دمشق، سوريا، 24 ديسمبر، (سيف الدين محمد، أخبار الآن)
التاريخ الفني الطويل .. والنظيف
قدم نهاد قلعي مع دريد لحام مشروعا ثنائيا كوميديا يعد من أشهر الثنائي في تاريخ السينما والدراما التلفزيونية العربية. ولم يكن وقتها يعني شيئا انتماء كل من نهاد ودريد إلى طائفتين مختلفتين، ففي تلك المرحلة (الخمسينيات من القرن العشرين) لم يكن نظام حافظ الأسد قد استشرى ليقوم بعملية فرز طائفي لنجوم الفن وقتذاك. فالفنانيّن من دمشق ومن مناطق عريقة وقديمة سوى أن نهاد سنّي ودريد شيعي.
وتبدو الصفة العامة لنهاد قلعي بأنه ظُلم قياساً لوصولية دريد لحام الذي حابى السلطة في الوقت الذي كان يقدم مسرحيات محمد الماغوط الناقدة. لكنه بقي الأقرب لوجدان الناس وهو يحافظ على طيبة وبساطة ابن البلد الذي لا يقبل المساومة على فنه.
نهاد قلعي .. ونظام حافظ الأسد
ليس من المستغرب أن نهاد قلعي لم يلق ذاك التكريم على غرار دريد لحام من قبل المؤسسات الرسمية، فالفنان صاحب المواقف الإنسانية لم يقبل بتلويث تاريخه الفني الشريف بالتقرب من المؤسسة الحاكمة. لذلك كان من الطبيعي أن يمنح حافظ الأسد وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى للفنان دريد لحام، ويمنع مثل هذا التكريم الرسمي عن نهاد قلعي إبان مسرحية غربة(1976). وهي السنة التي سيدخل فيها نهاد وهو يعاني من محنة مرضية شديدة ستلازمه حتى وفاته عام 1993.
نهاد قلعي .. ضحية التشبيح المبكر
أسس رفعت الأسد- شقيق حافظ الأسد- في أواخر السبعينيات ما أطلق عليه (سرايا الدفاع) وانتشرت بتشبيحها وقسوتها وفسادها وترويعها وإجرامها طوال سنوات الثمانينات من القرن الماضي.
في تلك المرحلة عانت الأسرة السورية من هتك واضح جرّاء التجاوزات الأخلاقية لتلك السرايا، ولم يكن لينجو منها، كما هو حال شبيحة اليوم، أية شخصية اعتبارية حتى لو كانت تلك هي الفنان المبدع نهاد قلعي.
فقد عانى قلعي مدة طويلة من المرض إثر حادثة شهيرة هي كما يرويها الناقد بشار ابراهيم: ” كان نهاد قلعي ودريد لحام وشاكر بريخان يسهرون في مطعم النادي العائلي في حي “بابا توما” بدمشق، ويستقبلون صحفيا لبنانياً هو جورج ابراهيم الخوري. وقبل نهاية السهرة غادر دريد لحام، وبقي ثلاثتهم ساهرين، وعندما نفدت سجائر الضيف، طلب من النادل سجائر، لكن النادل لم يلب طلب الضيف، ما أثار غضب نهاد قلعي، الذي أنب النادل، وإذ برجل يجلس مع شلة من رفاقه على طاولة مجاورة إلى خلفهم، ينادي بصوت غليظ عال: “بورظان بدك سجائر؟ تعال خد من عندي”، فقال له نهاد: “أنا ما بدي من حدا سجاير، بعدين أنا ما لي اسم معروف تناديني به”، وعند ذلك قام هذا العسكري التابع لسرايا الدفاع بضربه بالكرسي على رأسه بشكل متواصل وقوي، أدت به إلى المستشفى. وقد أدت تفاعلات هذا الحادث وانتكاساته الطبية مدة 15 سنة وجعلته حبيس بيته والمرض من جرّائه إلى أن توفي عام 1993.