أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (مرصد المستقبل)
تعد الذكريات أضعف جانب من جوانب الفيزيولوجيا العصبية. ويؤدي اندماج إثارة المشابك العصبية الحساسة مع تنشيط الخلايا العصبية إلى إنتاج الأشياء التي نتذكرها. ويكوّن مجموع الذكريات ما نحن عليه. فالذكريات تمثلنا في كافة الأمور، وبدونها لا نكون.
اقرأ أيضا: علماء يتوصلون للأسباب الحقيقية للتقلبات العشوائية لنشاط الدماغ "الضوضاء العصبية"
ومن هنا تأتي أهمية اكتشاف طرائق جديدة لمكافحة فقدان الذاكرة، والتي تتضمن معظمها أساليب فيزيولوجية وبيولوجية. إلا أن بعض العلماء – مثل ثيودور بيرجر من جامعة كاليفورنيا الجنوبية – بدأوا بالتوجه نحو التقنية. وفي حال نجاح هذه الأساليب، فإن ذلك يعني إمكانية استرداد الذكريات استرداداً مثالياً مدى الحياة.
وابتكر بيرجر – بصفته مهندساً في المجال الطبي الحيوي – زرعة قد تسمى "الحصين الاصطناعي." ويُذكر بأن الحصين هو أحد أجزاء الدماغ التي تشارك في تحويل الذكريات قصيرة الأمد إلى ذكريات طويلة الأمد. وباختصار، فإنه البنية العصبية التي تحول اسم ووجه الشخص الذي تلتقيه لفترة وجيزة في إحدى المناسبات "قصيرة الأمد" إلى شيء تتذكره بعد ذلك بأعوام.
واستوحى بيرجر جهازه من التجارب الحيوانية التي تهدف إلى فهم وظيفة الحصين وآلية تشكّل الذكريات. ولاحظ بأن الحصين ينشط بطريقة معينة، من خلال إثارة النمط الذي يسميه "الكود الزماني المكاني" "يجب عدم الخلط بينه وبين المفهوم المرتبط بالفيزياء الفلكية".
يبدو بأن الذكريات تتشكل وتتعدل بواسطة أماكن الخلايا العصبية النشطة في الحصين وكذلك عند إثارتها. ولدى انتقال الإشارة عبر الحصين، يمثل هذا التسلسل الزماني المكاني الذكريات طويلة الأمد أو القصيرة.
واعتماداً على هذا المفهوم، كتب بيرجر وفريقه نموذجاً رياضياً عاماً لكيفية تحويل الحصين للذكريات قصيرة الأمد إلى ذكريات طويلة الأمد. وتمكنوا باستخدام هذا النموذج من زراعة الذكريات المفيدة عند الفئران التي ثبطت ذاكرتها بالأدوية.
زرعات الذاكرة
ومن البديهي أن البشر يختلفون كثيراً عن الفئران. فرسم خرائط مليارات الاتصالات المشبكية في الدماغ البشري وفهم آلية إنتاجها للذكريات هي العمليات الحاسمة في إعداد زرعات للذاكرة، ولذلك فمن المستبعد أن نشهد أجهزة الذاكرة القابلة للزرع في المستقبل القريب. ومع ذلك، فإن لهذا الاكتشاف في فك كود الذاكرة الحسابي للحصين آثار مهمة جداً.
فإن تمكن العلماء من تقليل آليات تشكّل الذاكرة وتحويلها إلى مجرد صيغة رياضية، ثم صقل هذا المفهوم من خلال كود برمجي أكثر تطوراً، فسنشهد حقبة جديدة من المعالجة العصبية. ولن تمثل أجهزة الذاكرة القابلة للزرع سوى جزء صغير من المعادلة، إذ يمكن أن نشهد أيضاً ذكريات كاذبة قابلة للزرع، وهي فكرة تشبه أفلام الخيال العلمي، إلا أن لها استخدامات طبية ونفسية أكثر اعتدالاً في الواقع.
ويجب إجراء تطويرات إضافية كي نتمكن من زرع ذاكرة تعزز الأمور المبعثرة داخل الدماغ. فلا يلزمنا فقط إحراز تقدم كبير في تطوير التقنية المصغرة القادرة على أن تتفاعل تفاعلاً آمناً وفعالاً مع النسيج العصبي، بل نحن بحاجة أيضاً إلى تحسين فهمنا لتشكل الذاكرة، وتطوير تقنيات أكثر دقة لرسم "خريطة الاتصال العصبي"، ووضع نماذج رياضية مناسبة لكيفية عمل الدماغ "إذا كان ذلك ممكناً حقاً".
اقرأ أيضا:
باحثون: الصداع النصفي قد يكون له تأثير حقيقي ودائم على بنية الدماغ