أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة
إذا كنتم ممن يشتكون من برودة طقس المكان الذي تسكنون فيه، ممن يملؤون وسائل التواصل الإجتماعي ضجيجًا؛ عندما يكشر البرد عن أنيابه ولا يرحم، فحتمًا ستبدلون رأيكم بعد متابعتكم لهذه الجولة المُصورة في أبرد مكان مأهول بالسكان علي وجه الأرض..
والذى تظهر الشمس فيه لمدة ثلاث ساعات فقط في اليوم شتاءًا، كما يواجه سكّانه مشاكل عدّة بسبب شدّة الصقيع وموجات الثليج القاسية، والغريب أنهم يواصلون حياتهم بشكل عادي، ولا رغبة لديهم في مغادرة القرية.
قرية (أويمياكون – Oymyakon) الروسية، وباللغة الروسية Оймякон، وهي قرية صغيرة تقع في قلب سيبيريا، على أطراف الأراضي الروسية، شمال شرق جمهورية ساخا بـ(ياقوتيا) في روسيا، تحديدًا في مدينة (ياكوتسك) الروسية على بعد 350 كيلومتراً فقط من القطب الشمالي.
يبلغ أرتفاعها عن سطح البحر 750 متر، وتلقب القرية بـ (حلقة ضحايا ستالين)، كونها الوجهة السابقة للمنفيين السياسيين في حكم (جوزيف ستالين)، ويتميز سكانها بعمرهم المديد.
وتعني كلمة (أويمايكون) باللغة الروسية، (المياه التي لا تتجمد)، نسبة إلى ينبوع ساخن يقع بالقرب من المدينة، فالماء لا يتجمد هناك حتى عندما تصل درجة الحرارة في الخارج إلى الستين درجة تحت الصفر.
وذلك لأن الأرض في هذه المنطقة متجمدة إلى مدى بعيد داخل القشرة الأرضية حتى عمق 1500 مترا، وبالتالي يزداد حجمها وتتمدد، مما يسبب اندفاع الماء من الأعماق إلى السطح.
ويمكن وصف القرية الروسية بالمتجمدة، فهي تعتبر أبرد مكان مأهول بالسكان على وجه الأرض، والأبرد على الإطلاق في القطب الشمالي، حيث سجلت أدنى درجة حرارة على الإطلاق في الأماكن المسكونة في العالم في عام 1924م.
وصلت درجة الحرارة الى 71.2 درجة مئوية تحت الصفر، وفي عام 1933م وصلت درجة الحرارة 67.7 درجة مئوية تحت الصفر، وهي درجات حرارة جعلت منها أبرد قرية مأهولة على وجه الأرض، حيث تشهد سبع أشهر شتوية من السنة، تبقى فيها درجة الحرارة دون الصفر المئوي..
أما بقية أشهر السنة فهي عبارة عن صيف دافيء نوعًا ما، وبسبب عمليات التبخر للثلوج المكدسة يكون الصيف في هذه القرية أكثر رطوبة من الشتاء، في الشتاء يكون طول النهار 3 ساعات فقط، أما في الصيف فيصل طوله الى 12 ساعة.
وقبل العشرينات والثلاثينات، كانت قرية (أويمياكون) الروسية محطة موسمية يتوقف عندها رعاة حيوان (الرنة)، ولكن الحكومة السوفياتية، وفي إطار جهودها الرامية إلى التحكم في تنقلات الرحل بزعم أنهم أشخاص متخلفون ثقافيا وعلمياً، حولت (أويمياكون) إلى مقر دائم، وهي الآن تحتضن أكثر من 500 نسمة، يعمل أغلبهم في رعي حيوان (الرنة)، الذي يكثر تواجده في المناطق القطبية.
ويواجه أهل (أويمياكون) في حياتهم اليومية الكثير من الصعاب والتحديات والمعوقات، نظراً لانخفاض درجة الحرارة الحاد، وقساوة الطقس، ومشكلة انقطاع الاتصالات عن المنطقة، وانعزالها عن العالم، إلا أنهم تمكنوا من التكيف مع هذه الأجواء المناخية السيئة..
فالشوارع دائمًا ما تكون خالية، وغالبية الأهالي يمكثون في بيوتهم، ويعتمدون في غذائهم على الأكلات الدسمة واللحوم التي تمدهم بالطاقة والدفء في هذا البرد الذي يعيشونه.
كما يُعاني سُكان المنطقة من تجمد الأطعمة بشكل دائم، والمفارقة الطريفة هنا أنهم يستخدمون الثلاجات لحفظ الأطعمة، ومنعها من التجمد.. هل تعلم بأن درجة حرارة آلفريزر الذي نستخدمه في منزلنا هو (-20) درجة مئوية؟!.
ومن أبرز المشاكل التي يعانيها سكّان تلك المنطقة أنه في حال خرج أحدهم واضعاً نظاراته، قد يلتصق على أنفه بسبب الطقس الجليدي، وإذا لم يتم وضع غطاء للسيارات عند ركنها، يصبح من المستحيل تشغيلها، ولا يمكن للسيارات أن تركن إلا في كراجات مدفأة، أما السيارات التي تكون في الخارج فعليها أن تبقى تعمل، وإلا سيمنع البرد عودتها للحياة.
وللحفاظ على المياه الساخنة المتدفقة إلى المنازل، تشعل محطة توليد الكهرباء المحلية، الفحم، وعندما تتأخر شحنات الفحم تستخدم الحطب، وفي حالات أنقطاع التيار الكهربائي الذي يستمر عادة لخمس ساعات، تتجمد الأنابيب وتتشقق، كما يتجمد الحبر داخل الأقلام الأمر الذي يجعلها تتوقف عن الكتابة.
ويحاول سكّانها التحايل على موجات الصقيع القاتلة، عبر شرب (روسكي شاي)، وهو شاي روسي يساهم بتخفيف وطأة البرد القارس، ويتناوله سكان أويمياكون، إضافة الى المشروبات الروحية، ويوجد دكان صغير فقط لتوفير اللوازم الضرورية اليومية.
ولا تزال معظم المنازل في المدينة تستخدم الفحم والخشب للتدفئة، ولا يتمتع سكانها بوسائل الراحة الحديثة إلا بنسبة قليلة، كما لا يوجد أي تغطية لخدمات الهاتف النقال، وحتى إن وجدت، فلن تكون نافعة إذ أن معظم الأجهزة الإلكترونية تتوقف عن العمل عند إنخفاض درجات الحرارة لدرجة التجمد، فقد فشلت كل شركات الأتصالات بتشغيل شبكات الهاتف الجوال في المنطقة نتيجة تجمد أبراج الاتصالات.
وأهل القرية لا يتم دفن موتاهم إلا بعد ثلاثة أيام، وهي الفترة الزمنية التي يحتاجها أهل الميت لحفر القبر، من خلال إزالة عشرات الأمتار من الثلوج المتراكمة حتى يتمكنوا من الوصول إلى التربة..
ولحفر القبر يعمل الأهالي على إشعال النار بواسطة الفحم لبضع ساعات، ليذوب الجليد قليلًا، ثم يتم سحب الجمر والحفر على عمق 4 سنتيمترات تقريبًا، وتكرار العملية لعدة أيام حتى تصبح الحفرة عميقة بما يكفي لدفن النعش.