أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة
تتناقل كثير من مواقع التواصل الإجتماعي صورا لمقهى للكتب في أربيل. هذه الفكرة شاعت في بلدان عربية أخرى، فبات رواد مقاهي الكتاب، يعيشون محطة بين العقل وبين الجسد، تجمع الكلمة واللون والذائقة الى لذائذ الإدام.
ساعة تشير عقاربها إلى "كتاب إلا ورقة" ، سُلٌم تغطيه كعوب الكتب، وجدران تزينها مجلدات مرصوصة تزدحم بقصص وحكايا تختلف لغتها ويوحدها اجتماعها هنا بالـ"book cafe" أو مقهى الكتب.
مشروع الشابة العراقية، راڤان جعفر الطائي وصديقتها، لاقى استحسانا كبيرا لدى رواد مواقع التواصل الإجتماعي. لكن ما هي أسباب هذا الانتشار؟ وهل يوجد شبيه للفكرة في دول عربية أخرى؟
كانت البداية بالنسبة لها في "لماذا لا نقرأ؟" هذا هو السؤال الذي راود مخيلتها منذ الطفولة، حيث حلمت بأن يقرأ الوسط الذي كبرت وترعرعت فيه. راڤان جعفر الطائي، ابنة أربيل العراقية، كما روت لـDW عربية استطاعت أن تحقق فكرة راودتها منذ أن بدأ عشقها للقراءة والكتابة، حتى صارت مهندسة. انشغالها بالعمل والتحصيل، ووجود أزمة اقتصادية بالبلد، لم يمنعها أبدا من استكمال الطريق نحو رغبتها وإنشاء مقهى للكتب.
The book cafe#irbil #Iraq ❤ pic.twitter.com/evpFKCGk35
— Dalal Bashar (@DalalBashar)
March 11, 2017
تقول الطائي، في حديثها لـDW عربية، إن زيارتها لمجموعة من البلدان الأوربية وأمريكا والمكسيك، جعلتها تفكر جديا في إنشاء المقهى ونقل التجربة إلى بلدها. وأن فكرتها كانت دائما ترتبط بتغيير نمط المكتبات السائد واستحواذ الألوان الحزينة عليها، وبهذا الخصوص تقول " لماذا ترتبط القراءة بالأماكن الكئيبة الملونة بالرمادي والأسود؟ يجب أن ترتبط القراءة بأشياء ملونة وعصرية تفتح شهية القارئ".
"احتساء القهوة و التلذذ بطبق شهي، وقراءة كتاب" من هنا انطلقت راڤان، حسب قولها ، لتخلق مقهى للكتب، بمدينتها أربيل، المشروع الذي أضحك الكثير من المستثمرين، حين كان مجرد حبر على ورق حملته إليهم سائلة دعما ماديا يمكّنها من تحقيق حلم الصغر. المهندسة التي تعمل بشركة للنفط، هي اليوم صاحبة المقهى الذي يحوي على أكثر من 3500كتاب، بالعربية، الكردية والإنكليزية، وهو أيضا من الأماكن الأكثر شهرة على مواقع التواصل الإجتماعي .
تفاصيل صنعت الفرق
عملت الشابة العراقية، جاهدة في تأثيث مقهاها "الحلم"، الذي كان لشريكتها وصديقة عمرها فضل كبير في انشائه. أغلب التفاصيل حرصت على وضعها بيدها، "تسعون بالمائة من الشغل، من يدي" تقول رافان الطائي. فرغبتها في الحصول على فكرة رسمتها في مخيلتها دفعتها لتسهر على كل قطعة أثاث وكل لون يوضع هنا، وهو ما جعل من المقهى مكانا مميزا تشهد له تفاصيله المختلفة عن الأماكن الأخرى بجماله.
زائر الـ "book cafe"، لا يمكنه أن يغادر المكان دون أن يأخذ صورا تذكارية مع "قصرالكتاب"، فكل تفاصيل المقهى هنا تنتمي إلى حظيرة الورق والحرف، الأرفف تملؤها الكتب، الساعة المعلقة بالحائط تشير عقاربها إلى كتب بدل أرقام بل حتى الهاتف وبيت الدرج والستائر على شكل كتب.
إقرأ: من هو " أولوداه أكيوانو" الذي يحتفل غوغل بذكرى مولده؟
الديكور الملون وفكرة القراءة هي ليست الأسباب الوحيدة التي تجعل الزوار يتوافدون على هذا المكان، بل يتخذ الزوار من المكان ملاذا يحيهم من قسوة الخارج، خاصة الإناث اللواتي يجدن في المقهى ملجأ لهن من "العقليات الذكورية" على حد تعبير الطائي: "الإناث يأتين هنا أكثر من الذكور، في الخارج لا يمكنهن الجلوس دون أن يحدق بهن الذكور وخاصة في الليل، على عكس الراحة وانشغال الكل هنا بكتابه".
في هذا المكان يلتقي الفنانون والمثقفون، ليغذوا عقولهم قبل بطونهم. خاصة وأنه لم يعد يقتصر على القراءة، بل صار قبلة لتنظيم أمسيات فنية وأدبية وكذلك معارض للفنانين من كل الأعمار والأجناس.
The Book Cafe in Erbil, inspiring initiative from a group of young Kurdish females & first of its kind in Iraq – great for getting work done pic.twitter.com/QgiBOxYU2n
— Ranj Alaaldin (@RanjAlaaldin)
July 26, 2017
تختلف البلدان والفكرة كتاب
في المغرب، توجد أفكار شبيهة لمقهى الكتب الذي أنشأته الشابة العراقية. قد يختلف عدد الكتب ولغتها، كما يمكن أن يختلف البلد والرقعة التي توجد بها هذه المقاهي الخاصة بالكتب، لكن الغاية منها تبقى واحدة؛ نشر ثقافة القراءة وتعويد الناس على الاستمتاع بغذاء الروح والجسد.
في فاس بالمغرب، أو "المدينة العلمية" كما توصف، وبالتحديد في حيها القديم، توجد "مقهى الساعة". وهي مقهى لمستثمر أجنبي جاء إلى البلد، لينشئ مقهى-مطعم، وبعد ثلاث سنوات يقيم مكتبة داخله لتصير ركنا معروفا لدى مدمني الكتب بهذه المدينة وخارجها. ولأن "مقهى الساعة"، صار له فرعٌ بمراكش المغربية، فإن الكتب هي الأخرى لازمت المشروع وصارت جزء يطبع نظام هذا المقهى ويجذب إليه محبي الحرف.
"الفكرة كانت وليدة الصدفة، لا أظن أن الرئيس خطط لها من قبل" هذا ما تحدث به خالد بلحاج، أحد مسيري المقهى في فاس، مشيرا الى أنّ الفكرة رأت النور قبل سبع سنوات، ومبيناً "أن الأجانب غالبا هم من يجدون ضالتهم هنا، خاصة وأن الكتب الموضوعة كلها بالغة الإنكليزية.
كما اعتبر خالد فكرة "تبادل الكتب" التي يعمل بها المكان، فكرة تستهوي الكثير من القراء الذين يضعون ما في جعبتهم من كتب قديمة ليحصلوا مقابلها على أخرى جديدة.
كتب وطعام في قائمة واحدة
"Menu livre" أو "قائمة كتب"، اسم مشروع آخر أطلقه مجموعة من الشباب المغاربة على مبادرة يضعون من خلالها مكتبات في مقاهٍ ومطاعم بالمدن المغربية دون مقابل.
والفكرة هي مصاحبة قائمة الطعام والشراب بقائمة كتب. أمجد لمومني، واحد من هؤلاء الشباب، فتحدث عن حيثيات المبادرة التي أقيمت بالأساس لـ"نشر ثقافة القراءة".
أمجد أكد في حواره، أن هدفه وبقية الشباب لا يقتصر على نشر ثقافة القراءة بالمغرب وفقط، وإنما يسعى إلى إحياء الهدف الأساسي من إنشاء المقاهي منذ بداياتها، مؤكداً : " المقاهي لم تخلق لهدر الوقت، هي مكان للنقاش والتكوين" حسب رايه.
باللغة الأمازيغية، العربية، الفرنسية والإنكليزية، يختار أمجد وزملاؤه الذين ينتمون لنادي "رواد المغرب الشباب"، كتبهم منذ سنة 2015، لينشرونها في مقاهٍ بالمغرب عابرين نقطة انطلاقهم في الرباط "عاصمة المغرب"، وصولاً إلى مدن أخرى كطنجة، الدار البيضاء، مراكش.
تجارب عربية
في بيروت عاصمة لبنان والرياض وجدة السعوديتين توجد أيضا تجارب لمقاهي-الكتب. فمعروف لدى سكان بيروت أن "Dar Bistro & Books"، واحدة من الأماكن التي تسمح لزوارها بطلب ما تشتهيه بطونهم واختيار ما يمكن أن يؤنس عقولهم.
أما في جدة، فمقهى الراوي واحد من المقاهي التي تهتم بتقديم الكتب.الأمر نفسه ينطبق على مقهى فور شباب في جدة، وقبل ذلك مقهى أندلسية. علاوة على تجربة أخرى، هي مقهى تايتل غرب مدينة الرياض حيث يجد الزوار أماكن أقيمت خصيصا لفتح الشهية للقراءة مع احتساء فناجين القهوة والشاي.في المقهى 7 آلاف عنوان من الكتب المتنوعة وذات الاهتمامات المختلفة.