أخبار الآن | الحسكة – سوريا – (محمد عبدي):
بروز حركات جهادية متطرفة في الفترة الأخيرة، بث الرعب والخوف لدى مختلف الطوائف المسيحية، التي شارك كثير من شبابها في الحراك السلمي في مدينة القامشلي، يقول الأستاذ مدير الهيئة العامة للثورة السورية “نضال درويش” لـ”أخبار الآن”: في لحظة تفجر الثورة السورية المعبرة عن تطلعات الشعب السوري، للتخلص من نظام الاستبداد والفساد، واستعادة الدولة السورية للسوريين، وبناء نظام المساواة والعدالة وسيادة القانون، هزت الثورة أركان نظام الاسد في العمق، وخصوصا في السنة الأولى، حيث كان واضحاً سماتها الوطنية والمدنية، ومن هنا كانت شعارات الثورة الشعب السوري واحد، لا للطائفية، الله سورية حرية وبس.
ويضيف درويش: “المشاركة الشعبية من أغلب المحافظات السورية، ومن كل المكونات بالمعنى الواسع للكلمة، ولم نكن نتوهم ان هناك شرائح اجتماعية واسعة كانت مترددة ومرتابة وخائفة، ومنها من كان رافضاً بحكم تشابك المصالح مع النظام، ومن لحظة زج الجيش بمواجهة الثورة عمل على استراتيجية كانت واضحة وهي دفع الثورة للتسلح مع ضرب السمة الوطنية للثورة باستثمار مخزون النظام الاستراتيجي من التيارات التكفيرية وعلى رأسها القاعدة، وخبرته العميقة بالاحتقان الطائفي الذي نماه تاريخياً وعمل على استثماره في الثورة، ونمت الفصائل المسلحة الاسلامية ذات الإيديولوجيا التكفيرية، وهذا ما ساهم بسحب الحاضنة الاجتماعية المفترضة للثورة لصالحه إلى حد ما، واستطاع أن يدفع تخوفها الى الحدود البعيدة، وهذا ما حدث “بالحسكة”، حيث التخوف لم يطل الأقليات فقط في المحافظة، ولكن شرائح اجتماعية مختلفة في المحافظة، استطاع أن يعيد انتاج الاحتقان الطائفي القومي المركوب بالريبة والمتخوف من التغيير القادم وخصوصاً واجهته في المنطقة الشرقية من الجماعات التكفيرية.
معارضون للأسد
مواقف المسيحيون في المحافظة، انقسمت بين معارض حسم موقفه منذ انطلاقة شرارة الثورة السورية أسوة بباقي ابناءها، رافعين شعار الحرية وإسقاط النظام، إيماناً منهم بأن أبناء سورية الذين خرجوا ضد الظلم والاستعباد، هم من سيرسمون مستقبل بلدهم بعيداً عن فكر التطرف وإلغاء الآخر في سورية التي يطمح إليها سائر الشعب السوري.
ولعل “المنظمة الآثورية الديمقراطية” كانت من اوائل الذين رفعوا راية الثورة منذ اندلاعها في محافظة الحسكة، وتعد كذلك أقدم منظمة سياسية آشورية سريانية في سوريا. ومع اندلاع الثورة السورية، دعا قياديو المنظمة رأس النظام بشار الأسد إلى التنحي وتأسيس دولة ديمقراطية تعددية في سوريا.
ورفرفت أعلامهم إلى جانب علم الثورة السورية في التظاهرات، مزينين سماء مدينة القامشلي مشكلين فسيفساء ونسيج هذه المحافظة التي تحمل من الإرث الثقافي والحضاري ما لا تحمله أية محافظة سورية أخرى “كرد وسريان وعرب وآشور وأرمن” يصدحون بالحرية.
كما دفعت مواقف الحزب المؤيدة للثورة أجهزة أمن النظام إلى اعتقال مسؤول المكتب السياسي للمنظمة (كبرئيل موشي كورية) مرات عدة، واقُتحم مكتب المنظمة وتعرض للتحطيم، ما يدحض ادعاء النظام بأنه حامي الاقليات ويثبت بأنه يعلنها حرباً ضد كل من ينادي بالحرية ويدعو إلى إسقاطه.
حال المسيحيين كحال باقي مناطق “الأقليات” التي جعل منها جيش الأسد منطلقاً لعملياته على المناطق المحررة، ساعياً في الوقت ذاته لتجنيد شبابهم بحجة حماية مناطقهم ضمن ميليشيا “جيش الدفاع الوطني” ودفع رواتب مغرية لهم والتوسع في المهام التشبيحية الموكلة إليهم.
“ل، ج” ناشط مسيحي يرى أنه إلى ما قبل أحداث معلولا، نجح نظام بشار الأسد في ربط مصير المسيحيين بمصيره، من خلال إيهامهم أنه الحامي الوحيد لهم، ولكن بعد دخول الجيش الحر لمعلولا ثبت للجميع أن المسيحيين كطائفة ليسوا هدفاً للثوار، وأن نظام الأسد هو من بدأ بقصف الكنائس ومنازل المدنيين بهدف ارتكاب المجازر واتهام الثوار بالوقوف ورائها.
ويضيف: “لا ننكر أن هناك شبابا مسيحيين انجروا إلى جانب ميليشيات النظام، ويقاتلون معه، ولكن هناك نسبة من النشطاء يعملون ويحاولون ضمن إمكاناتهم وضمن الظروف الصعبة المحيطة بعملهم من اعتقال وتشبيح، توضيح رسالة الثورة وأهدافها النبيلة، وأن هذا النظام أول من حارب المسيحيين ودفعهم دفعاً للهجرة على مدى 40 سنة.
سياسة التصفيق
وفي الجانب الآخر، هناك مسيحيين اتخذوا سياسة التأييد للأسد “ليس حباً بشخصيته”، ولا تصديقاً لكذبه (الأسد حامي الأقليات)، وإنما خوفاً على مصير الطائفة المسيحية من بطش آلة الأسد. وتشكلت في أواخر شهر اذار العام الفائت قوات (سوتورو) المكونة من عشرات الشباب المسيحيين لحماية مناطق تواجد المسيحيين في محافظة الحسكة.
وتنسق قوات (سوتورو) مع حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وصادقت على مشروع الإدارة الذاتية (المعلن من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”PYD”), ويدعم حزب الاتحاد السرياني قوات سوروتو, في حين تقاطع المنظمة الاثورية مشروع الإدارة الذاتية ولا تشارك قوات (سوروتو).
كما ويبقى غالبية مسيحيي الحسكة كغيرهم من أبناء سورية متبعين سياسة النأي والصمت بانتظار وضوح الرؤية وعدم كسب عداوة أي جهة. الجدير ذكره ان المسيحيين يشكلون قرابة (25%) من سكان المحافظة، ولجأ العديد منهم إلى الهجرة خارج سورية باتجاه الدول الغربية.