درعا، سوريا، 10 يناير، (عمار توفيق، أخبار الآن)

تشير عقارب الساعة الى الثامنة صباحا، البرد يلف المدينة بهدوء قاتل، وفجأة أستيقظ سكان منطقة مخيم درعا على أصوات الطيران الحربي المرعبة.

حالة ذعر تسري في عروق جميع من يسمع هذا الصوت من الأهالي، خوفا أن تنزل عليهم من الطائرة قذيفة غادرة، الثوار يحاولون اسقاطها مستخدمين الدوشكا (مضاد الطائرات المحمول) ولكن عبثا تذهب محاولاتهم.

تراقب أعينهم الطائرة بحذر حتى تقصف، ثم يسود الصمت !! والكل أعينهم معلقة بالقذيفة، فجأة مع اقتراب الهدية الملقاة من السماء يبدأ الهلع، الجميع يحاول الاحتماء بشيء ما، الكل يحاول الهرب والابتعاد، تنفجر الهدية مصحوبة بشعلة ضوئية عظيمة، ما تلبث أن تخبو مخلفة حريقا مكان سقوطها، لحظات ويأتيك الصوت، صوت الانفجار الذي يفقدك السمع، ربما للأبد، ما هي الا ثوان معدودة، وتجد الجميع يهرعون الى مكان سقوط القذيفة، غير مبالين اذا كانت متبوعة بأخرى، يزيلون الأنقاض ويسحبون المصابين والجثث من تحت الركام، ثم تأتي سيارات الاسعاف، يأخذون المصابين الى المشفى الميداني، ويرافقهم البعض للتبرع بالدم، وبعدها تأتي الآليات الثقيلة لتزيل الأنقاض، وتكشف عن من بقي تحتها ولم يتمكن أحد من اخراجه.

مروان محمود أحد اهالي مخيم درعا الناجين من الغارة: “القذيفة نزلت على بيت جيراننا، البيت فيه أكثر من عائلة، بعد ما أسعفنا المصابين وشلنا اللي قدرنا عليه من الركام، لقيت الشهيدة ملاك، ما قدرنا نسحب جثتها حتى وصول اللودر والاليات، عندما سحبنا جثة الطفلة الشهيدة كانت ملامح وجهها قد أختفت بعد أن تهشم بسبب سقوط جدار المنزل عليها، سحبنا جثة البنت وبعدين سحبنا جثة ابيها، كفنْتها بنفسي والأهالي كفنوا جثة أبوها، وطلعنا على مقبرة الشهداء حتى ندفهم”.

الشيخ مصطفى أحد أبناء المنطقة، كان الحزن والتأثر باد عليه بعد أن ساهم مع الأهالي في اسعاف المصابين، ربما أصابته حالة ذهول من هول ما رأى وهو يرى أحبابه وجيرانه تحت الأنقاض جثث هامدة، بالرغم من أن يديه كانتا تنزفان اثر محاولاته ازالة الأنقاض وعلى الرغم من التعب والارهاق، الا انه كان من أوائل المتبرعين بالدم في المشفى الميداني، ومع حاجته للمواساة الا أنه لم يألو جهدا في مواساة من فقدوا أقربائهم في الغارة.

تلك الغارة راح ضحيتها 12 شهيدا وعشرات الجرحى معظمهم من الأطفال، ويوميا يتكرر هذا السيناريو في سوريا باختلافات بسيطة، فالهدايا اللتي تلقيها الطائرات تتراوح بين البراميل، والقنابل الفراغية، وصواريخ جو – أرض، وأحيانا… قنابل كيماوية.