إدلب، 26 فبراير، (عمر حاج قدور – أخبار الآن)–
ذهب مراسل أخبار الآن الى قرية أخرى ضمن سلسلة مقالات حكاية مدينة التي تسعى من خلالها أخبار الآن لكشف الغطاء عن تضحيات المدن و القرى السورية الصغيرة التي هي عماد الثورة السورية.ذهب “عمر حاج قدور” لينقل لمتابعين أخبار الآن قصة قرية إبلين التي شهد أهلها قصص مروعة منذ بداية الثورة السورية.
القرية قبل الثورة
تقع قرية ابلين في قلب جبل الزاوية و تتبع إدارياً لناحية إحسم في محافظة إدلب.و تبعد عن مركز المحافظة (( 23 كيلو متر ))، و يطل على القرية تل النبي أيوب.تتمع ابلين بجو رائع صيفاً معتدل في الخريف والربيع و بارد شتاءً .
تضم قرية إبلين عدد كبير من المغاور.ويبلغ عدد سكانها (( 4900 نسمة ))، تشتهر قرية إبلين بزراعة الكرز والوشنة والزيتون والتين والعنب والمشمش والجوز .ويستخدم الكثير من أهلها العزاقة-أداة يدوية للحراثة-في حراثة الأرض بسبب طبيعة الأرض الجبلية التي يصعب على الجرار حراثتها.يعمل أهلها بالزراعة وبمختلف الأعمال الحرة وتعتبر القرية من القرى الفقيرة.و يتعايش أهالي القرية فيما بينهم بألفة ومحبة ويتميز أهلها بطيبتهم وكرمهم.
لم نستطع التعرف على معنى إسم القرية لكن ذكر لنا أحد أهالي القرية بأن هناك رواية غير مؤكدة تقول : تسمية القرية تعود إلى العصر الروماني حيث كانت القرية عبارة عن مملكة يوجد فيها ملك اسمه ( أب ) و ملكة اسمها ( لين ) فتمت تسمية القرية بهذا الاسم ( أبلين ).
الهرموش أول شهيد للقرية
التقى مراسل قناة الآن أثناء زيارته لقرية إبلين بـ (( قاشوش جبل الزاوية )).وحدثنا عن مشاركة القرية في الثورة السورية فقال : خرج الأهالي في أول مظاهرة منذ أن انطلقت شرارة الثورة في درعا.حيث اجتمع أهالي القرية وانطلقوا في مظاهرة إلى قرى جبل الزاوية المجاورة وعند وصولهم لقرية مرعيان أوقفهم الأمن ورفع المتظاهرون أثناءها شعارات تنادي بالحرية ونصرة لأهالي درعا.
استمرت المظاهرات في القرية ما دعا قوات الجيش و الشبيحة لاقتحامها أكثر من مرة.كان أولها ﺻﺒﺎﺡ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺨﻤﻴﺲ 8 ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2011، حيث أقتحم القرية ﺪبابتين ﻭﺳﺒﻊ ﻣﺪﺭﻋﺎﺕ ﻭﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻘﻞُّ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻷﻣﻦ والجيش والشبيحة.
ودوهمت بيوت القرية واسفر هذا الهجوم عن استشهاد “محمد مصطفى هرموش” الأخ الأكبر لحسين هرموش الضابط المنشق، ليكون أول شهيد يروي بدمائه الطاهرة تراب قرية ابلين.وتم جره من قبل الجيش في شوارع القرية بطريقة وحشية جداً بربطه بالدبابة.
مشروع ثقافي ليخدم أهالي القرية، يحتله الأمن و يحوله لمشروع للقتل و التنكيل بأهالي إبلين
توالت الإقتحامات على القرية.إلى أن استقر الجيش في مبنى مشروع “إنعاش الريف” الذي أطلقوا عليه الأهالي لاحقا إسم (( مشروع الموت )).بسبب إستيلاء قوات الأمن و الشبيحة عليه و إتخاذهم منه مركزا لكل عملياتهم في القرية و القرى المحيطة بها.
وكان هذا المشروع قد بني من مال الشعب ليخدم أهالي القرية والقرى المحيطة بها.و هو يضم روضة أطفال ومستوصف ومعمل سجاد ومركز ثقافي.وقام الجيش عند إقتحام القرية بالتمركز به وإيقاف خدماته للأهالي و هذه كانت سبب تسميته بمشروع الموت، حيث كان من يتم إعتقاله واقتياده إلى هذا المركز يعتبره الأهالي في عداد الموتى أو المفقودين.وتحول المركز الذي كان يخدم الأهالي الى مركز عمليات لجبل الزاوية، كما حدثنا الشهود العيان في القرية.
بعد إستيلائهم عليه أصبح الجنود يقومون بعمليات إقتحام القرى المحيطة, و يعتقلون الشباب متخذين من المركز مكانا لتنفيذ الإعدامات الميدانية وعمليات تعذيب المعتقلين الذين يأتون بهم من القرى المجاورة.وكان الشبيحة يقومون برمي المعتقلين بعد قتلهم أمام باب المركز “مشروع الموت “.و يطلبون من أهالي الشهداء الذهاب لإستلام جثامين أبنائهم، وعند وصولهم يقومون بإطلاق النار عليهم.
وكان قادة عمليات النظام في مشروع الموت (( علي رسلان – ماهر زيوت )).ومن قصص الإجرام التي رواها لنا “قاشوش الجبل”، قام الجيش في أحد الأيام باعتقال أحد صيادلة القرية بعد إطلاق النار عليه.وبعد اعتقاله تعرض لتعذيب شديد في مشروع الموت وبعدها تم قتله وإحراق جثمانه وتقطيعه، وتم استدعاء والدته لتأخذ جثمانه فوجدته قد تم التنكيل بجسده.فقامت بجمع ماتبقى من جثمانه بعربه وجرها.وحدثت عشرات القصص التي تشابه هذه القصة في مشروع الموت وبعدما تعرضت قرية إبلين والقرى المجاورة من قتل وإجرام من قبل قوات الجيش والأمن في مشروع الموت.
القرية اليوم
إجتمع الثوار محاولين إقتحام المركز، وبعد إشتباكات عديدة تمكن الثوار من طرد قوات الجيش والأمن والشبيحة المتواجدين فيه.فقام طيران النظام بعدها بقصف جوي ومدفعي وصاروخي عنيف على القرية إنتقاما .وقدمت قرية إبلين إلى الآن (( 72 شهيد )) بين مدنيين ومقاتلين بينهم أخ قاشوش الجبل الشهيد (( محمد أديب الخلف )).
وتعاني قرية إبلين اليوم من ظروف معيشية صعبة حيث تعاني من شح المياه ومن معاناة في المجال الطبي، حيث لاتتوفر الخدمات الطبية لأهالي القرية.كما الوضع التعليمي في القرية متدهور بسبب دمار بعض مدارس القرية جراء قصفها بالبراميل المتفجرة.
ولا يمكن للمرء إلا أن يتسائل ماذا يدور بأذهان هؤلاء الأطفال، وأي مستقبلهم ينتظرهم بعد شهودهم لكل هذه المشاهد العنيفة و القاسية على بعد أمتارٍ فقط من منازلهم.