لطالما كان الظواهري قائدًا غائبًا، وبينما كان التاريخ يكشف استمرار ضعف تنظيمه، ظل الظواهري صامتًا وغير فعال إلى حد كبير. ومنذ قرابة العام لم يظهر في أي مقطع فيديو جديد، وجميع مقاطع الفيديو التي نشرتها وكالة سحاب كانت تتمات لإصدارات سابقة ولا علاقة لها بالأحداث الجارية المهمة.
اللافت تقرير نشرته الأمم المتحدة في مايو الماضي، تحدث أن الظواهري شوهد في فبراير من العام الحالي أثناء اجتماعه بأعضاء شبكة حقاني لمناقشة اتفاق السلام بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان.
تقول الصحافية نهاد الجريري من برنامج “مرصد الجهادية“: “كان واضحاً أن الحسابات المقربة من قيادة القاعدة والتي عادت تضم عناصر مخضرمين أو مقاتلين انتقلوا من أفغانستان/خراسان إلى الشام تحديداً، كان واضحاً أنهم تفاجأوا بالخبر. هؤلاء لهم حسابات معروفة على تليغرام ولها روابط اتصال.. خاطبناهم بشكل رسمي، ينكرون أن يكون الظواهري قد مات. لكن ليس لديهم ما يدعم ذلك.
بعض الحسابات التي خاطبناها كانوا ينكرون في البداية ثم يقولون: ليس مستغرباً أن يموت لأن سنه كبيرة ولأنه مريض. في إحدى المرات، قام حساب بالكتابة رسمياً بعدم اعتماد أي خبر ما لم يكن من القنوات الرسمية، السحاب، والملاحم والزلاقة وغيرها، ثم بدأوا يكثفون نشر صور للظواهري وأسامة بن لادن ومقاطع صوتية. هم عادة يفعلون ذلك، لكن وتيرة النشر زادت في اليومين الماضيين. وكانوا طبعاً يُلحقون بالظواهري عبارة “حفظه الله” التي تدل على أنه على قيد الحياة طبعاً. في المقابل، سمعنا من حسابات مقربة أيضاً أن الظواهري مات فعلاً منذ أكثر من شهر وأن اتصالاً ورد إلى قيادة القاعدة في اليمن بهذا الخصوص. وأن بيان تعزية سيصدر قريباً لكن ليس من خلال السحاب.”
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأخبار الأخيرة عن وفاة الظواهري لا تزال تشكل صدمةً كبيرةً ومصدر إرباك وتخبط لدوائر القاعدة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن المحادثات المباشرة التي أجراها الصحفيون معهم.
ضربات مزدوجة.. الظواهري والمصري
أحد الأسباب التي زادت من شدة الصدمة هو نبأ وفاة الظواهري في نفس الوقت الذي جاء فيه تأكيد اغتيال أبو محمد المصري في إيران في آب أغسطس الماضي، ويمكن القول إن قتل المصري ووفاة الظواهري يشكلان أكبر ضربة موجهة ضد قيادة القاعدة منذ قتل أسامة بن لادن.
ضمن هذا السياق قالت الجريري: “الحسابات المقربة من القاعدة كانت أيضاً مضطربة فيما يتعلق بخبر أبي محمد المصري. الحسابات تنكر مثلا أن يكون المصري في إيران أصلاً. لكن حقيقة، تواصلنا مع أحد الحسابات وحاولنا بشكل رسمي أن نسأل إن كانوا يؤكدون أو ينفون خبر قتل المصري. الحساب نفى بداية الخبر، ثم نشر تعزية به مؤكداً وفاته. لم يذكر الحساب ظروف الوفاة وأنه اغتيل. لكنه وصفه بـ “الشهيد” بمعنى أنه مات في ظرف غير طبيعي. ثانياً، بشكل ملتوٍ أشار إلى أنه قُتل في إيران عندما قال إنه أمضى ١٦ عاماً في “السجن” حتى نال ما تمنى في إيران. نذكر أن المصري كان ضمن ضمن مجموعة من القياديين الكبار الذين أقاموا في طهران بعد غزو أفغانستان. أطلق سراحهم على فترات ونعلم أن المصري وسيف العدل فضلا البقاء في طهران يتجولان بحرية لكنهما ممنوعان من السفر.”
الاشكالية والغموض في خط الخلافة
يبدو أن دوائر القاعدة تتفق على أن سيف العدل هو أحد المرشحين المحتملين لشغل منصب قيادة التنظيم بدلا من الظواهري، وهو عضو في مجلس شورى القاعدة وواحد من قلة يُحسبون على أنهم من كبار القادة الذين ما زالوا على قيد الحياة.
تواجده في إيران يعتبر المشكلة الرئيسية في حال تسلم سيف العدل القيادة. ووجود كبار القاعدة في إيران للاختباء شيء، ومحاولة إدارة التنظيم من هناك شيئ آخر، فجميع القرارات والأوامر الصادرة عن أي زعيم مختبئ في ذلك البلد ستكون عرضة للشكوك والنقد الداخلي، إضافة إلى أن اغتيال أبو محمد المصري، أظهر أن إيران غير قادرة على حماية ضيوفها المكرهين. ليس من الواضح ما إذا كانت إيران ستسمح لسيف العدل بمغادرة البلاد للذهاب إلى ما يسميه تنظيم القاعدة خراسان، أي منطقة أفغانستان- باكستان.
وهنا تلاحظ الجريري: “بالإضافة إلى هذه المسألة “اللوجستية” المتعلقة بكيف يمكن لسيف العدل أن يحكم من إيران، ثمة مشكلة أخرى هي: كيف ينظر أنصار التنظيم إلى زعيم يدير شؤونهم من إيران؟ وأعتقد أنهم بدؤوا يحضّرون أنفسهم لهذا الاحتمال. فمثلاً نسمع منهم أنهم يقولون إن سيف العدل يستطيع الخروج من إيران لأن الحدود من ناحية بلوشتسان جنوب شرق إيران مفتوحة. ويقولون مثلا إنه كان يدير أمور التنظيم حتى في حياة الظواهري. وثمة مسألة أخرى تتعلق بسيف العدل وهي وضعه الصحي. فهو مريض. إذاً، من سيكون التالي؟ هذه معضلة أخرى.”
من جهة أخرى، يعتبر زعيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية خالد باطرفي منافساً قوياً آخر على منصب القيادة العام على الرغم من أنه يواجه معارضة داخلية وهروبًا في اليمن. وتُثار أسئلة حول إمكانية باطرفي قيادة القاعدة من اليمن؟ وإذا لم يتسن له ذلك، فهل يمكنه السفر إلى خراسان؟ وفي حال غادر اليمن، ماذا سيحدث لفرع القاعدة في جزيرة العرب المنهار بالفعل؟
من منظور آخر، يتمتع باطرفي بأسلوب قيادة شديد الاستقطاب، إذ إنه يركز بشكل أكبر على المعارك الداخلية بدلاً من توجيه طاقة التنظيم ضد أعدائه، فماذا سيفعل للقاعدة إذا أصبح القائد الأعلى؟
وضمن هذا السياق رصدت الجريري ردود الفعل التالية: “نسمع في غرف الجهاديين المقربين من القاعدة أن اتصالاً وصل إلى القاعدة في اليمن بوفاة الظواهري وتعيين سيف العدل زعيماً للتنظيم وباطرفي نائباً له. فإن لم يتمكن سيف العدل من قيادة التنظيم بسبب العلاقة الإيرانية أو وضعه الصحي، فهل يمكن أن يكون باطرفي زعيماً؟ نطرح هذا السؤال ونجد رفضاً واضحا من أنصار القاعدة على أساس أنه شاب ولا خبرة له لقيادة تنظيم بحجم القاعدة. ”
أخيرًا وليس آخرًا، سيكون باطرفي قلقًا للغاية بشأن محاولات اغتياله، سواء من أعدائه الداخليين أو من خلال الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
تختم الجريري: “مرة أخرى، نسمع من أنصار القاعدة أن “خليفة” الظواهري موجود وكذلك نؤّابه لكنهم لا يعلنون عن أسمائهم لاعتبارات أمنية. فنحن الآن أمام جيل جديد من الجهاديين يحملون أسماء ربما تكون وهمية؛ شكل جديد من القاعدة: الجماعات التي أعلنت ولاءها للقاعدة في إفريقيا والصومال وحتى في اليمن والهند، هل ستظل على هذا الولاء أم ستخلق لأنفسها حواضن أخرى كما حصل مع الجولاني مثلاً؛ وحتى داعش. هذه مرحلة جديدة. ”
بعبارة أخرى، لم يكن نبأ وفاة زعيم غائب هو السبب الذي هز عالم الجهاديين، ولكنها كانت الصدمة بعد إدراك أن المستقبل يبدو أكثر قتامة من الحاضر، مع عدم وجود أمل واضح في تعافي التنظيم تحت قيادة زعيم جديد.
الموت بصمت
نقطة أخرى غاية في الأهمية تتمثل بضعف قدرة القاعدة على التحدث في الوقت المناسب عند وقوع أحداث كبيرة كما حدث خلال هذا الأسبوع الأمر الذي يجعل كل ضربة ضد التنظيم مدمرة بالفعل.
وبالتالي، فإن السؤال الحقيقي هو من سيتحدث الآن باسم القاعدة وماذا سيقولون عن وفاة الظواهري وقتل المصري؟