أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – (مواقع إلكترونية)
ما من شك في أن التكنولوجيا الرقمية قد اجتاحت كل تفاصيل عالمنا الواقعي، وقد سهّلت الكثير من الأمور في يومياتنا. وكما اجتاحت عالم الراشدين، كذلك فعلت في عالم الأطفال والمراهقين.
بيد أن اجتياحها عالم الطفل والمراهق، قد أقلق الباحثين والأهل في آن، بعد ظهور مشكلات نفسية جديدة مرتبطة إلى هذا الحدّ أو ذاك بالتكنولوجيا، بدءًا من إدمان الكمبيوتر وما يتضمنه عالمه الافتراضي، وصولاً إلى محاكاة هذا العالم، إما تحقيقه في الواقع بمعزل عن الخطر الذي ينجم عنه أو الانعزال عن العالم الواقعي.
وفي كل الأحوال، يوصي اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق بأن تحديد ساعات جلوس الطفل أو المراهق إلى الكمبيوتر أو استعمال اللوح الإلكتروني أو أي تكنولوجيا رقمية جديدة من الوسائل المهمة التي يجدر بالأهل إلزام أبنائهم بها، فضلاً عن أهمية إيجاد بديل لهذا العالم الافتراضي، بتحفيز الأبناء على القيام بنشاطات أخرى مثل الرياضة أو العزف على آلة، أو الاشتراك في عمل تطوّعي أو المطالعة خصوصًا في أوقات الفراغ والإجازة الصيفية.
ويعتبر التشجيع على المطالعة اليوم من الأمور التي يصعب على الأهل إقناع أبنائهم بالقيام بها. فالنشاطات المتاحة للأطفال والمراهقين اليوم، والتي تتضمن عناصر جذب ممتعة، كثيرة، كألعاب الكمبيوتر، ومراكز الترفيه المخصّصة له، أفقدت الكتاب أهميّته.
ولكن لا يجدر بالأهل الاستسلام لهذه الصعوبة، والقول إنّ الكتاب فقد قيمته، بل في إمكانهم توطيد علاقة أبنائهم بالكتاب وتعزيزها، بعدم جعل الكتاب مرتبطًا بمفهوم الدرس والمدرسة، بل يمكنهم أن يجعلوا المطالعة نشاطًًا من ضمن نشاطات العطلة الصيفية.
ولكن حتى عالم المطالعة اجتاحته التكنولوجيا، فصار معظم الراشدين يتصفّحون مجلاتهم وجرائدهم وكتبهم المفضّلة على الشبكة العنكبوتية. فكيف يمكن إقناع مراهق أو طفل بقراءة كتاب لم يسلم هو أيضًا من التكنولوجيا وصار يوجد ما يعرف بالـ eBook بموازاة نشر الكتب الورقية.
فهل يمكن الكتاب الإلكتروني أن يحلّ مكان الكتاب الورقي وأيّهما أفضل للطفل؟
كما كلّ الصناعات التكنولوجية، بدأ الكتاب الإلكتروني منتجًا موجهًا الى الراشدين، وتحوّل المراهقون والأطفال في ما بعد هدفًا لها. ووفق دراسة علمية، فإن نسبة الأطفال الذي يطالعون الكتب الإلكترونية تضاعفت منذ عام 2010 حوالى 46 في المئة، وأصبح إصدار الكتب الإلكترونية الخاصة بالأطفال والمراهقين أكثر القطاعات نموًا عام 2011 وفقًا للجمعية الأميركية للناشرين ومجموعة صناعة الكتب في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي المقابل، يعلّق اختصاصيو علم النفس على هذا الميل المتنامي نحو قراءة الكتب الإلكترونية، بأن ليس في استطاعتهم إيقافه وإنّما في إمكانهم إبطاؤه. ويبدو أن اختصاصيي التربية متردّدون عندما يتعلّق الأمر بوضع الألواح الإلكترونية بين أيدي القرّاء الصغار، وكذلك الأهل فهم لا يفضلون أن يطالع أبناؤهم عبر الكتب الإلكترونية، فقد أظهرت دراسة علمية أن 68 في المئة من الآباء الذين لديهم أطفال بين السادسة والثامنة، يفضّلون أن يطالع أبناؤهم في الكتب الورقية المطبوعة.
والمفارقة إلى اليوم لم تستطع دراسة علمية إصدار حكم نهائي على آثار المطالعة عبر الكتاب الإلكتروني، وقد يحتاج هذا إلى سنوات عدة حتى يتكشف تأثير اللوح الإلكتروني في القرّاء الصغار.
ومهما يكن، هناك إشارات إلى أن للكتاب الإلكتروني تأثيرًا إيجابيًا في القرّاء المبتدئين الصغار، خصوصًا إذا كان يهدف الى تعليم الطفل المبادئ الأساسية، ووفق قدراته الفكرية.
ومع ذلك، يُنصح ألا يكون الكتاب الإلكتروني الخيار الوحيد بين يدي الطفل، إذ لا يمكن تعزيز المعرفة عنده، وتطويرها من خلال وسيلة واحدة، بل يجب أن يكون متاحًا له الكتاب المطبوع، لا سيما إذا كان يروي قصة.
ولكن لا يزال الجدل قائمًا بين أيهما أفضل، الكتاب المطبوع أم الكتاب الرقمي؟ ولمؤيدي الكتاب المطبوع حجج منطقية تدعم رأيهم، وكذلك مؤيدو الكتاب الرقمي أو الإلكتروني لهم حججهم المنطقية. وهذه هي حجج الفريقين:
مؤيدو الكتاب المطبوع
لهذه الأسباب يكون الكتاب المطبوع أفضل
1- تجربة التدريب العملي: يقلق بعض الخبراء من أن يسبّب اللوح الإلكتروني بابتعاد الطفل عن العالم الواقعي. فهو إذا تعرف فقط إلى الكتاب الإلكتروني، قد يخسر هذا الطفل تجربة اللمس بالإمساك بكتاب تقليدي، وتقليب صفحاته، أو مشاركة اصدقائه كتابه المفضل، فالتكنولوجيا صندوق جميل ولكنها تبقى صندوقًا.
2- الوقوع في حب المطالعة: الجلوس في حضن أحد الأبوين لقراءة كتاب أو التجمّع حول المعلمة في الصف ساعة قراءة القصّة، يساهم في تنشئة الطفل على حب الكتاب، فهذه التجارب يمكنها أن تؤسس حب المطالعة في المستقبل.
فوفق بعض اختصاصيي التربية، بينما تبدو الكتب الإلكترونية رائعة بالنسبة إلى المراهقين والأطفال القادرين على القراءة وحدهم، فإن إيجابياتها ليست مؤكدة بالنسبة إلى الأطفال الصغار جدًا، فقد توصلت الأبحاث الى أن الأهل يكونون أكثر سيطرة وتركيزًا على أطفالهم عندما يقرأون لهم قصة في كتاب مطبوع، فيما الألواح الإلكترونية قد تشتت ذهن الطفل والأهل معًا.
3- التركيز على ملكة التنبه عند الطفل: تطبيقات الموسيقى والرسوم المتحركة والألعاب في الكتاب الإلكتروني قد تنتهي بأن تجعل فكر الطفل مشتّتًا بدل أن تعزّز مهارة التركيز لديه.
فالتكنولوجيا مثيرة إلى درجة أن الحوار يركز على أي زر يجب أن يضغط الطفل بدل التركيز على المحتوى. والأفضل أن تعيد الأصوات الصادرة عن الكتاب الإلكتروني إلى محتوى القصة بدل أن تكون للترفيه وحسب.
مؤيدو الكتاب الإلكتروني
العالم الرقمي يدعم المطبوعة الورقية..
تعزيز مهارات القراءة في سن مبكرة: خلال السنوات الأربع الماضية، أجريت دراسة حول كيفية دمج الكتاب الإلكتروني في الصفوف، ووجدت الدراسة أنّ الأصوات والحركات الموجودة في الكتاب الإلكتروني تساعد الأطفال الصغار في التعرف إلى الكلمات المطبوعة.
وعندما أجري اختبار لتلامذة الحضانة، ثلث التلامذة الذين نشأوا على القراءة الإلكترونية عرفوا الكلمات قبل قراءة القصة. وبعد قراءة كتاب إلكتروني ارتفعت النسبة إلى 54 في المئة.
ولا تزال المسألة غامضة بخصوص ما إذا كانت النتيجة ستكون نفسها في ما يتعلّق بالقراءة التقليدية، ربما تجربة القراءة المشتركة تثري المفردات اللغوية عند التلامذة، بدلاً من اللوح الإلكتروني الذي يساعدهم على التعلم فقط.
الكتاب الرقمي قد يتفوق على المطبوع لأنه:
أكثر تفاعلاً. رغم أن الإضافات الكثيرة قد تشتت ذهن الطفل، فإنها مفيدة جدًا للقرّاء الصغار المبتدئين الذين في إمكانهم تكبير الكلمة أو الضغط على الرابط الذي يساعد في التواصل مع عالمهم، فضلاً عن شاشة اللمس أو الزر الموجود على الكتاب الإلكتروني الذي يمكنه صقل مهارة الأعضاء الدقيقة عند الطفل.
يكافئ الطفل بأسلوب طريف. يكون الطفل أكثر حماسة عندما يرى الكلمة المطبوعة في الكتاب الإلكتروني تضيء وفي الوقت نفسه تصدر صوتًا. هذا ما لاحظته إحدى المدرّسات في صفوف الحضانة، فمن خلال خبرتها الطويلة في السلك التعليمي في صفوف الروضات، وبعدما بدأت استعمال اللوح الإلكتروني، وجدت أن تلامذتها الصغار يبدون حماسة كبيرة لحظة إخراجها اللوح الإلكتروني من حقيبتها، ذلك أن الجهاز يساعد الصغار على فهم الكلمات من خلال تحديدها بالألوان الزاهية، وتعريف الكلمات التي يجد التلامذة الصغار صعوبة في فهمها، وبالتالي ازدادت مفرداتهم اللغوية.
وقد لاحظت هذه المدرّسة أن تلامذتها لديهم مفردات لغوية أكثر من تلامذة الثاني الابتدائي. وخلال إعداد هذه المدرّسة رسالتها في الماجستير، قامت باختبار تعليم اللغة الإنكليزية عند الأطفال الأجانب عبر اللوح الإلكتروني، وفي نهاية الأسبوع الثالث ازداد مخزونهم للمفردات بشكل ملحوظ من 200 كلمة إلى ألف.
وهكذا يؤكد الاختصاصيون أن الطفل يمكنه الاستفادة من الكتابين، المطبوع والإلكتروني، لكنهم يوصون الأهل بأن يعرّفوا الطفل في البداية إلى الكتاب المطبوع، أو أن يعرّفوه إلى الكتابين في آن. فالتكنولوجيا لن تحل أبدًا مكان المدرّسة أو الأهل، ومهما يقرأ الأهل لأبنائهم بغض النظر عن نوع الكتاب سواء كان إلكترونيًا أم مطبوعًا، عليهم الحفاظ على الحوار بينهم.
مثل التحدّث عما يراه في الصفحات، وسؤاله عن الأحداث التي يظن أنها ستحصل. إذًا يتفق الاختصاصيون والتربيون على أن التطبيق الأهم بالنسبة إلى الأطفال هو التواصل الإنساني.
ويستمر الاختصاصيون في التأكيد أن القراءة تنمّي ذكاء الطفل. فالمطالعة تساهم في نجاحه المدرسي وتثري مفرداته اللغوية وألفاظه، وتقدّمه في الرياضيات والعلوم والفكر المنطقي، وتعزّز التعاطف والفضول وعامل التحفيز لديه.
كيف يمكن أن تجعلي طفلك محبًا للقراءة! بكل بساطة اقرئي له مرة واحدة في اليوم، ويأتي بعد ذلك المفتاح السحري لارتباطه بالمطالعة هو التفاعل، وهذا يعني طرح الكثير من الأسئلة وتحديد أفكار القصة الرئيسة ومن ثم الطلب من الطفل إعادة سردها على طريقته.
ومهما كانت سن الطفل صغيرة، لا يجوز الادعاء أن من المبكر بعد، بل على الأم جعل تجربة القراءة ملموسة. لذا عليها تحفيز الطفل على تقليب الصفحات ولمسها وعندما يدخل الطفل الحضانة عليها أن تلفت نظره إلى الألوان والأشكال الموجودة بين صفحات الكتاب، وتعلمه تحديدها، ثم تشير إلى وجودها في العالم الواقعي المحيط بهما، لقد حان الوقت أن تسأله عن أحداث القصة، إلى أين ذهب رامي؟ لماذا كانت أمه حزينة؟ ومساعدة الطفل على التواصل عاطفيًا مع شخصيات القصة بسؤاله عما إذا كان انتابه الشعور نفسه.
فهذا الحوار التفاعلي بين الأم وطفلها أثناء المطالعة يجعله يدخل في عملية التعلّم بسلاسة، وفي الوقت نفسه يكون أساسًا متينًا ينطلق منه الطفل نحو التعليم الأكاديمي.
عندما يدخل الطفل إلى الحضانة، يمكن الأم جعل القراءة تجربة كاملة متعدّدة الوسائط، من خلال تعليم الطفل أن القصص تتجاوز الكتابة، وذلك بتمثيل القصة المفضّلة لديهما، والاستماع إلى الكتب الصوتية وتنزيل تطبيقات كتب أخرى.
وخلال القراءة، يمكن الأم تعليم طفلها الحساب وذلك بلفت النظر إلى الأرقام الموجودة في القصة من خلال السؤال مثلاً: كم طفلاً يلعب مع هاني؟ مما يحفز الطفل على إحصائهم على أصابعه. كما على الأم الانتباه إلى نوع الكتب التي تثير اهتمام الطفل، فالطفل قارئ في طبعه، لأنه فضولي يريد أن يتعرف إلى المحيط الاجتماعي من حوله، والقراءة إحدى وسائله، وسواء كان الكتاب رقميًا أم مطبوعًا، لا تتأخري أيتها الأم في جعله محبًا للقراءة، طالما أن الهدف هو تنمية فكره وتطوير ذكائه.