أخبار الآن | برلين – المانيا – (اقتصاد)
في مطعم أنيق وسط العاصمة الألمانية برلين، تبدو اللاجئة السورية الشابة، ندى المصيطف، منشغلة بتذوق أكلة أوشكت على تحضيرها لتقديمها لزبائن المطعم الألمان، ممن اعتادوا على ارتياده بشكل يومي لتناول أطباقها، التي لم يعرفوا مكوناتها أو طبيعتها، ولكنهم اختبروا طعمها اللذيذ وجذبهم منظرها الأنيق والشهي.
اقرأ أيضا: عبق الصابون "الحلبي" يملأ ضواحي باريس
لجأت ندى مع عائلتها هاربة من شبح الحرب وشدة القصف على قريتها "كفروحين" بمدينة بنش في ريف إدلب، إلى تركيا بداية، وعملت مع زوجها "أمجد ادريس" في أعمال عدة هناك ولكنهما تعرضا للنصب من قبل أصحابها، فقررا اللجوء إلى ألمانيا في الشهر الثامن من العام الماضي حيث وصلا إلى ميونيخ بدايةً ومن ثم إلى برلين، وهناك تعرف الزوجان على مالك سلسلة مطاعم "كيشا ابسن بشبانداو"، وهو مصري الجنسية، يُدعى الحاج عاطف، اعتاد على مساعدة اللاجئين، فأقنعاه بتقديم وجبات عربية وسورية تحديداً لزبائنه الألمان، فاقتنع بالفكرة، وبدأ بمساعدتهما على تطبيقها في مطعم خصصه للأكلات الشرقية.
وبدأت ندى بمساعدة زوجها بتقديم وجبات طعام لم يألفها الألمان لكنها نالت استحساناً منهم وشكروها عليها كما تقول، مضيفة أنها أرادت من خلال هذه الأطباق كسر الصورة النمطية عن السوريين لدى الألمان وإثبات أن الطبخ وسيلة للتعبير وليست مجرد تغذية للجسد، مؤكدة أنها لم تعمل في مطاعم قبل خروجها من سوريا وإنما كانت تطبخ لأسرتها.
وأضافت مازحة أنها تعلمت الطبخ بزوجها كالكثير من النساء حديثات الزواج، حيث اعتادت أحياناً على حرق الطعام أو زيادة معاييره أو "تخبيصه" –حسب تعبيرها-، ولكنها خلال أشهر من عملها في المطبخ اكتسبت خبرة غنية في تحضير كافة أصناف الطعام واكتشفت –كما تقول- أن "الطبخ ليس مجرد نَفسْ كما كانت جداتنا يرددن في الماضي وإنما هو فن وذوق وإتقان وخبرة".
وأشارت محدثتنا إلى أن نجاحها كطاهية جعلها تشعر بالفرحة وخصوصاً أنها لاجئة وأرادت من خلال ذلك-كما تقول- تغيير نظرة المجتمع تجاه اللاجئين السوريين بأنهم منتجون وليسوا متسولين أو يعيشون عالة على المجتمع الألماني.
ولذلك سعت ندى للحصول على عقد عمل من "الأوسلند"- نقابة تراخيص العمل- أكثر من مرة، ولكنهم لم يوافقوا بسبب عدم حصولها على الإقامة.
تزدان الموائد التي اعتادت ندى على تحضير أطباقها بما لذ وطاب من الأكلات السورية والعربية كالحمص بالطحينة وحمص بالشوندر والفته بأنواعها والكوشري والتبولة والفلافل والفول والكبة المقلية والمشاوي والبطاطا الحرة والمتبل والشوربات بأصنافها المتعددة وورق العنب والكبسة والأكلتين الأخيرتين –كما تقول- يتم تحضيرهما في البوفيات او كتواصي، إضافة إلى الأكلات الأوروبية التي تعلمتها في برلين مثل "برات كرتوفلوا"و"الكالب شنتسل مع زانه صوصا" وشيبس فيليه مع مانكو صوصا"
وتتحدث الطاهية الشابة بحماس عن تقبل الألمان من زبائن المطعم لطعامها وإعجابهم به وأغلبهم من أعضاء الأحزاب المرموقة في برلين، كالحزب الحاكم وحزب الخضر.
تعشق ندى التغيير في طريقة تحضير وتقديم وجباتها، وتعتمد غالباً على مذاق الأكل وليس على شكل تقديمه لذلك تراعي-كما تقول – الذائقة الألمانية في الطعام، فالألمان مثلاً لا يحبون الزيت والثوم "الكنبلاوخ"، ولذلك اعتمدت أسلوب الخضراوات والسلطات المشكلة التي يميلون إليها أكثر من اللحوم، وتابعت أنها أرادت أن تتعامل من خلال عملها مع محبة الألمان لطعم الأكل، لتجمع بين الأكل الشرقي والألماني.
وكشفت ندى أنها تشعر بالخوف دائماً من أن ترتكب أخطاء في طهيها وخصوصاً عندما يكون هناك ازدحام وزبائن كثر في المطعم، ولكنها مع ذلك تحرص على أن تكون ناجحة وتتجاوز الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها أكبر طباخ-كما تقول- كزيادة أو نقص الملح مثلاً، وأردفت أنها تغار إذا دخل شيف ناجح إلى مطبخها ولكنها تحاول التعلم منه بصمت دون أن تظهر له عدم معرفتها بتفاصيل متعلقة بالعمل، ولذلك يقول عنها صاحب المطعم –كما تروي- أن دماغها ناشفة -حسب التعبير المصري-.
تؤمن الطاهية الشابة بالتعبير الشعبي الذي يقول أن "الفاكهة بالنظر"، لذلك تجهد على وضع لمساتها الخاصة على شكل الأطباق التي تقدمها، وتقول: "أحب أن يكون الطبق مفعماً بالحياة وليس بارداً، ولكني قبل ذلك أحرص أن يكون المذاق شهياً".
ودعت ندى قريناتها من اللاجئات إلى حذف كلمة مستحيل من قاموسهن وأن يبدأن حياة اللجوء بطريقة صحيحة وفعالة ومنتجة وأن لا ينتظرن "الجوب سنتر" ومساعدات اللجوء أو الآخرين والإعتماد على الذات في تحقيق نجاحاتهن في ظروف اللجوء الصعبة.
اقرأ أيضا:
تلاميذ مدرسة تركية يتبرعون بمصروفهم لاطفال حلب
اللاجئون السوريون في الأردن تناسوا أوجاعهم وركّزت أمانيهم على "حلب الشهباء"