كان أحد الضبّاط يتحدث على الهاتف مع عضو آخر في القاعدة العسكرية. لم يسمع التحذيرات التي كانت تنطلق، فيما كان ضابط آخر يعدّل نظام الحاسوب الذي أرسل الإنذارات، لكنّه تجاهلها معتبراً أنّه خطأ في عمل النظام، وهكذا لم يفعل شيئاً!
لكن الإنذار كان صحيحاً، فشابٌ كوري شمالي وصل إلى الشاطئ بعد 6 ساعات من السباحة، وقد زحف تحت سياج من الأسلاك الشائكة، ثمّ عبر من خلال أنبوب صرف مفتوح، وبالتالي تمكّن من القيام بشيء ما، ادعى الجيش الكوري الجنوبي “بتفاخر” باستحالة القيام به، حيث اخترق أحد أكثر الحدود تحصيناً في العالم، واجتاز المنطقة المنزوعة السلاح، التي تقسم الكوريتين الشمالية والجنوبية وتسلّل إلى “أراضي العدو”.
وقال تشون إن بوم، وهو فريق متقاعد والقائد السابق للقوات الخاصة لجمهورية كوريا، لـ”اخبار الآن“: “لقد منحنا الشعب الكوري إحساساً بالأمان، وهو أمر مضلل”.
المنطقة المنزوعة السلاح (DMZ) ليست الحدود الفعلية لكنها المنطقة العازلة حول الحدود مع كلّ المنشآت الأمنية.. فهناك تدابير “تقليدية” مثل الألغام الأرضية والأسوار الشائكة، وهناك تدابير أكثر حداثة مثل أجهزة الإستشعار الأرضية والرادارات وكاميرات المراقبة التي تطلق أجهزة الإنذار بالحركة، وكذلك هناك الكاميرات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء الحرارية.
وأضاف تشون: “هناك ثلاث طبقات من الأسوار وعدد كبير من الألغام الأرضية، ورغم كلّ ذلك، فإنّ الشخص المتفاني الذي يرغب في إنقاذ حياته، تمكّن من اختراق كل ذلك، وسيكون قادراً على ذلك. ليس في كلّ مرة، ولكن من حين لآخر”.
10 إنذارات
وأطلقت كوريا الشمالية 10 إنذارات، لكن الجيش لم يرد حتى الإنذار رقم 8. وقد أثار خبر الاختراق الكثير من الجدل في كوريا الجنوبية، ووصفت إحدى أكبر الصحف في البلاد الوضع بأنّه “مثال على كيفية عدم تنظيم جيشنا”، فيما سارعت الحكومة والمصادر الرسمية بالقول إنّ الأمور سيتم تحسينها.
وفي حديث لـ”أخبار الآن“، قال هونغ تشول، وهو المسؤول في فريق الاستجابة لحالات الطوارئ في مقاطعة كوسونغ غون التي وصل إليها الشاب الكوري الشمالي: “هذه ليست المرة الأولى التي يعبر فيها رجل إلى الجنوب، لدينا عدة حالات أخرى. ونعم، سيكون من الرائع جدّاً أن نلقي القبض عليهم على الفور، ولكن كلما بدا أن هناك مشكلة، يحاول “الجيش” دائماً إجراء تغييرات إضافية لتحسين نفسه”.
لكن هذه الحادثة برمتها أوضحت شيئاً ما، وهو أنّ الجيش الكوري الجنوبي يواجه مشكلة، أنّه يتقلص، بمعنى أنّه يتراجع عدد المجندين فيه، وتصبح مدّة التجنيد الإلزامي أقصر.
واعتادت محافظة كوسونغ غون أن تشهد أكثر من فرقة للجيش لتأمين المنطقة الحدودية، لكنّ الآن هناك فرقة واحدة فقط. وتركز حكومة كوريا الجنوبية بدلاً من ذلك على التكنولوجيا الجديدة لتعويض عدد أقل من الجنود، لكن وفقاً للخبراء، لا يمكن أن يحل ذلك المشكلة.
وقال الدكتور دانيال بينكستون، المحاضر في جامعة تروي ونائب مدير مشروع شمال شرق آسيا السابق لمجموعة الأزمات الدولية في سيول، لـ”أخبار الآن“: “لتشغيل أنظمة عالية التقنية، نحتاج للاستثمار في رأس المال البشري والموارد البشرية، فلن يتمكن الأشخاص في تحصيل المعرفة في 18 شهراً فقط”.
وسيقوم الجيش الكوري الجنوبي بتقليص حجم جيشه الدائم من 550 ألفاً في الوقت الحالي إلى 500 ألف، وذلك بسبب انخفاض عدد السكان، كما أنّ مدة التجنيد الإلزامي لجميع الذكور ستقل من 21 شهراً إلى 18 شهراً.
وأضاف بينكستون أنّ شكل الحرب تغيّر، لذلك ليست هناك حاجة لأن تقوم كوريا الجنوبية برفع حجم جيشها إلى مليون جندي لتضاهي جارتها الشمالية، لكن التكنولوجيا لا يمكن أن تكون حلاً شاملاً. وقال: “من غير المحتمل أن نشهد غزواً مماثلاً لذلك الذي حدث في العام 1950، فكوريا الجنوبية لا تحتاج إلى توازن، واحد لواحد، مع الشمال، لكن هناك متطلبات من القوى العاملة والتكنولوجيا لا يمكن أن تعوض كلّ عدم التماثل هذا”.
هذا الخرق في أمن الحدود ليس الأول من نوعه لكنّه الأحدث… ففي نوفمبر الماضي، قفز رجل كوري شمالي من على السياج الحدودي حيث لم تلتقطه أجهزة الاستشعار، وقبل ذلك ببضعة أشهر عاد أحد المنشقين إلى كوريا الشمالية، عبر أحد أنابيب الصرف كذلك غير الخاضعة للرقابة.
وذكر تقرير صدر حديثاً أنّ الجيش الكوري الجنوبي وجد العديد من أنابيب الصرف التي لم يعرفوا أبداً بوجودها، وبالتالي لم يتم فحصها. ولكن على الرغم من أنهم سيعملون على إصلاح الأخطاء التي سمحت لشاب كوري شمالي بالتسلل، فمن المرجح ألا تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يعبر فيها شخص المنطقة المنزوعة السلاح.
وقال الفريق المتقاعد والقائد السابق للقوات الخاصة لجمهورية كوريا الجنوبية تشون لـ “أخبار الآن“: “نحن بحاجة إلى أعداد. لكن ليس فقط الأعداد، لكننا نحتاج إلى الجودة. والطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها الحصول على كليهما هي الحفاظ على التجنيد الإجباري”.
وبعد إطلاق الإنذار الأوّل في الساعة 01:05، تحرك الشاب الكوري الشمالي على طول الطريق لأكثر من 5 كيلومترات، ولم يكن الأمر كذلك حتى حوالي الساعة 4:16 صباحاً عندما رصده أحد جنود الحراسة عبر كاميرات المراقبة وأبلغ رؤساءه بأنّ المطاردة بدأت. وبعد 3 ساعات وجدوا الشاب ملقى على جانب الطريق وجسده السفلي تحت كومة من أوراق الأشجار.
كان يسبح لمدة 6 ساعات، لا شك أنّه كان منهكاً، وكان الماء بارداً، وكان البحر هائجاً. لكنه ثابر بمساعدة التيار ليحمله جنوباً، وعندما وجده الجيش الكوري الجنوبي، أعلن نواياه للانضمام إلى الجنوب الديمقراطي.
“سلك الطريق الصعب نحو الحرية”
ووفق هيئة الأركان المشتركة، فإنّ الرجل مدني يعملُ في مهنة صيد الأسماك، لكنه رفض تحديد هويته. وبحسب وسائل إعلام كورية جنوبية، لم يتم العثور على معدات تجسس بحوزته. والمعدات التي كانت بحوزته، مثل بدلة الغوص، لم تكن مطابقة لمعايير العملاء الكوريين الشماليين، لذلك يعتقد تشون أنّه سلك الطريق الصعب نحو الحرية. وقال تشون: “ربما لم يكن على علم بمدى خطورة السباحة. أعتقد أن هذا الشخص لم يكن متفانياً، لكنه كان يائساً. كان يعتقد أنه سيكون من الأفضل أن يقتل نفسه من العيش في كوريا الشمالية”.
لكن هناك عناصر مثيرة للقلق، وعلى وجه التحديد، كيف تم العثور عليه من قبل القوات الكورية الجنوبية التي تجري المطاردة؟
وقال تشون: “حقيقة أنه استخدم أوراق الشجر لتغطية نفسه من أجل الدفء، هو أمر اعتاد المتسللون الكوريون الشماليون، والجنود الكوريون الشماليون المسلحون، على فعله عند قيامهم بمهمة استطلاعية في كوريا الجنوبية، هكذا اعتادوا البقاء على قيد الحياة في الطقس البارد. لذا، كما تعلمون، ربما تكون مجرد مصادفة، لكنني أعرف ذلك، فإنه يثير دهشة”.