الساحل الأفريقي، المنطقة الجغرافية التي تشهد نشاطاً جهادياً لافتاً، إذ تكثّفت هذه الأعمال في السنوات الأخيرة لاسيما منذ العام 2017، لتبلغ أضعافاً في أماكن الجهاد، مثل بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر. فعمليات العنف تخطت في الفترة الأخيرة الألف عمل جهادي، وأسفرت عن مقتل نحو 8000 شخص، إضافةً إلى نزوح الملايين من المنطقة، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات على الإقتصاد ومسار الحياة من مختلف الجوانب.
وتستحوذ جماعة نصرة الاسلام والمسلمين على أحداث العنف من شمال مالي إلى جنوب شرق بوركينا فاسو، بسنبة 64 في المئة، لتستحوذ الجماعات الإرهابية المتبقة هنا على 36 في المئة من مجمل هذه الأحداث المتطرّفة في منطقة الساحل منذ العام 2017، وفق تقرير أعده دانيل ازينغا نُشر في المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية. وكانت جبهة تحرير ماكينا هي إلى حد بعيد أنشط المجموعات المكونة لـ”جبهة تحرير كوسوفو”، حيث تعمل من معقلها في وسط مالي وتوسعت إلى شمال بوركينا فاسو وأجزاء أخرى من بوركينا فاسو.
تشرذم تحت “المظلة الواحدة”
جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي كان ائتلافها يتكوّن في الأصل من 4 مجموعات إرهابية مسلحة مرتبطة بالقاعدة في منطقة الساحل الأفريقي، وهي أنصار الدين، وحركة تحرير السودان، والمرابطون، وإمارة الصحراء التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تعطي الإنطباع أنّها موجودة في كلّ مكان وتوسّع نطاقها بلا هوادة، ليحجب ذلك الحقائق المحلية التي غذّت النشاط الإسلامي المتشدد في منطقة الساحل. ومع ذلك، فإنّ ما يقرب من ثلثي العنف في منطقة الساحل المنسوبة إلى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهذا ما يدلّ على أنّ استهدافها يظهر وكأنه معركة تحت مسمّى “ملاكمة الظل”.
في الواقع، لكل مجموعة من هذه المجموعات السابقة الذكر مصالحها المتغيرة ونفوذها الإقليمي ودوافعها. في الوقت الحاضر، يتم تمثيل “جبهة النصرة” بشكل فعال من قبل قادة إثنين فقط من المجموعات الأصلية، إياد آغ غالي من أنصار الدين وأمادو كوفا من حركة تحرير السودان، وفرع أقل نشاطاً من حركة تحرير الأقليات، كاتيبا سيرما، بقيادة أبو جليل الفولاني.
يعتبر إياد آغ غالي زعيم جبهة العمل المشتركة، وهو أسس أنصار الدين في العام 2011 عندما رفضت حركة انفصالية من الطوارق مقرها في شمال مالي، تعيينه رئيساً لها. أمّا أمادو كوفا فقد قاتل أصلاً في صفوف أنصار الدين في العامين 2012 و2013، لكن بعد تشتت أنصار الدين، شرع كوفا بـ”التبشير” بالتطرف في كلّ أنحاء وسط مالي. وقد شنّ كوفا بوصفه زعيماً لحركة تحرير الحركة، أكثر أعمال التمرّد فتكاً بأيّ جماعة تابعة لـ “جبهة النصرة”، محاولاً الإطاحة بالسلطات التقليدية القائمة ونشر وجهة نظره بشأن الشريعة الإسلامية في وسط مالي. وامتدت أنشطة الحركة ونفوذها إلى شمال بوركينا فاسو من خلال صلاتها بجماعة أنصار الإسلام، وهي جماعة إسلامية متشددة من بوركينا فاسو بدأها إبراهيم ديكو، أحد أنصار كوفا.
في العام 2017، نشرت مجموعات من المقاتلين الإسلاميين المتشدّدين عملياتهم على طول الحدود بين بوركينا فاسو والنيجر مستغلين الشبكات الإجرامية القائمة. وقد أعيد دمج فلول أخرى من جماعة أنصار الإسلام مع حركة تحرير السودان عندما توغلت في الجنوب من وسط مالي إلى شمال بوركينا فاسو ووسطها. ومع تزايد العنف، أحرزت تقدماً في المناطق المكتظة بالسكان، إذ استقطبت مجموعة أكبر وتكّمنت من توسيع الإيرادات. ويعتقد الخبراء أنّ الجماعات التابعة لـ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” تكسب معاً ما بين 18 و35 مليون دولار سنوياً، عن طريق ابتزاز طرق العبور الخاضعة لسيطرتها، والمجتمعات المحلية وكذلك عن طريق عمليات الخطف للحصول على فدية.
إلّا أنّ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لم يُطوّر أبداً قاعدة كبيرة من الدعم المحلي في منطقة الساحل، وعلاوة على ذلك، فإنّ نفوذه الإقليمي، حتى في الجزائر آخذ في التضاؤل. ومن المرجح أن يؤدي مقتل الزعماء المرتبطين بالقاعدة عبد المالك دروكدل (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)، وجمال أوكاشة وعلي ماشو (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في الصحراء)، ومحمد ولد النويني (المرابطون)، إلى التعجيل بتآكل أيّ تأثير مباشر يمكن لشبكة القاعدة العالمية أنّ تدعيه على المقاتلين التابعين لـ”جبهة النصرة”.
وهم التماسك والقيادة والسيطرة
تحالف كوفا وأغ غالي دفع لطموحات الفردية للزعيمين، وساعد على درء الصراع بين المجموعتين من خلال تحديد مناطق نفوذهما ومجتمعاتهما، غير أنّ أهداف والمجموعتين تختلف. وفي حين تبدو أهداف آغ غالي سياسية في الدرجة الأولى، إلّا أنّ أهداف كوفا ترتبط بوضوح بالعنف لناحية تفسيره للإسلام، ومن خلاله التغيير الاجتماعي.
وبدءاً من العام 2019، كانت هناك موجة من الأنشطة العنيفة نسبت إلى “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في شرق بوركينا فاسو على طول الحدود مع النيجر، وامتدت إلى مناطق قريبة من الحدود مع بنين وتوغو. وتقع هذه الهجمات خارج مناطق العمليات التاريخية التابعة لحركة تحرير الحركة الشعبية لتحرير السودان أو حركة أنصار الدين. وبدلاً من أن تكون دوافع هذه الأحداث أيديولوجية أو سياسية، يبدو أنّها تهدف إلى السيطرة على تعدين الذهب الحرفي والطرق التجارية. وتشير التقديرات إلى أن المواقع الحرفية في المناطق المتضررة من عنف الإسلاميين المتشددين لديها القدرة على إنتاج ما يزيد على 725 كيلوغراما من الذهب، تقدر قيمتها بمبلغ 34 مليون دولار سنوياً.
وتتميز منطقة الحدود الثلاثية بين بوركينا فاسو ومالي وكوت ديفوار بالتهريب غير المشروع والاتجار بالأسلحة الصغيرة التي ترافق البضائع المنقولة عبر كوت ديفوار إلى مراكز تجارية في مالي وبوركينا فاسو.
كما تتطور هذه المنطقة لتصبح مركزاً جديداً لتعدين الذهب الحرفي. وقد أدّت سلسلة من الهجمات التي شنّتها حركة تحرير السودان بدءاً من عام 2020، إلى جانب احتمالات استغلال الذهب، إلى زيادة خطر انعدام الأمن في هذه المنطقة. وكما هو الحال في شرق بوركينا فاسو، قد يسعى مقاتلو الحركة إلى إقامة وجود في جنوب غرب بوركينا فاسو للإستيلاء على بعض الأموال غير المشروعة التي تتولّد من هذه الأنشطة.
هيكل “نصرة الإسلام والمسلمين” المتضعدع
ويشير تقرير المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية إلى أنّ هيكل الإئتلاف في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، يوفّر جملة من المزايا التي تدلّ على ضعفه، لافتاً إلى أنّ عدم تحديد الهجمات التي تتجاوز الكيان العام لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، يؤدّي إلى خفض الملامح الدولية والإقليمية لكلّ مجموعة، وهذا الغموض يقلل من التدقيق الذي يُعطى لكل مجموعة من المكونات، ما يصعّب أكثر عملية تتبع عمليات مجموعات محددة وأساليبها.
فهذه الجماعة ليست الفاعل الفريد يعمل في كلّ أنحاء المنطقة، ويشير تيار العنف المستمر الذي يتجاوز مكانة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الفعلية، إلى أنّه من الصعب إسناد المسؤولية عن الهجمات إلى جماعات محددة، وبالتالي الرد على النحو المناسب.
ويضيف التقرير: وفي حين أنّ آغ غالي وكوفا هما الرئيسان الوحيدان للتحالف، إلّا أنّه من غير الواضح مدى تأثيرهما الفعلي على مختلف عناصر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المنتشرة في المنطقة. كما أنّه من المرجح أيضاً أنّهما غير قادرين على السيطرة على العصابات المتمردة أو حتى منعهم من الإنشقاق والتوجه إلى جماعات متنافسة. ويلفت التقرير إلى أنّ التوترات والإقتتال الداخلي بين الجماعات الإرهابية ليست جديدة في كل أنحاء الساحل، وربما أدّت النزاعات حول الأراضي والموارد إلى تجدّد التوترات بين جماعات الجماعة الإسلامية في الصحراء الكبرى.