أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – (مرصد المستقبل)
يتجول السياح في مدينة قسنطينة الجزائرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط متمتعين بجمال المدينة وبهاء جسورها، ولا تكتمل جولتهم دون المرور بالمسجد الأخضر، وهو مسجد كبير بناه أحد الحكام العثمانيين قبل أكثر من مئتين وخمسين سنة وهو اليوم معلم تراثي ووطني كبير له مكانته في الجزائر.
اقرأ أيضا: المغرب يأمل الإنضمام للمجموعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا
لكن ربما لا يعلم الكثيرون أن هناك مسجد أخضر في الجارة المغرب، وتحديداً في العاصمة الرباط، وأن المملكة المغربية تخطط لجعل كافة مساجدها خضراء، وأن أغلبها قد لا يدخل اللون الأخضر في تصميمها بالضرورة.
في الواقع، فإن المسجد المذكور هو مسجد السنة بوسط العاصمة المغربية وهو يعتمد كلياً على الطاقة الشمسية لذلك يعد صديقاً للبيئة وهو بالتالي أخضر، وهو جزء من خطة حكومية بعيدة المدى تهدف لتشجيع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وقد بدأت تثمر نتائج ملموسة ومبشرة.
من نافلة القول أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي منطقة غنية بمصادر الطاقة، فبحور النفط التي تعوم فوقها منطقة شبه الجزيرة العربية والعراق وليبيا وآبار الغاز المنتشرة في الجزائر يعرفها القاصي والداني، لكن قصة المنطقة مع الطاقة لا تنتهي هنا، فالشمس التي تسطع بقوة في المنطقة ترسل مع أشعتها كمية من الطاقة تعادل 5.1 مليون برميل من النفط الخام لكل كيلومتر مربع سنوياً، وهذه الأرقام قد دفعت الكثير من الحكومات أن تفكر ملياً بالاستفادة من الهدايا المجانية التي تقدمها السماء دون انقطاع ودون خوف من نضوبها.
فإمارة أبوظبي تخطط لتأمين 7% من احتياجاتها من الطاقة من الطاقة الشمسية بحلول 2020، بينما ستكتفي الكويت بـ 5% بحلول سنة 2030 أما مصر فستسعى لتأمين 20% من احتياجاتها من مصادر طاقة متجددة، لكن إذا اتجهنا نحو أقصى غرب المنطقة أي المملكة المغربية سنجد أن هذه الأرقام تقفز فجأة لتصبح 42% بحلول سنة 2020 و52% عام 2030، لذلك من المفيد التعرف على التجربة المغربية بهذا الخصوص.
بداية، من المفيد التذكير بأن المغرب لا تملك مصادر للطاقة الأحفورية بكافة أشكالها الصلبة والسائلة والغازية فهي تستورد 96% من احتياجاتها من الطاقة، والطلب على الطاقة الكهربائية يزداد بمعدل 8% سنوياً، ومن المتوقع تضاعف الطلب على الطاقة مرتين سنة 2020 وثلاث مرات سنة 2030 مالم تحرك الحكومة ساكناً، ومن هذا الواقع اتجهت المملكة للبحث عن مصادر أخرى للطاقة، فاتجهت للأعلى نحو الشمس عوضاً عن التنقيب في جوف الأرض أو أعماق البحار، ونظراً لكون القضية على درجة عالية من الأهمية فقد تم تزويدها بالبنية التحتية اللازمة لتفعيل الحلول كافة الممكنة والحرص على استمراريتها.
فقد تم وضع التشريعات التي تنظم قطاع الطاقة وتحفز المستثمرين على التوجه إليه فقد بدأ العمل بالقانون 13/09 سنة 2010، وهو قانون يتعلق بالترخيص للقطاعين العام والخاص للاستثمار بمجال توليد وتحويل الطاقة وتحفيز الشركات على التوجه باتجاه الطاقات المتجددة وفي طليعتها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
كذلك تم إطلاق المؤسسات التي ستنظم وتحتضن كافة المشاريع والفعاليات المتعلقة بالطاقة المتجددة منذ عام 2009، نذكر منها: الوكالة الوطنية لتنمية الطاقة المتجددة، الوكالة المغربية للطاقة الشمسية، شركة الاستثمارات في مجال الطاقة ومعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة.
وقد بدأت المملكة والتي ترسل الشمس إلى كل كيلومتر مربع من أراضيها 2100 – 2350 كيلو واط ساعي، بمشروع ضخم لتوليد الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية يعرف بمشروع "نور"، وقد تم إطلاقه سنة 2013 وأنجزت أولى مراحله السنة الماضية ببناء محطة نور- 1 والتي كلفت 660 مليون دولار، وهي محطة تمتد على مساحة 4.5 كم² وتحوي نصف مليون مرآة عاكسة وتنتج 160 ميغا واط سنوياً، ما سيوفر على الدولة استهلاك مليون طن من الوقود الأحفوري وسيخلص الهواء من 3.7 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون. وعند انتهاء المشروع سنة 2020 ستكون المغرب قد امتلكت أكبر محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بالعالم والتي ستحتوي على 1.7 مليون لوح شمسي وبإنتاج قدره 2000 ميغا واط سنوياً، مما سيقلل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 9 ملايين طن سنوياً.
ومما لا شك فيه أن ضخامة المشروع تتناسب مع كثافة الطاقة التي ترد من الشمس والتي لا يمكن استغلالها بفعالية إلا بمحطة بهذا الحجم، مع العلم أن الكلفة الإجمالية للمشروع تقدر بـ 9 مليار دولار.
كذلك لم تكتف المملكة بتجربتها الخاصة في هذا المجال بل شاركت بمشروع أكبر على مستوى أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهو مشروع ديزرتك Desertec. هذا المشروع هو عبارة عن مبادرة تهدف لاستغلال السطوع الشمسي الغني بالطاقة في المناطق القريبة من مدار السرطان في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وقد استجابت المغرب للمبادرة وتعد اليوم الدولة الأفريقية الوحيدة المرتبطة مع أوروبا بكبل للطاقة، وذلك كجزء من هذا المشروع الضخم والذي من المتوقع أن يعود على المملكة بريع قدره 400 مليار دولار سنة 2020.
مع انطلاق صفارات الإنذار المتعلقة بواقع مصادر الطاقة في العالم، سواء تلك التي يطلقها علماء الجيولوجيا بخصوص ما تبقى من احتياطي النفط المخزون في البحار والبراري، أو نداءات الاستغاثة التي يطلقها علماء البيئة والمناخ والتي تدعو للتوقف عن بث السموم في الغلاف الجوي، ينبغي النظر إلى التجربة المغربية على أنها مثال ينبغي على جميع دول المنطقة احتذاؤه، خاصة أن المنطقة مهيأة طبيعياً وجغرافياً للاستفادة من مصادر متجددة للطاقة، مع التركيز على الدور الذي لعبته البيئة التحتية التشريعية والمؤسساتية على إنجاح هذه التجربة.
اقرأ أيضا: