متى تصبح اضطرابات النوم خطيرة؟
- النوم السيء مرتبط بـ”الجلوكوما” لأنه يرفع ضغط العين
- المياه الزرقاء تصيب الأشخاص بالعمى إذا تركت دون علاج
لطالما ارتبطت اضطرابات النوم بمشاكل صحية لا حصر لها، بداية من التعب الجسدي وانتهاء بالمشاكل النفسية والصحية، لكن الخطورة لا تتوقف عند هذا الحد؛ إذ أثبتت الأبحاث الحديثة أن النوم السيء مرتبط بزيادة خطر الإصابة بفقدان البصر الذي لا رجعة فيه أو “الجلوكوما”.
وثبت علميًا، أن اضطرابات النوم ترتبط بمشاكل صحية أبرزها ضعف الجهاز المناعي وزيادة الوزن، والذبحة الصدرية، والصداع المزمن، بالإضافة إلى تلف العضلات والموت المبكر، ناهيك عن ضعف المردودية والاكتئاب.
مصطلح اضطرابات النوم يمكن أن يطلق على الأشخاص الذين لا يحصلون على قسط كاف من النوم ليلاً، مهما كانت المسببات النفسية والجسدية، وينتج عن ذلك علامات منها الشعور بالنعاس الشديد والاستغراق في النوم فجأة نهارًا، ومواجهة صعوبات عند محاولة النوم ليلاً نتيجة الأرق، بالإضافة إلى النوم في أوقات غير مناسِبة، وقد يَحْدُث ذلك أثناء قيادة السيارة، ناهيك عن علامات أثناء النوم منها زيادة الحركة أثناء النوم، والشخير، وصرير الأسنان أو انقباض وطحن الأسنان بشكل لا إرادي أثناء النوم.
لكن قبل الحديث عن اضطرابات النوم وتأثيراتها، من المهم أن نعرف أن تعرض الإنسان لصعوبات فيما يتعلق ببدء النعاس ثم النوم العميق لا يعد مشكلة نوم إذا حدث بشكل عارض. لكن إذا حدثت هذه الصعوبات 3 مرات أسبوعيًا، وعلى مدى أكثر من 3 أشهر، فإن الخبراء يتحدثون عندئذ عن إصابة ذلك الشخص باضطرابات في النوم.
وإذا تزامنت هذه الاضطرابات مع الشعور بالإرهاق نهارًا وأدت إلى تقصير الإنسان في دوره الوظيفي والاجتماعي، فإن الخبراء يصفون ذلك بـ “الأرق الشديد”.
النوم و”الجلوكوما”
قد لا يتخيل البعض أن مشاكل النوم يمكن أن تقود إلى زيادة خطر فقدان البصر، لكن ذلك ما حذّرت منه دراسة حديثة.
وكشفت الدراسة الدولية، التي نشرت مؤخرا بدورية (BMJ Open) أن اضطرابات النوم قد تساهم في تطور الإصابة بمرض الجلوكوما أو المياه الزرقاء؛ نظرًا لدور ضغط العين في الإصابة بالمرض.
وتسبب المياه الزرقاء الضرر بالعصب البصري، الذي يُعد صحته ضرورية للرؤية بصورة جيدة، ويحدث هذا الضرر غالبًا بسبب ارتفاع الضغط بشكل غير طبيعي في العين.
وحسب الدراسة، فإن الجلوكوما تعتبر سببًا رئيسيًا للعمى، وسيؤثر على الأرجح على ما يقدر بنحو 112 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2040.
وتتميز أعراض الجلوكوما بالفقدان التدريجي للخلايا الحساسة للضوء في العين، وتلف العصب البصري، ولا تزال أسبابه والعوامل المساهمة في الإصابة به غير مفهومة جيدًا، لكن إذا تُرك مرض الجلوكوما دون علاج، يمكن أن يتطور إلى عمى لا رجعة فيه.
وحتى مع العلاج، فإن حوالي 15% من المصابين بالمياه الزرقاء قد يُصابوا بالعمى في عين واحدة على الأقل في غضون 20 عامًا.
لكشف العلاقة بين اضطرابات النوم وخطر الإصابة بالجلوكوما، راقب الفريق أكثر من 400 ألف مشارك في المملكة المتحدة، تتراوح أعمارهم بين 40 و69 عامًا، قدموا تفاصيلات عن سلوكيات نومهم المعتادة.
وحدد الفريق مدة النوم على أنها طبيعية إذا كان الأشخاص ينامون من 7 إلى 9 ساعات يوميًا، كما سجل المشاركون مدى إصابتهم بالأرق، أو النعاس أثناء النهار، أو الشخير.
بالإضافة إلى ذلك، استخدام الباحثون السجلات الطبية لتتبع مدى إصابة المشاركين بالجلوكوما.
وخلال فترة مراقبة المشاركين، التي استمرت في المتوسط أكثر من 10 سنوات، تم تحديد 8690 حالة إصابة بالجلوكوما بين من شملتهم الدراسة.
النتائج توصلت إلى أن من لا يحصلون على قسط كاف من النوم، أو يزيد نومهم اليومي عن 9 ساعات، زادت لديهم مخاطر الإصابة بالجلوكوما بنسبة 8٪، والأرق بنسبة 12٪، والشخير بنسبة 4٪، والنعاس المتكرر أثناء النهار بنسبة 20٪.
وبالمقارنة مع أولئك الذين ينامون بمعدل طبيعي، فإن من يعانون من الشخير ليلاً والنعاس أثناء النهار كانوا أكثر عرضة بنسبة 10٪ للإصابة بالجلوكوما، فيما كان الأشخاص الذين يعانون من الأرق ولديهم نمط نوم قصير أو طويل أكثر عرضة للإصابة بالجلوكوما بنسبة 13٪، وبذلك فإن المعاناة من عرضين لاضطرابات النوم معًا تزيد من نسبة الإصابة بالمرض.
ووفق النتائج، يميل المشاركون المصابون بالجلوكوما إلى أن يكونوا أكبر سنًا وأكثر عرضة لأن يكونوا ذكورًا ومدخنين، وأن يكون لديهم ارتفاع في ضغط الدم أو مرض السكري، مقارنة بمن لم يتم تشخيص إصابتهم بالمرض.
سر الارتباط
ولفهم آلية الإصابة بالمرض، يجب أولا أن نعرف أن العين تفرز سائلاً مائيًّا يحافظ على رطوبتها، ثم يصرف هذا السائل عبر قنوات.
وعند اختلال التوازن بين كمية السائل المفرز وقدرة القنوات على تصريف السائل ينتج عن ذلك تراكمه داخل العين مسببًا انسدادًا وضغطًا على أنسجة العصب البصري، وعندئذ تحدث الجلوكوما بسبب احتباس سائل العين بشكل صحيح؛ ما يزيد الضغط داخل العين والعصب البصري الذي يحمل الصور المرئية إلى المخ.
ما سر ارتباط اضطرابات النوم بالجلوكوما؟
تقول البروفيسورة هوان سونغ، من مركز البيانات الطبية الحيوية في جامعة سيتشوان الصينية، وقائدة فريق البحث، إن هناك تفسيرات بيولوجية محتملة، وهي أن الضغط الداخلي للعين، وهو عامل رئيسي في الإصابة بمرض الجلوكوما، يرتفع عندما يكون الشخص مستلقيًا وعندما تكون هرمونات النوم غير مستقرة، كما يحدث في حالة الأرق.
وفي حديث لـ”أخبار الآن”، أضافت أن الاكتئاب والقلق، اللذان يترافقان غالبًا مع الأرق، قد يزيدان أيضًا من ضغط العين الداخلي، ربما بسبب إنتاج الكورتيزول أو هرمون الإجهاد، غير المنتظم.
وبالمثل، فإن النوبات المتكررة أو المطولة من انخفاض مستويات الأكسجين الخلوي، الناجمة عن توقف التنفس أثناء النوم (التوقف المفاجئ للتنفس أثناء النوم)، قد تسبب تلفًا مباشرًا في العصب البصري للعين.
وعن أهمية نتائج الدراسة، أشارت “سونغ” إلى أنه “نظرًا لأن سلوكيات النوم قابلة للتعديل، فإن هذه النتائج تؤكد ضرورة التدخل، بالنسبة للأفراد المعرضين لخطر الإصابة بالجلوكوما نتيجة اضطرابات النوم، عبر إجراء فحص العيون المحتمل بين الأفراد الذين يعانون من مشاكل النوم المزمنة للمساعدة في منع الإصابة بالجلوكوما”.
وتابعت أن النتائج تؤكد الحاجة إلى العلاج بالنوم لدى الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالمرض، بالإضافة إلى إجراء فحوصات العين المنتظمة بين أولئك الذين يعانون من اضطرابات النوم المزمنة للتحقق من العلامات المبكرة للجلوكوما.
وعن أبرز أعراض المرض، فإنه مع تطور الجلوكوما قد تظهر بقع مظلمة في الرؤية الجانبية أو الجزء الخاص بالرؤية القريب من الأنف، بالإضافة للرؤية الضبابية، كما قد ينتج عن المرض أيضًا صداع حاد، وقيء وغثيان، وألم شديد واحمرار في العين، ناهيك عن رؤية هالات حول الضوء فيما يعرف بـ”قوس قزح”.
ويمكن تشخيص المرض عن طريق فحوصات العين الشاملة مثل ضغط العين، وفحص العصب البصري، وقياس سُمك القرنية، بالإضافة إلى اختبار الرؤية الجانبية أو “ميدان النظر”.
أما العلاج، فيعتمد بشكل رئيسي على قطرات العين للحد من الضغط في العين، والعلاج بالليزر لفتح القنوات المسدودة، أو تقليل إنتاج السوائل في العين، بالإضافة إلى الجراحة لتحسين تصريف السوائل من العين.
لكن يجب الانتباه إلى أنه لا يمكن التعافي من فقدان النظر الناتج عن الجلوكوما، لكن يمكن منعه أو إبطائه إذا تم اكتشاف الجلوكوما وعلاجها مبكرًا.
كيف نحسن جودة النوم دون علاج؟
يلعب النوم دورًا رئيسًا في صحة الفرد وهو بنفس أهمية الأكل والشرب والتنفس. وبما أن جودة النوم قد تكون من العوامل الرئيسية للإصابة بالجلوكوما، فإن تحسين جودة النوم يمكن أن تكون أحد أبرز الاستراتيجيات الفعالة للوقاية من المرض.
وهناك علامات للإصابة باضطرابات النوم أبرزها الأرق الشديد والشعور بالإرهاق والتعب، وإيجاد صعوبة في النوم أو الاستمرار في النوم، والاستيقاظ بعد فترة قصيرة من النوم بشكل متكرر، وعدم القدرة على النوم بدون مساعدة، والشعور بالنعاس المفرط خلال النهار، وإيجاد صعوبة في التركيز والتذكر.
وقبل اللجوء للطبيب للبحث عن علاجات لهذه الاضطرابات، يجب أن يهيئ الشخص البيئة المناسبة للنوم أولا، ويراقب مراحل التحسن.
ووفق الأطباء المتخصصون في “طب النوم” المعني بتشخيص وعلاج اضطرابات النوم، فإن هناك إرشادات عامة لتحسين جودة النوم أبرزها الالتزام بوقت محدد وثابت للنوم والاستيقاظ، حتى في عطلات نهاية الأسبوع، وإذا لم تستطع النوم بعد المكوث 20 دقيقة في الفراش، فغادر غرفة النوم وافعل شيئًا يساعدك على الاسترخاء، مثل القراءة ثم عُد إلى الفراش عندما تشعر بالإرهاق.
ويجب الانتباه إلى أن خلق بيئة نوم مريحة وباردة ومظلمة وهادئة، أمر مهم للغاية؛ فقد يؤدي التعرض للضوء إلى جعل النوم أكثر صعوبة، وبالتالي يفضل تجنب التعرض للشاشات المشعّة للضوء لفترات طويلة قبل موعد النوم.
ويمكن لعادات الأكل والشراب أن تؤثر على جودة النوم أيضًا، ويستحسن أن لايذهب الشخص إلى النوم وهو جائع أو متخم بالطعام، كما يفضل تجنب الوجبات الدسمة أو كميات الطعام الكبيرة قبل موعد النوم بساعتين، ويجب الحذر أيضًا من النيكوتين والكافيين؛ إذ تحتاج الآثار المنبِّهة للتبغ والقهوة والشاي والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة إلى عدة ساعات حتى تزول، ويمكن أن تُسبّب الأرق.
ويمكن لأنشطة معينة أيضًا خلال ساعات النهار مثل ممارسة الرياضة بشكل منتظم، أن تساعد على النوم ليلاً، مع تجنب أخذ قيلولة بعد الساعة 3 مساءً، وعدم النوم أكثر من ساعة في القيلولة.
هناك نصيحة أخرى هي محاولة التخلص من القلق أو المخاوف قبل حلول وقت النوم.
وأخيرًا، إذا تم تنفيذ كل هذه التدابير ولا زلت تواجه صعوبة في النوم، فيجب استشارة الطبيب، الذي سيساعدك حتمًا في تحديد الأسباب الكامنة وراء ذلك، ويمنحك العلاج المناسب الذي يحسن جودة نومك.