مشروبات “الدايت”..هذه مخاطرها
- المُحليات الصناعية ليست حلاً سحريًا لإنقاص الوزن
- تأثيراتها قد تضر بصحة الدماغ والجهاز الهضمي
- انتبه إلى الدعاية البراقة والتأثير العكسي لبدائل السكر
بشتى الطرق، يحاول الآباء والأمهات، السيطرة على محاولات إصابة أطفالهم بالسمنة في مرحلة الطفولة، لأنها تضعهم عادة على بداية طريق المشكلات الصحية التي كانت تُعد فيما سبق مشكلات خاصة بالبالغين، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول، ناهيك عن الاكتئاب.
وطمعًا في تخفيف خطر إصابة الأطفال بالسمنة، وتقليل مستويات السكر في الطعام والشراب، زاد استهلاك المُحليات الصناعية منخفضة السعرات الحرارية، لدى الأطفال بشكل كبير، بسبب الانتشار واسع النطاق للمنتجات التي تحتوي عليها خاصة المشروبات الغازية “الدايت” أو “زيرو سكر”، ولجوء الأهالي إليها لوقاية أطفالهم من السمنة، في ظل الأرقام المفزعة التي كشفت عنها منظمة الصحة العالمية التي قدرت أن ما يقرب من 167 مليون شخص حول العالم، من بالغين وأطفال، ستتراجع صحتهم بسبب زيادة الوزن أو السمنة بحلول عام 2025.
ما هي المُحليّات الصناعية؟
المُحليّات الصناعية، هي عبارة عن بدائل السكر الصناعي المعروف، تشتق بعضها من مواد طبيعية مثل الأعشاب أو من السكر نفسه، وتستخدم في التحلية، وتدخل في العديد من الصناعات الغذائية والدوائية أيضًا، ويشيع استخدامها عادة في الأطعمة المُصنّعة مثل المشروبات الغازية “الدايت” والمخبوزات والحلوى والأطعمة المعلبة، والمربى، ومنتجات الألبان.
في العادة، يدخل السكر في إعداد الأغذية والمشروبات، لكن تناوُله بكثرة قد يتسبب في مشكلات صحية أبرزها زيادة الوزن، واضطرابات القلب والأوعية الدموية، والسكري وتسوُّس الأسنان، ومن هنا ظهرت المحليات الصناعية كبدائل جذابة للسكر، لاحتوائها على مقدار ضئيل جدًا من السعرات الحرارية، كما أنها لا تتسبب في تسوس الأسنان لأنها لا تتفاعل مع بكتيريا الفم، وكذلك لا ترفع مستويات السكر في الدم.
بالتزامُن مع زيادة الطلب عليها، روجت شركات الأغذية والمشروبات لفوائد هذه المحليات، باعتبارها تساعد في فقدان الوزن، والمحافظة على صحة الأسنان، والسيطرة على مستوى السكر في الدم، خاصةً لدى مرضى السكري.
وأثبتت دراسات عديدة أن اتباع نظام غذائي عالي السكر في سن المراهقة يضر بوظائف المخ، لكن ماذا عن الأضرار التي يمكن أن تسببها “بدائل السكر” منخفضة السعرات الحرارية ومنتجاتها؟
تأثير على دماغ المراهقين
أحدث الدراسات في هذا الشأن حذّرت من التأثيرات طويلة الأمد التي تحدثها بدائل السكر ومنتجاتها وخاصة المشروبات الغازية “الدايت” على صحة الأطفال والمراهقين، وتحدثت عن إمكانية تسببها في أضرار فادحة بالدماغ والأمعاء النامية، وضعف طويل المدى في الذاكرة لدى المراهقين.
الدراسة التي أجراها باحثون بجامعة جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة، كشفت أن تلك المنتجات يمكن أن تجعل براعم التذوق أقل حساسية للسكر، ما قد يزيد من الرغبة في تناول المزيد من المشروبات والأطعمة السكرية فقط من أجل تذوق الطعم الحلو.
الدراسة الجديدة المنشورة مؤخرا في دورية (JCI Insight)، استهدفت رصد التأثير طويل المدى لاستهلاك المُحليّات الصناعية منخفضة السعرات الحرارية، في مرحلة الطفولة، على الوظيفة الإدراكية والعمليات الفسيولوجية، باستخدام فئران التجارب صغيرة السن.
الفريق اختبر 3 أنواع شهيرة من المُحليّات الصناعية وهي “أسيسولفام البوتاسيوم” و”السكرين” و”ستيفيا”، والتي تنتشر بقوة في الصناعات الغذائية، بالإضافة إلى الاستهلاك كبدائل للسكر العادي.
ولتصميم الدراسة على نماذج الفئران بحث تكون أكثر قابلية للتطبيق على البشر، اتبع الفريق إرشادات هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، من حيث استخدام منتج واحد فقط من المُحليّات الصناعية التي شملتها الدراسة، لكل مجموعة من الفئران، وبمقدار يوازي ما حددته هيئة الغذاء والدواء الأمريكية من مستويات الاستهلاك اليومي المسموح به من المُحليّات الصناعية في الولايات المتحدة، وهو بمقدار 5 مليجرامات لكل كيلوجرام من وزن الإنسان يوميًا.
ولتحديد تأثير استهلاك المُحليّات منخفضة السعرات الحرارية على الذاكرة، استخدم الباحثون طرقًا تختبر التعرف على الأشياء والتعرف المكاني.
وتم تزويد الفئران بالمياه المحلاة بالمحليات الصناعية المذكورة، أو الماء العادي، إلى جانب طعامهم العادي.
وبعد شهر من التجارب، تم اختبار ذاكرة الفئران باستخدام طريقتين مختلفتين، إحداهما اختبرت ما إذا كانوا يتذكّرون شيئًا رأوه من قبل والأخرى عبارة عن متاهة.
في النهاية، كانت الفئران التي تناولت المُحليّات الصناعية أقل احتمالا لتذكر شيء ما أو المسار عبر المتاهة، من تلك التي شربت الماء العادي فقط مع طعامها المعتاد ولم تُعطى تلك المُحليّات.
كما وجد العلماء تأثيرات أخرى بين الفئران حدثت بعد أن تناولت المُحليّات، حيث كانت لديها عدد أقل من مستقبلات أو براعم التذوق على ألسنتها والتي تكشف عن الطعم الحلو.
وبالبحث، وجد الفريق أن تلك المُحليّات، أدت إلى تغيير الآلية البيولوجية في أمعاء الفئران، والتي تنقل الجلوكوز إلى الدم، ليس ذلك فحسب؛ بل تغيرت أدمغتها، خاصة في المناطق المرتبطة بالتحكم في الذاكرة والسلوك المدفوع بالمكافأة.
الفريق أشار إلى أن النتائج أثبتت أن الفئران في مرحلة المراهقة التي استهلكت المُحليّات منخفضة السعرات الحرارية أظهرت ضعفًا طويل المدى في الذاكرة.
هل تتأثر حاسة التذوق والهضم؟
في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن”، تعليقا على النتائج، تقول ليندسي شيير، أستاذ مساعد علوم الأحياء بجامعة جنوب كاليفورنيا، والمشاركة في الدراسة: “دراستنا أثبتت أن الاستهلاك المُعتاد للمحليات منخفضة السعرات الحرارية في وقت مبكر من الحياة له تأثيرات دائمة على استقلاب الجلوكوز، ويدفع لاستهلاك المزيد من السكريات ذات السعرات الحرارية، ويؤثر على الذاكرة لدى الفئران”.
وأضافت أن الأطفال والمراهقين يميلون عادة إلى استهلاك الكثير من السكر، والذي ثبت أنه يؤثر سلبًا على التمثيل الغذائي والقدرات المعرفية في وقت لاحق. وتوفر المُحليّات منخفضة السعرات الحرارية طريقة مناسبة لتقليل محتوى السكر في الأطعمة والمشروبات. ومع ذلك، وجدت دراستنا أن الاستهلاك المُنتظم لهذه البدائل في وقت مبكر من الحياة له آثاره الدائمة على القناة الهضمية والدماغ في الفئران”.
وعن دلالات نتائج البحث، تشير إلى أن مثل هذه الدراسات يمكن أن تساعد المستهلكين والأطباء على اتخاذ خيارات صحية سليمة طوال العمر.
وحول خطواتهم المقبلة، قالت لـ”أخبار الآن” إنه سيكون من المهم بالنسبة لنا أن نفهم ما إذا كانت التغييرات في استقلاب الجلوكوز تساهم بشكل مباشر في تأثيرات الدماغ والذاكرة، حيث أدى استهلاك المُحليّات منخفضة السعرات الحرارية في الحياة المبكرة إلى انخفاض براعم أو مستقبلات تذوق الطعم الحلو على اللسان، وزيادة تناول السكر لدى الجرذان البالغة. وسيكون من المهم معرفة ما إذا كانت التفضيلات الغذائية والعادات الغذائية الأخرى قد تأثرت، مما قد يؤثر على الصحة العامة”.
هذه النتائج تتماشى مع تلك التي توصلت إليها دراسات سابقة أظهر فيها الباحثون أن الفئران في مرحلة المراهقة التي تستهلك السكر تعاني من ضعف دائم في الذاكرة.
تأثير مُغاير
يبدو أن المُحليّات منخفضة السعرات الحرارية ليست خيارًا صحيًا دائمًا، ورغم أنها من المفترض أنها خالية من السعرات الحرارية تقريبًا، ولا ترفع مستوى السكر في الدم، ولا تسبب تسوس الأسنان، لأنها ليست من الكربوهيدرات، إلا أنها تحدث تأثيرًا معاكسًا في جسم الإنسان، لأنها تتسبب بصورة غير مباشرة في خطر الإصابة بالسكري والسمنة.
الأبحاث السابقة رصدت أن جسم الإنسان، يستجيب عادة للُمحليّات الصناعية بشكل مختلف عن استجابته في حرق السكر العادي، وقد يؤدي ذلك لنتيجة مُغايرة تمامًا، حيث يدفع العقل لتناول المزيد من الأطعمة، حتى ترتفع مستويات الجلوكوز في الدم، وهذا يرفع خطر الإصابة بالسكري.
دراسة سابقة أجريت عام 2016 أفادت بأن الأفراد من ذوي الوزن الطبيعي الذين تناولوا المزيد من المُحليّات الصناعية كانوا أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري من الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة.
ووجدت دراسة أخرى عام 2014 أن هذه المحليات تربك العقل وتغير تكوين بكتيريا الأمعاء وقد تؤدي إلى الرغبة الشديدة في تناول الطعام.
الدراسة التي نتناول تفاصيلها في هذا المقال، توصلت لنفس النتيجة، وهي أن تلك المنتجات تؤثر على إشارات التمثيل الغذائي في الجسم، ما قد يؤدي إلى الإصابة بمرض السكري وغيره من الأمراض المرتبطة بعملية التمثيل الغذائي وهي مصطلح يصف مجموعة من المشاكل التي تحدث معًا وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض السكري من النوع الثاني، وتشمل تلك المشاكل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع السكر في الدم وزيادة دهون الجسم حول الوسط ومستويات غير طبيعية من الكوليستيرول والدهون الثلاثية.
ووجد الفريق أن الفئران التي استهلكت مُحليّات منخفضة السعرات الحرارية في مرحلة المراهقة، كانت أقل رغبة في العمل من أجل السكر، لكنها استهلكت المزيد من السكر إذا كان متاحًا مجانًا، وهو عامل آخر قد يؤثر على احتمالية الإصابة بأمراض التمثيل الغذائي.
انتبه إلى الدعاية البّراقة
رغم أن استهلاك المُحليات الصنّاعية في الحدود الموصى بها يعتبر آمنًا بالنسبة للبشر، ومرخص به من قبل السلطات الصحية، لكن ينبغي على بعض الناس الحذّر الشديد عند استهلاكها، وخاصة فئة الأطفال والمراهقين، وعدم الإفراط في تناول المنتجات التي تدخل في صناعتها وعلى رأسها المشروبات “الدايت” أو الزيرو سكر، لأن الإسراف في تناولها عادة يتخطى الحد اليومي الآمن.
لذلك ينبغي توخي الحذر جيدًا، وعدم الانسياق وراء الدعاية البرّاقة بأن تلك المنتجات خالية من السكر وعديمة السعرات الحرارية؛ فتأثيراتها العكسية يمكن أن تتسبب في زيادة الوزن والسكري، بدلا من الوقاية منهما.
ويكفى أن نعرف أن هذه المنتجات لا يمكن للمرأة الحامل والمرضعة تناولها تجنبا للضرر المتوقع، كما أن المصابين باضطراب التمثيل الغذائي النادر، عادة يكون لديهم مشكلة في استقلاب الحمض الأميني (فينيل ألانين)، وهو أحد مكونات المحلي الصناعي المعروف باسم “الاسبرتام”، وبالتالي يجب عليهم تجنب استخدامها.
كما يعاني بعض الناس من حساسية تجاه “السلفوناميدات” وهي فئة المركبات التي ينتمي إليها المُحلي الصناعي “السكرين”، وبالتالي قد يؤدي “السكرين” إلى صعوبات في التنفس أو الطفح الجلدي أو الإسهال إذا تناوله من يعانون من هذه الحساسية، كما تُحذّر بعض الدراسات من المُحليّات الصناعية مثل السكرالوز التي تقلل من حساسية الأنسولين وتؤثر على بكتيريا الأمعاء.
هناك من يتحدث عن اللجوء إلى المحليات الطبيعية، بدلا من المحليات الصناعية، مثل عسل النحل، لكن هذه الخيارات الطبيعية بالطبع قد لا تناسب جميع الناس، خاصة مرضى السكري والأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين، ويجب استشارة الطبيب المعالج قبل اعتمادها كبدائل للسكر التقليدي بالنسبة لمرضى السكري والأطفال الرٌضع.
ختامًا، يجب التأكيد على أن المُحليّات الصناعية ليست حلاً سحريًا للتحكم في الوزن والسيطرة على مستويات السكر في الدم، والحل بالطبع يكمن في تقليل كميات السكر في الأطعمة والمشروبات، والابتعاد عن الأطعمة المُصنّعة والوجبات الجاهزة، واعتماد أسلوب حياة صحي، يعتمد على الإكثار من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، وممارسة الأنشطة البدنية.