أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – (بواسطة "نورالدين حاجي" بالتعاون مع أراجيك)
يعيش عالمنا اليوم في خضم ثورةٍ علميةٍ وتكنولوجيةٍ لم يشهد التاريخ مثله، ثورة تتقدم بسرعة فائقة، ثورة تغيّر من الحياة كل دقيقةٍ وكل ثانيةٍ نحو الأفضل والأسهل والأجمل، فحياة سريعة، وآلات عجيبة، وعلوم واكتشافات جديدة أوصلتنا لمرحلة من التقدّم والازدهار لم يكن ليتخيلها في يوم من الأيام أجدادنا الأوائل..
ولكن ورغم كل هذا وفي يوم لم يعد فيه بيت يخلو من الحاسوب وشبكة الإنترنيت والتلفاز وغيرها من الآلات لا يزال يعيش بيننا هنا على هذا الكوكب مجموعات من البشر بمجرد رؤيتهم يعتقد الواحد منّا بانهم إما بقايا لعصور قديمة قد خلت، أو إنهم أشخاص يمثلون فلماً هوليودياً عن تاريخ البشرية، مجموعات بشرية بنمط حياة بدائي وبأدوات بادت شبه منقرضة وبمظهر لا يوحي سوى بالإنسان الحجري القديم، أًناس ذو عادات وتقاليد غريبة…
وأكثر منطقة غنىً بتلك المجموعات البشرية هي أفريقيا، القارة السوداء، مهد البشرية، والبقعة التي منها انطلقت شرارة الحياة وانتقلت إلى باقي بقاع الأرض..
هذه المنطقة التي تنتشر فيها العديد من القبائل التي ظلت متمسكة بحياتها البسيطة وبنمطها البدائي وبعادات أجدادها الغريبة، والتي استطاعت أن تبقى منعزلة عمّا حولها من تطوّر تكنولوجي وتقدّم معرفي وفكري لتبقى متبعة لنظام وطريقة عيش مثيرة للدهشة…
وأحد أكثر هذه القبائل بدائيةً، وإثارةً للغرابة، وجذباً للأنظار هي قبيلة “الهيمبا”، فهيا بنا برحلةٍ نتعرف فيها على هذه القبيلة أكثر وعن غريب عاداتها وتقاليدها..
لمحة عن قبيلة الهيمبا
هي قبيلةٌ إفريقيةٌ ذو نمط بدائي قديم، بدو متنقلون من مكان لمكان بحثاً عن ثروات الأرض من ماءٍ وخَضَار، يتوطنون في الشمال والشمال الغربي من دولة ناميبيا (التي تقع جنوب غرب قارة أفريقيا والتي تعد من الدول الأقل كثافة بالسكان في العالم وكذلك من أكثر الدول الأفريقية التي تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي عالي) وخاصةً في منطقة “كونين” منها..
وهم يعدون من أوائل القبائل والجماعات التي استوطنت تلك الأرض، ويتراوح أعدادهم بين 40 و50 ألف نسمة. ويُعتقد إنهم فروع منحدرة من شعوب الهيريرو.
وهي قبيلةٌ تعيش خارج نطاق الحياة المعاصرة والحديثة التي نعيشها الآن، فقد استطاعوا أن يتمسكوا بتراثهم التقليدي القديم، ويحافظوا على عادات وتقاليد أجدادهم الأوائل، ويعيشوا وفقاً لها ويتبعوا طقوساً مميزةً خاصة بهم، دون أن يتأثروا بالمجتمع المتقدم الذي يحيط بهم ليشكلوا بذلك لوحة تراثية تفوح منها رائحة البدائية والقبلية.
لمحة تاريخية عن الهيمبا
يُعتقَد إن قبيلة الهيمبا هي إحدى القبائل التي انتقلت مع شعوب وجماعات الهيريرو الأخرى في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي من بوتسوانا (وهي دولة تقع جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا الجنوبية) واستقرت في شمال ناميبيا، لعيشوا هناك حياةَ الترحال معتمدين على الصيد وتربية المواشي.
ويتميز تاريخ هذه القبيلة بامتلائها بالكوارث والحوادث المهلكة، من جفافٍ وقحطٍ وصراعات وحروب، ولاسيما في فترة حرب الاستقلال الناميبية وكذلك الصراع الداخلي مع الجارة أنجولا (التي تحد ناميبيا شمالاً) ومن أمثلتها حملة الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها مع باقي جيرانهم من جماعات الهيريرو من قِبل الألمان الذين كانوا مستعمرين لتلك الأرض بقيادة لوثير فون تروثا.
وكذلك حالة القحط التي سادت مناطق تواجدهم في عام 1980 والتي تسببت بمقتل ما لا يقل عن 90% من قطعانهم، ودفعهم للهجرة الجماعية إلى منطقة أوبو (Opuwo) ليعيشوا في المناطق الفقيرة والعشوائية هناك. هذه الحادثة كانت على وشك أن تؤدي إلى انقراض طبيعة وتراث هذه القبيلة واختفاء نمط حياتهم من الوجود.
ولكن في عام 1990 وما بعده بدأت قبيلة الهيمبا بالعودة إلى أرضهم التاريخية القديمة، والبدء بالعيش من جديد هناك وفقاً لطريقتهم وأسلوبهم الخاص بهم.
المرأة في قبيلة الهيمبا
إن مجتمع الهيمبا في بعض الأحيان ولاسيما في فترات الصباح الأولى تبدو وكأنها مجتمع للنساء فقط، فالمرأة فيه تلعب دوراً أكبر مما يلعبه الرجل، وأغلب الأعمال والأنشطة التي تتطلب جهداً تقوم بها نساء القبيلة..
من تربية المواشي وحلبها وإحضار الماء من الأنهار للقرية وكذلك جلب الحطب وصنع بعض المصنوعات اليدوية وكذلك بناء المنازل وتربية الأطفال ورعايتهم، وتتعاون نساء القبيلة فيما بينهن لأداء هذه الأعمال وفي كثير من الأحيان قد تجد إحدى النساء تبرعت لتعتني وترعى أطفال نساء أخريات إلى جانب أطفالها.
والفتاة الصغيرة في هذه القبيلة حين تصل لسن البلوغ يتم الاحتفال بها وسط أجواء روحانية خاصة بهم، حيث تُؤخذ إلى المكان المقدس بالقبيلة والمخصص للشعائر الدينية التي يؤمنون بها، وتبقى هناك جالسة في حماية الأجداد حتى قدوم رفيقاتها وقريباتها إليها وهن يحملن هدايا لها فرحاً ببلوغها ووصولها للسن الذي تستطيع أن تتزوج وتنجب فيه.
ولعل واحدة من أغرب ما يُقال عن هذه القبيلة إن المرأة الحاملة حينما يجيء موعد وضعها تقوم بمغادرة القرية برفقة امرأتين لتولد في الخارج ومن ثم تعود مع مولودها لتبدأ عندها الاحتفالات التطهيرية له. ويُعتبر ولادة التوائم أمراً منبوذاً عندهم فحيث إنه يُنظر للأمر على أنه غضب من الأجداد ولعنة على المرأة والتي يُعتقد وفقاً لأفكارهم إنها قد حملت من رجلين في آن واحد.
ومن أحد الأمور التي تميز نساء هذه القبيلة عن غيرهن من النسوة هو استعمالهن لخليط يصنعنه بأنفسهن من دهن الماعز وأكسيد الرصاص وبعض أنواع النباتات مع خلطها ببعض الروائح الذكية للاحتماء من أشعة الشمس المحرقة وكذلك لحماية أنفسهن من الحشرات.
وهذا المزيج يعطي لأجسادهن لوناً أحمراً والذي بدوره يرمز إلى بركة الأرض التاريخية التي يحيون عليها وإلى دم الإنسان والذي هو رمز الحياة واستمراريته.
الديانة
استطاعت القبيلة أن تحافظ على ديانة آبائها وأجدادها الأوائل، وهي ديانة توحيدية لا تخلو من تقديس أرواح الأجداد الميتون، فإلههم اسمه (موكورو Mukuru) إله واحد خالقٌ لكل شيء في الوجود، ولكنه إله بعيد لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال أرواح الأجداد الذكور فقط التي بمجرد موتها تتحول إلى كائن مقدس تؤمن التواصل بين الأحياء والإله.
وهذا يتم بإبقاء النار المقدسة Okuruwo والتي تمثل حلقة الوصل بين الحياة الدنيا وأرواح الأجداد مشتعلة دائماً، ويتم الاهتمام بها من قبل زعيم القبيلة والذي يعد الصلاة حول النار المقدسة وطلب البركة والرحمة والصحة من الأجداد إحدى واجباته الأساسية.
الشَعر وتسريحته
للشعر عند قبيلة الهيمبا أهميته الخاصة، فلكل تسريحة ولكل خصلة دلالاته وكذلك لكل عمر ولكل فترة زمنية تسريحته، فحيث إن النساء يقمن بجدل شعرهن على شكل ضفائر ومن ثم يقمن بصبغه بالمزيج الذي يصنعونه من دهن الماعز وأكسيد الرصاص وبعض النباتات ليأخذ بذلك لوناً أحمراً ينطبق مع لون أجسادهن الحمر المصبوغة بذلك النسيج أيضاً.
وعدد هذه الضفائر التي يجدلونها تختلف باختلاف الحالة الاجتماعية لكل منهن، فحيث إن الفتاة الصغيرة الغير بالغة تمتلك ضفيرتين أثنين كبيرتين تنسكبان على جبينها ومع التقدم في العمر والوصول لسن الرشد تزداد أعدادها وتصبح أصغر. وعندما تتزوج المرأة فإنها تضع على رأسها تاج صغير مصنوع من جلد الماعز دلالة على دخولها عرش الحياة الزوجية.
في حين إن الرجل يملك قبل البلوغ ضفيرة واحدة تنسدل على الجبين، وعند بلوغه يتم توجيها بشكل منحني نحو الخلف على شكل ذيل، وعند الزواج يضع الرجل على رأسه عمامة يخبئ تحتها شعره. والرجال لا يستعملون الصبغ الذي تستعمله النساء.
اللباس والزينة
إن طريقة لبس هذه القبيلة تعد من أغرب العادات والتقاليد التي ورثوها عن أسلافهم، حيث إنهم لا يلبسون سوى القليل جداً من الثياب على أجسادهم، فالمنطقة العليا من الجسد تكون عارية تماماً عند الذكور والإناث معاً (البطن والصدر)، أما المنطقة السفلية فيتم تغطيتها فقط بتنورة قصيرة جداً مصنوعة من جلد الماعز. أي إنهم يعيشون ويتحركون وهم عراةٌ تقريباً.
أما من حيث الزينة فتتزين النساء ببعض الإكسسوارات التي يصنعنها هم بأنفسهم سواءً من العظام أو النحاس أو جلود الحيوانات التي يربونها حيث يضعونها في رقابهم وأيديهم. وكما إنهن يضعن خلخالاً في أسفل قدمهن للحماية من لدغات الحشرات السامة وعندما تزوج الأم إحدى بناتها فإنها تزيل الخلخال الموضوع في القدم اليسرى لمدة عام.
ومما يجدر ذكره إن رجال القبيلة قليلاً ما تجدهم في القرية فهم لا يهتمون بالمواشي وغيرها، وفي غالب الأحيان يكونون في الحانات يشربون الخمر، أو يذهبون إلى المدن بحثاً عن عمل، ولُوحظ إن بعض الرجال قد بدأوا بارتداء بعض الملابس الغربية الحديثة. والنساء بالطبع لا يعجبهن هذا التقدم ولو كان قليلاً. وكذلك الرجل لا يكتفي أبداً بزوجة واحدة، وإنما له زوجات عدة وأطفال كثر في مساكن مختلفة.
وهذه كانت لمحة قصيرة عن قبيلة غريبة تعيش حياةً بدائية في القرن الواحد والعشرين والذي هو قرن التكنولوجيا والتقدم والحضارة.