أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من مرصد الجهادية نغطي فيها الفترة من ١٨ إلى ٢٤ أبريل ٢٠٢١ الموافق ١٢ رمضان ١٤٤٢ هجري. في العناوين:
– طالبان ونظام حكمهم المنشود: تناقضات ومقدّمات لخديعة قد تُطيح بالقاعدة
– معارضو هيئة تحرير الشام يفنّدون فيديو إلقاء القبض على قتلة الوزير الخليف
– داعش يغزو بلدة شمال نيجيريا ويقتل ١١ صائماً
ضيفة الأسبوع، الصحفية النيجيرية تشيكا أودوا تحدثنا عن بوكو حرام، لماذا ينضم الشباب إليهم وكيف يجندون الطفلات؟
ما نوع النظام الذي نریده؟!
نشر موقع طالبان على الإنترنت مقالاً في زاوية “كلمة اليوم” بعنوان: “ما نوع النظام الذي نریده؟!” في السطر الأول، يجيب المقال: “إنه النظام الإسلامي.” يسخر من السائلين ويقول عنهم إنهم “يتظاهرون بالجهل، ويريدون أن يظهروا بأن النظام الإسلامي نظام مجهول وغير قابل للتنفيذ.”
إذا أخذنا المقال على أنه مؤشر لما يريده طالبان، فثمة مشكلة. المشكلة ليست في نظام الحكم الإسلامي؛ وإنّما في تصور طالبان لعلاقتهم مع الداخل ومع الخارج ومع الجهاديين. بموجب اتفاق الدوحة، الانسحاب الأمريكي مشروط بأن يدخل طالبان مفاوضات مع أطراف أفغانية أخرى للتوصل إلى صيغة تشارك الحكم؛ وضمان عدم استخدام أفغانستان منصة لإطلاق هجمات ضد أمريكا وحلفائها. فهل ما يقوله طالبان في المقال يتسق مع الاتفاق؟ أم أن الاتفاق “حيلة” و”وسيلة” و”خدعة” للسيطرة على البلد، كما ألمح سابقاً منظرون جهاديون؟ لنضع اتفاق الدوحة جانباً.
في نهاية المقال، يخلص الكاتب متحدثاً باسم طالبان ويقول “أننا نريد نظامًا إسلاميًا يحترم حقوق الرجال والنساء، صغارًا وكبارًا، مسلمين وكفارا.” من هم الكفار؟ هل سيرعى “نظام حكم طالبان” معابد أصحاب الأديان والمعتقدات الأخرى مثلاً؟ وفي نفس الفقرة الأخيرة، يقول الكاتب إنهم يريدون لأفغانستان أن تكون “نموذجاً للسلام.” وأن تكون “خالية من حكم الجيوش الأجنبية.” لنتذكر أن أمريكا غزت أفغانستان في أكتوبر ٢٠٠١ لأنّ طالبان أووا القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن الذي شن هجمات ١١ سبتمبر في عقر دار أمريكا. ولنتذكر أن بن لادن فعل ذلك مخالفاً مستشاريه – ومنهم سيف العدل – الذين رأوا في ذلك خيانةً لعقد الأمن والأمان الذي أخذوه من طالبان. بن لادن والقاعدة هم من جلبوا أمريكا إلى افغانستان وهم من أتوا بالخراب على ذلك البلد وأهله. وبعد هذا كله، هرّب عائلته وكبار مستشاريه وعائلاتهم إلى إيران وباكستان. لنضع هذا جانباً.
طالبان إذاً يريدون السلام؛ هل سيطردون القاعدة؟ من الواضح أن طالبان لم يحسموا أمرهم في هذا الجانب. قالوا إن لا نشاط للقاعدة في أفغانستان؛ لكن هذا غير صحيح على الأقل الآن بدليل استهداف قادة كبار في القاعدة في العمق الأفغاني: من أبي محسن المصري إلى أبي محمد الطاجيكي. هل تعلم طالبان الدرس؟ هل سيرفعون يدهم عن القاعدة؟ ماذا سيحلّ بأنصار القاعدة ممن يدينون لهم بالولاء والبيعة؟ منظّرو القاعدة لا يزالون يبشرون بـ”انتصار طالبان” وكأن أفغانستان ستكون قبلة الجهاديين. هكذا يقول هاني السباعي الذي بالمناسبة يبث خطبه مستفيداً من قيم العلمانية والديمقراطية في المملكة المتحدة حيث يعيش.
طالبان
تبنى تنظيم داعش اغتيال “ملّا نيك محمد رهبر” الذي يوصف بأنه قيادي “مهم” في طالبان، مسؤولاً عن العمليات العسكرية في إقليم ننغرهار الأفغاني المحاذي للحدود مع باكستان. موقع Arab News نقل أن رهبر وآخرين، كانوا في طريق عودتهم إلى ننغرهار بناء على طلب من قيادة طالبان. اللافت في هذا الخبر هو أن داعش استهدف رهبر في بيشاور الباكستانية على الجهة المقابلة لـ ننغرهار. وهذا يفتح ملف العلاقة بين طالبان أفغان وطالبان باكستان. موقع (إطلاعات روز) الأفغاني قال إن هذا يدل على أن لطالبان مخابئَ في باكستان وأنهم يستخدمون البلد للتمويل. لكن الموقع نقل تصريحاً من ذبيح الله مجاهد، الناطق باسم طالبان، يدافع عن وجود رهبر في بيشاور وقال إنه كان يزور أقاربه اللاجئين هناك للإفطار معهم. رهبر هو ثالث قيادي من طالبان يقتل في بيشاور في الأشهر الأربعة الأخيرة.
قاعدة اليوم: اجترار المجتر
بثت مؤسسة الملاحم الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في اليمن سلسلة صوتية قالت إنها جديدة للقاضي أبي بشر محمد درامة. السلسلة بعنوان وقفات ودروس من قصة طالوت وجالوت. الخبيرة في شؤون قاعدة اليمن، الدكتورة إليزابيث كندال من جامعة أكسفورد البريطانية علّقت على الإصدار في حسابها على التويتر، وقالت:
– هذا أول ظهور إعلامي لـ ابي بشر درامة منذ عام تقريباً
– بالرغم من أن القاعدة تقول إن التسجيل جديد إلا أنه يتسق مع أسلوب القاعدة في تدوير المواد الأرشيفية القديمة وتقديمها على أنها إصدارات جديدة
– رجحت ألا يكون التسجيل حديثاً
– وأشارت إلى تقرير يمني حكومي قال إنّه أُلقي القبض على أبي بشر في ١٣ يناير الماضي. وكالة سبأ الحكومية نشرت التقرير مطلع أبريل ولم يتمّ تداوله بشكل واسع أو يُعلّق عليه مسؤول حكومي. وهكذا ظلّت هذه المعلومة في حساب الدكتورة كندال متبوعة بعلامة استفهام.
قتل الوزير
بث حساب جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام تسجيلاً مرئياً يوثق شهادات من قالوا إنهم عناصر جماعة أبي عبدالرحمن سفينة التونسي المتورطين في قضية خطف وقتل الوزير فايز الخليف. في الفيديو وصف لرصد الوزير واختطافه ثم قتله. بالإضافة إلى لقطات يجلس فيها المتهمون أمام أفراد من عائلة الوزير؛ والختام كان بشهادة والد الوزير يستذكر فيها ابنه المغدور.الفيديو لم يقنع معارضي الهيئة. فمثلاً، ورد في التسجيل أن المتهمين قتلوا الوزير بعد فشل تحصيل فدية ودفنوه. مزمجر الثورة السورية قال إن مدنيين عثروا على جثة الوزير مرمية على حافة الطريق وليست مدفونة في قبر. وكرّر أن الهدف من العملية كلها هو القضاء على سفينة التونسي، جزّار قلب لوزة ٢٠١٥. متابع أرسل للبرنامج رسالة قال فيها: “من يخطف للفدية لا يُعذب؛ ومن عنده خبرة بالقتل، لا يدفن بهذه الطريقة الصبيانية التي انكشفت بعد يوم.” المحامي عصام الخطيب لفت إلى أن الإصدار يشير إلى اعتقال ٧ أشخاص، فيما ظهر في الفيديو خمسة. وتساءل: “أين السادس والسابع.” وعن القتلى في كفردريان، قالت الهيئة إنهم قتلوا ثلاثة؛ عُرف منهم اثنان: أبو دجانة الليبي وسفينة التونسي؛ فمن هو الثالث؟ يسأل الخطيب.
الهيئة وتعطيل “الجهاد”
في ٢١ أبريل ٩ رمضان، وقع هجوم ضد قوات النظام السوري ومن والاها روساً وإيرانيين في محور الرويحة شرق جبل الزاوية جنوب إدلب.
الأطراف المتصارعة في إدلب كل نسب الفضل إليه. مناصرو هيئة تحرير الشام نقلوا أن ” مجاهدي غرفة عمليات الفتح المبين” التابعة لهيئة تحرير الشام أغاروا على الموقع، من دون تقديم تفاصيل. أمّا معارضو الهيئة فقالوا إن اثنين من كتيبة أبي عبيدة وهي كتيبة الأوزبك التابعة للهيئة انغمسا في الهدف “من دون علم عسكريي الهيئة.” وهذا معناه أن الانغماس كان عملاً فردياً أو “تمرداً” على سلوك الهيئة التي يراها معارضوها معطلة “الجهاد” في شمال غرب سوريا. متابع لحساب أبي يحيى الشامي قال إنّ ثمة”روحاً قتالية لدى فئة من المهاجرين والأنصار” برغم سلوك الهيئة. ووقع بـ: ” مهاجر تارك من هيئة تحرير الشام؛ ونأسف أنه بسبب جماعتنا التي عملنا معها سنوات لم نعد نستطيع ان نكتب حتى باللقب.” ليست المرة الأولى التي ترد فيها أخبار من هذا النوع من “التمرد.” في أغسطس الماضي، خبّر حساب رد عدوان البغاة عن عمل يكاد يكون مطابقاً؛ حيث قام “اثنان من الأوزبك” بالانغماس في نفس المكان. واستنكر وقتها نسبة العمل إلى غرفة الفتح المبين التابعة للهيئة.
نيجيريا: ترهيب الصائمين
غزا تنظيم داعش بلدة غيدام، كبرى بلدات ولاية يوبي شمال نيجيريا. الهجوم جاء وقت الإفطار. داعش أطلقوا النار في البلدة وقتلوا ١١ مدنياً. كالعادة أحرقوا الممتلكات ونهبوا المؤنة. ويُقال إنهم خرجوا وعادوا. ويُقال إن الجيش تصدى لهم. اللافت في هذا الغزو هو أنهم وزعوا منشورات تشرح أهدافهم وتدعو أهل المنطقة إلى الانضمام إليهم. وكما هي أغلب الهجمات الإرهابية في شمال شرق نيجيرياً، غالباً ما يتمّ الخلط بين داعش (ولاية غرب إفريقيا) وبين بوكو حرام، جماعة أبي بكر شيكاو. حتى إن بعض كبرى المنصات الإخبارية تشير إلى أن الجماعتين قامتا بالهجوم.
شيكاو بايع داعش في ٢٠١٥، لكن سرعان ما اختلف معهم أو اختلفوا معه لأن قيادة داعش عيّنت أبا مصعب البرناوي والياً على ما يُسمى ولاية غرب إفريقيا. في ٢٠١٦، شيكاو ذهب في طريق، وجماعة البرناوي ذهبوا في طريق.
تشيكا أودوا
يشرفني أن أستضيف صحفية من نيجيريا عملت كثيراً على مسائل الإرهاب في بلدها. تشيكا أودوا، صحفية وشاعرة ومنتجة أفلام وثائقية. على مدى ٢٠ عاماً، تعمل صحفية في أمريكا وإفريقيا، تراسل مؤسسات إعلامية مهمة مثل New York Times، The Gurdian، BBC، CNN ، وناشونال جيوغرافيك.
مرصد الجهادية: ماذا نعرف عن بوكو حرام؟ كثيراً ما يختلط علينا الأمر بخصوص توجهاتهم.
تشيكا أودوا: فعلاً، يشعر المرء بالاضطراب في محاولة فهم ما تمثله هذه المجموعة. وما هو هدفهم. لنعد إلى التاريخ. وهنا سأستخدم لفظ بوكو حرام للإشارة إليهم. فبالرغم من أن لهم اسماً خاصاً بهم إلا أن العالم يعرفهم بـ بوكو حرام. يعرفون باسم جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد. وبوكو حرام أصبح اصطلاحاً. الطريقة التي فسر بها لفظ بوكو حرام هي: بوكو الكتب أو التعليم بالمفهوم الغربي وحرام نعرف معناها. هذه هي الأيديولوجية التي تبناها هؤلاء . هم مجموعة من الناس متوجسون من الحضارة الغربية. ومما تأتي به الحضارة الغربية. أعضاء هذه الجماعة وخاصة المؤسسين يعتقدون أنه يجب حماية الدين. وحماية المفاهيم التي يؤمنون بها. بدأت مخاوفهم عندما تحولت نيجيريا من نظام حكم عسكري إلى نظام ديمقراطي في ١٩٩٩. هذا التحول السياسي أثار مخاوف كثير من المسلمين في شمال نيجيريا، لاعتقادهم أن الديمقراطية ستقرب نيجيريا من العالم الغربي. ويقربهم أكثر من الثقافة المسيحية. شعروا بأن عليهم التمسك أكثر بالدين الإسلام. ولهذا، بدأ عدد من حكام الولايات الشمالية حيث الأغلبية المسلمة، بدأوا يتبنون الشريعة ضمن نظامهم القانوني؛ لاعتقادهم أنهم يحافظون على نقاء هذا النظام؛ وأنهم يتبعون معتقداتهم حق الاتباع.
جاء رجل اسمه محمد يوسف من شمال شرق نيجيريا. لا نعلم تحديداً من أين. البعض يقول إنه من ولاية (يوبي). لا نعلم لكنه من شمال شرق نيجيريا. كان من دعاة فرض تطبيق الشريعة، خاصة في محافظة بورنو التي ترعرع فيها. بورنو هي موطن قبائل (الكانوري) وهم جماعة إثنية كبيرة. هم أصحاب إمبراطورية (كانوم بورنو). لهم تاريخ طويل مع الإسلام. كانت لهم علاقات بالتجار العابرين الصحراء الكبرى. حتى إن بعض علمائهم يُرجع أصلهم إلى اليمن. هذا جعل المنطقة مرتبطة جداً بالإسلام. وساهم في تنوع الثقافة هنا. فأصبحت غنية فعلاً. عند الحديث عن الجماعات الإسلامية المتشددة في نيجيريا؛ الحقيقة أننا لم نرها في شمال شرق، بل في مناطق أخرى من شمال نيجيريا. لهذا تفاجأنا عندما شهدنا ظهورها في المناطق الشمال شرقية، حيث (الكانوري). شعب (الكانوري) معروفون بأنهم مسالمين. كان مفاجئاً أن نرى شباناً يتحدثون بغضب عن تغيير المجتمع. هؤلاء الشباب كانوا أتباع محمد يوسف الذي تمكن من استقطاب عدد كبير من المتعاطفين والأتباع.
أتباعه جاؤوا من مختلف طبقات المجتمع؛ من أفقر الفقراء إلى أغنى الأغنياء. سياسيون كثر آمنوا بأفكار الرجل. ذهبوا للصلاة وراءه في مسجده. لهذا كنا نرى أمام مسجده سيارات فارهة يملكها نخبة المجتمع وعلية القوم. يأتونه يغدقون عليه المديح والهدايا ويطلبون أن يدعوا لهم. وكان يفعل. لكنه كان يسعى إلى التحقق من أن الحكام يطبقون الشريعة كما يجب. فأصبح خطابه خطيراً. صار يدعو إلى الجهاد وحمل السلاح ضد الحكومة النيجيرية. يقول إن علينا الابتعاد عن المسيحيين والكفار الآخرين. هو وأتباعه استخدموا كلمات مثل arne و كافر لوصف هؤلاء الذين يجب الابتعاد عنهم. ازداد عدد الناس المؤمنين بأفكاره. وكثر أتباعه واتسعت رقعة تأثيره في أجزاء مختلفة من الشمال. وصار يبشّر بالدعوة وانتشرت رسالته التي تدعو إلى العودة إلى طريق السلف.
مرصد الجهادية: لكن هذه لم تكن هي الممارسات الحقيقة التي تمثل الدين السمح.
تشيكا أودوا: صحيح. لهذا تصادم مع كثير من رجال الدين: الأئمة والشيوخ في نيجيريا. كانوا يقولون له: “يا بُني، هذه ليست الطريقة السليمة. أنت مُضلّل.” قطع علاقاته مع كثير من معلميه. ومنهم من قُتل. ثمة اشتباه أن أتباع محمد يوسف قتلوهم لأنه اختلف معهم. أصبح أكثر جدلية. والفئة الأكبر من رجال الدين كانوا يحاولون احتواءه. كانوا يقولون له لا نعلم من أين أتيت بهذا. هذا لا يمثلنا.
لغرب إفريقيا تاريخ طويل مع الصوفية التي تدعو إلى السلام والتسامح كطريقة حياة. فكان يوسف يأتي بشيئ غريب على المجتمع. انسلخ عن هذه التقاليد وانقطع عن معلميه وشيوخه ومنهم محدّثون وبدأ يبث ايديولوجيته في كل مكان.
مرصد الجهادية: من الأمور التي ميزت عنف بوكو حرام أنهم يتفننون في القتل ومن ذلك استخدام النساء والبنات لتنفيذ هجمات انتحارية. حدثينا عن هذا.
تشيكا أودوا: استغلال البنات والنساء لتنفيذ هجمات انتحارية أمر محبط حقاً. تشير الأرقام إلى أن بوكو حرام استخدموا النساء والبنات لتنفيذ هجمات انتحارية أكثر من أي جماعة متطرفة أخرى في التاريخ. الجماعة التي كانت تحمل هذا اللقب كانت (نمور التاميل) في جنوب شرق آسيا. لكن بوكو حرام تخطوها.
مئات البنات والنساء أجبرن على حمل المتفجرات. استخدمتِ كلمة كانت في مكانها. بوكو حرام يتفننون في ابتكار وسائل القتل. يخططون ويتآمرون لإقناع الشابات بحمل المتفجرات. تحدثت إلى شابتين أجبِرتا على حمل متفجرات ولكن تمكنتا من الهرب قبل تفجير العبوة. فتاتان بعمر ١٧ و١٨ عاماً. ما عرفته منهما هو أن رجال بوكو حرام يخبرون الفتاة أنه بمجرد أن تفعل ذلك تذهب إلى الجنة. وهذا كلام ينطوي على خداع ومواربة. الرجال يخبرون الفتيات إنهم يسيرون وراءهن وإنهم سيذهبون إلى الجنة سوية. الفتاة تفجر نفسها والرجل يهرب. يكذبون عليهن. تعتقد الفتاة أن الرجل يحبها ويهمه أمرها وسوف يموت معها من أجل القضية العادلة؛ فينتهي الأمر بها قتيلة وهو ينتقل إلى فتاة أخرى. هذا هو أسلوبهم في خداع البنات.
وغالباً ما تقدم عائلات بناتهن إلى بوكو حرام كي ينفذن هجمات انتحارية. لماذا؟ لهذا أسباب. منها أن الآباء يعتقدون حقاً أنهم يساهمون في قضية عادلة دفاعاً عن الدين والشرف. وبعضهم يدفعه الفقر إلى التخلص من البنات. الأسوأ في الأمر عندما نرى لوحات إعلانية في ولاية بورنو كُتب عليها: “لا تقدموا بناتكم وقوداً لهجمات انتحارية.” هذه حملة شعبية تطالب الآباء بأن يوقفوا هذه الممارسات الخطأ.
مرصد الجهادية: كيف يجنّدون طفلات في عمر ١٠ سنوات لتنفيذ هجمات انتحارية؟
تشيكا أودوا: غالباً ما لا تدرك البنات في عمر ١٠ سنوات ما يحدث حولهن أو ما يحملن معهن. تحدثت إلى بنات في عمر ١٤ و١٠ أعوام في أجزاء أخرى من المنطقة الشمالية الشرقية. في (كانو) تحديداً. هؤلاء طفلات غير متعلمات ولا يعرفن حقيقة ما يحملن. لا يفهمن آلية عمل الكهرباء في تلك الصناديق. يُقال لهنّ إن عليهنّ أن يخبئن تلك الصناديق في ملابسهن وأن يضغطن زراً متى وصلن نقطة معينة. ويفعلن. هذا كل ما يعرفن. حتى لو شُرح لهنّ الأمر لن يستوعبن شيئاً لأنهنّ لا يستطعن معالجة هذه المعلومات. كل ما يعرفنه هو أن رجلاً مؤمناً مثلهن تماماً طلب منهنّ أن يحملن صندوقاً وأن يضغطن زراً فيذهبن إلى الجنة ويعشن حياة آخرة جميلة. أما الفتيات الأكبر سناً، يدركن أنهنّ سيَمُتن ويمضيان في المهمة. تعتقد الواحدة أنها تقاتل من أجل الحق.
مرصد الجهادية: من القصص التي عملت عليها ملياً كانت قصص المقاتلين السابقين الذين اختاروا الخروج عن بوكو حرام. وفي إحدى قصصك عنونتِ: “الخروج من الغابة.” كيف يهرب المقاتلون من قبضة بوكو؟
تشيكا أودوا: المقاتلون السابقون إما يهربون أو يستسلمون للجيش النيجيري أثناء المواجهات. ولدى الحكومة اليوم برامج تقدم الدعم اللازم للراغبين في ترك بوكو حرام. هذه برامج إعادة تأهيل. يستسلم المقاتل فيُمنح فرصة للتعافي وتعطيه الدولة رأسمال أو بضاعة يؤسس بها مشروعه الخاص. هذه المبادرات موجودة في نيجيريا.
تحدثت مرة إلى قائد رفيع في بوكوحرام وسألته عن السبب الذي دفعه للانضمام إلى الجماعة والانسحاب منها. قال لي إنه عندما انضمّ إليهم اعتقد أنه كان يفعل الصواب. واستخدم الكلمة بلغة (الهوسا) gaskia. هذا ما قاله لي وتعني “الحق.” هذا ما اعتقد به لأنه كان مسلماً صالحاً. لكن بعد بعض الوقت: بعد التقتيل وحرق القرى، أدرك أن هذا لم يكن حقاً وأنه كان مجرد مجرم وأن الله لن يرضى عنه. فبدأ التفكير في طرق لترك المجموعة. التقيتُ به وكان يحضر لترك المجموعة بأن تسلل إلى مدينة (مايدوغوري). التقيته هناك. لكنه لاحقاً قُتل. قتله رفاقه الذين لم يعجبهم أن يترك الجماعة. هذه هي القصص التي نسمعها.
انضمام المقاتلين إلى الجماعة لا يتعلق دائماً بأسباب دينية. بعض المقاتلين ينضمون طلباً للمال. وبعضهم طلباً للنساء. وبعضهم للحماية. بعضهم ينضمّ حتى ينتقم من الجيش النيجيري الذي قتل آباءهم الأبرياء. الأسباب متعدد. وكل هذا يؤدي إلى سعيهم لترك الجماعة لاحقاً.
فيما يتعلق بالدمج، ذكرتُ برامج التأهيل والرعاية النفسية لمساعدة المنسحبين على التعامل مع الصدمة. لكن هذا البرامج غير كافية. بعض هؤلاء الشباب يعودون إلى بوكو حرام أكثر من مرة. لأن الحياة في المدينة صعبة. قد لا يجنون ما يكفي من المال فيختارون الرجوع إلى الجماعة في الأدغال حيث يحصلون على مال أوفر. ومنهم من يبقى في المدينة ويتحول إلى جاسوس لصالح هؤلاء الباقين في الأدغال.