وعروضا موسيقية.
وتعرض على جدرانه لوحات وصور فوتوغرافية لتاريخ الموصل الثري ودمارها حديثا. ويصور أحد الجدران جرائم داعش، ويعرض بذلة صفراء من التي يرتديها المعتقلون، فضلاً عن أصفاد.
ولم تشهد كل المؤسسات الثقافية في الموصل نهضة جديدة.
فقد كانت المكتبة المركزية في جامعة الموصل، وهي مركز أبحاث يضم مخطوطات نادرة بينها سجلات حكومية يعود تاريخها إلى العصر العثماني، هي الوحيدة التي لم يلحقها أذى تنظيم داعش . وأخفى أمناء المكتبة النصوص الأكثر قيمة، وأُلقي بعشرين ألف كتاب في الطابق السفلي. وبعد تحرير شرق الموصل، تمكن موظفو المكتبة من إنقاذ ما استطاعوا من هذه الكتب وتكديسها على رفوف مؤقتة.
لكن نظرا لعدم وجود نوافذ ووجود ثقوب في السقف، لا تزال المكتبة مغلقة وأصبحت قاعاتها، التي كانت تعج بالباحثين من الطلاب، مغطاة بالغبار الآن. وقال مدير مكتبة الموصل المركزية جمال أحمد إنه تم رصد تمويل لإصلاح المكتبة لكن جهود الإصلاح الحكومية توقفت.
وأضاف “قامت جهات من محافظة نينوى بترميمها والترميم ما كمل، يعني بقت كثير من الشغلات ما تم إكمالها، بقى العمل غير مكتمل. حاليا المكتبة بحاجة إلى ترميم من أي جهة كانت، سواء كانت منظمة أو أي جهة حكومية وبحاجة إلى تغيير الخزانات أو الدواليب التي تضم الكتب، الرفوف نسميها”.
إقرأ أيضا: