أخبار الآن | qafilah
في أبسط تعريف لها، فإن الاستدامة من المنظور التعليمي، هي منهجية تعليم وتعلُّم متعدِّدة التخصصات، تغطِّي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئة المتكاملة في المنهج الدراسي الرسمي وغير الرسمي، بحيث تساعد الخرِّيجين على تعزيز معارفهم ومواهبهم وخبراتهم لأداء دور مؤثر في تحقيق التنمية المستدامة.
ولكي يتحقق مفهوم المدرسة المستدامة على أرض الواقع، لا بد من اتباع مجموعة معايير واشتراطات معتمدة من قبل الهيئات والمنظمات التعليمية الدولية، بعضها يتعلق بمواصفات المباني والإنشاءات المدرسية، وبعضها يتعلق بتطوير المناهج ودمج قضايا التنمية المستدامة فيها، وبعضها يتعلق بالممارسات والأنشطة التي يتفاعل معها الطلاب.
وفي إطار التقييم وقياس ما حققته المدرسة المستدامة من أهداف، ثمة ما يعرف بـ “البصمة البيئية”، وهي أداة تستخدم فيها مبادئ حسابية لقياس الموارد التي يتم استغلالها واستهلاكها، وكذلك متطلّبات استيعاب ما يتخلف عن مجموعة بشرية ما، وإعادة تدوير المخلفات مع الإشارة إلى أن البصمة البيئية في المؤسسة التعليمية، تشتمل على الفائض في الطاقة المستخدمة، والفضاء أو المساحة للبنى التحتية، وما يستهلك من موارد وخدمات بيئية.
وفي إطار المتوافق عليه دولياً من الجهات المعنية بتصميم وإنشاء المباني المدرسية الصديقة للبيئة، ثمة اشتراطات ومعايير لا بدّ من توفرها عند تصميم المدرسة المستدامة وإنشائها. وتتضمن القائمة الطويلة لهذه المعايير والشروط، محددات بيئية خارج المدرسة، تحكم البيئة داخلها. وتشمل اختيار موقع المدرسة بعيداً عن مصادر التلوث كافة، وسلامة الطرق المؤدية إليها التي يجب أن تكون مشجرة، وصولاً إلى العناية بالأسوار الخضراء للمدرسة، بغرس مزيد من الأشجار، التي تقوم بدور الستارة الطبيعية الحامية من مختلف الانبعاثات الغازية والملوِّثات الجوية المختلفة، التي تنتقل بفعل حركة الرياح.
وثمة شروط أخرى خاصة بالعناية بالفصول وقاعات الدراسة التي يجب أن تكون ذات إضاءة طبيعية كافية، وكذلك التهوية، حتى ألوان الجدران لها مواصفاتها الخاصة، إذ يجب أن تكون مبهجة، ومواد طلائها خالية من المواد العضوية.
وتولي هذه الشروط أهمية خاصة لفناء المدرسة الذي يجب أن يكون من الاتساع والتصميم الهندسي، والتنظيم الأخضر (التشجير)، بحيث يحقق وظيفته على أفضل وجه، إلى جانب العناية بالملاعب التي يمارس فيها الطلاب هواياتهم الرياضيـة، وكذا العناية بالحديقة المدرسية التي تؤدي عديداً من الوظائف التعليمية والتربوية والبيئية، مع ضرورة تخصيص مكان في أحد أركان الفناء المدرسي لدفن بقايا النباتات، ومن ثم إعــادة استخراجها واستخدامها كسماد عضوي لشجيرات الفناء ونماء نباتات الحديقة.
وتمتد قائمة الشروط هذه لتشمل مواصفات المكتبة المدرسية الخضراء وتهويتها وإضاءتها وعزلها عن الضوضاء، وغرف الإدارة، وصولاً إلى دور المياه وموقعها ومستوى النظافة فيها وتزويدها بأدوات تحد من استهلاك المياه.
ونتيجة لعدم قدرة المناهج الدراسية التقليدية على تلبية متطلبات الاستدامة، فقد أصبح من الضروري التوجه إلى تعديل وتطوير هذه المناهج، بحيث تواكب المتغيِّرات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتوسُّع في دمج قضايا التنمية المستدامة، ومنها القضايا المتعلِّقة بتغيُّر المناخ والاحتباس الحراري، وسبل الحد من تداعيات الكوارث وقضايا التنوُّع البيولوجي، وخطر انقراض الأنواع، وسبل الحد من الفقر، وإنتاج الغذاء الصحِّي والاستهلاك المستدام. وبحسب كل من وارثمان وتيلبوري، وهما خُبراء تطوير المناهج، ثمة مهارات محددة يجب وضعها بعين الاعتبار عند التوجُّه نحو تطوير المناهج الحديثة..
وينبغي أن تشمل تعديلات المناهج وتطويرها ما يسمح بإدخال برامج عملية لخدمة البيئةالمحلية، تسهم في صون مواردها الآخذة في النقصان، وتجعل الطلاب أكثر وعيـاً بأهميـة ذلك، وكان المرصد العالمي للتعليم قد أشـار إلى مناهـج دراسية مستدامة في عدة دول، منها السويد التي صار موضوع التنمية المستدامة يشكِّل جزءاً ملحوظاً من مناهجها.
ومن التجارب العالمية الجديرة بالوقوف أمامها، التجربة اليابانية التي يتضمنها ما يعرف بنظام “توكاتسو” التربوي الذي تناوله بالتفصيل تقرير حديث يحمل عنوان”عالم التوكاتسو”، صادر عن جامعة طوكيو، ويشير إلى أنه نظام تتوسع فيه المجالات والأنشطة الصفية وغير الصفية التي تستهدف تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية لدى الطلاب تجاه المجتمع والبيئة المدرسية المحيطة، وتحقيق التنمية المتوازنة بين الجوانب الاجتماعية والبيئية والأكاديمية، بحيث تتراكم الخبرات والمهارات لدى الطلاب، منذ مراحل تعليمهم الأولى، لكي يكونوا متمتِّعين بقدر عالٍ للشخصية الإنسانيـة المتزنة والمتكاملة.
وفي البلدان العربية ثمة خطوات جادة وطموحة في اتجاه إنشاء مزيد من المدارس المستدامة.
ففي بدايات عام 2012، أطلقت المملكة العربية السعودية برنامجاً باسم”مدارس الحس البيئي” (School Sense)، بتعاون مشترك بين وزارة التعليم وجمعية البيئة السعودية والهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة. واشتمل البرنامج على عدد من المدارس والروضات، في إطار الاتجاه الاستراتيجي الخاص بالتوعية البيئية والتنموية، وتكوين جيل أكثر حماسـاً لقضايا البيئة وأسلوب الحياة الخضراء، من خلال مجموعة من الأنشطة المدرسية، وربطها بالمناهج التعليمية بواسطة معلِّمين مدربين.وفي إطار رؤية 2030، تتوجه المملكة نحو تطبيق مبدأ الاستدامة، في مناهجها التعليمية، بمختلف المراحل، والتوسُّع في المدارس الخضراء الصديقة للبيئة، باعتبار ذلك أحد أهم الروافـد الداعمـة لجودة الحياة.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، أطلقت في العام 2009م “مبادرة المدارس المستدامة”، التي نجحت في الوصول إلى كثير من أهدافها على صعيد التوعية البيئية، وتطبيق مبدأ الاستدامة، من خلال تعديل المناهج الدراسية، وتدريب المعلّمين، والتوسع في المجالات والأنشطة المستدامة. حيث يوجد برامج يتدرب فيها الطلاب على كيفية اتباع الإجراءات المناسبة لتوفير استخدام المياه والطاقة. وعلى مدار 4 سنوات متتالية من تطبيق المبادرة، نجحت المدارس المشاركة فيها بخفض كميات النفايات إلى نحو %23، وخفض معدل استهلاك المياه بنحو %54، وزيادة أعداد الطلاب الذين يستخدمون الحافلات المدرسية، بدلاً من السيارات الخاصة إلى %19، بهدف خفض كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من وسائل النقل.
مصدر الصورة: Getty images
للمزيد: