لم يكن السوريون بمختلف أطيافهم يتخيلون أن يأتي يوم يضطرون به لمثل هذا الخيار الصعب. إنهم كشعب مجبولون على الانتماء للقضايا الكبرى فلسطين، العروبة، الثورة، المقاومة.. ليس للنظام يدٌ أبدا في نخوة الشعب وخصاله. عودوا إلى تاريخ سوريا ما قبل الأسد ستعرفون كم كان هذا الوطن بوطنييه وتجاره وصناعييه ورجال الدين والفكر والأدب والسياسة وفلاحيه وعماله وبسطائه وثواره على مر التاريخ مؤهلون جميعاً في الخمسينيات من القرن الماضي ليشكلوا كياناً سوريا يتابع مسيرته الحضارية. كانت الديمقراطية تكاد تؤتي ثمارها قبل كل دول المنطقة. في عام 1933 تشكلت نواة الاتحاد النسائي السوري برئاسة عادلة بيهم الجزائري. وحصلت المرأة فيه على حق التصويت والترشيح في عام 1953 .
وفي عامي 1945 و1961 حاز رجل الدولة الليبرالي خالد العظم على أعلى نسبة تصويت شعبي متفوقا على كل الأحزاب في سوريا آنذاك وكان منها حزب البعث وحزب الشعب والحزب الوطني والحزب الشيوعي وحزب الأخوان المسلمين. وهذا غيض من فيض تاريخ بقي يتمسك السوريون بذكرياته ويسترجعونها مثل الحلم على أمل زوال حكم حزب البعث الذي هيمن بقوة العسكر والسلاح والسجون والمخابرات. وكسر نفس الإنسان السوري وعمل جهده على جعل المواطن يلهث وراء لقمة عيشه متناسيا باقي الحقوق. خائفا من كل شيئ صامتاً يحلم باللحظة الفاصلة.
الثورة التي قامت في 18 آذار /مارس 2011 كانت تحمل كل الأحلام في جعبتها برومانسية وسلمية. لم يكن الصراع المسلح أبدا في البال. لم يكن يخطر في أسوأ الكوابيس أن يكون السوري في مواجهة أخيه، فالثورة رفعت شعارات سامية (دم السوري على السوري حرام) ، والآية القرآنية (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك). قام شباب سوريا الذي يعرفهم الجميع بكل شجاعة من مختلف الأديان والطوائف والمذاهب وقدموا أرواحهم فداء للحرية. لم تكن الفوضى العارمة التي سببها كذب ودجل النظام وإعلامه في حسابات الشعب. لم يكن الصمت العربي والعالمي القاتل والخطوات البطيئة للاعتراف بحقوق الناس في حسابات أسوأ احتمالاتنا. لم تكن داعش صنيعة المال وصراع القوى والظلم والتطرف بسواطيرها ووحشيتها وسوادها لتخطر على بال السوري الذي مازال يحلم بعلم الاستقلال ذي النجمات الثلاث في أن يعيد سوريا إلى ازدهار الخمسينيات ليتابع من حيث توقف الزمن على يد حكم الأسد.
قد تطول مقدمتي لأشرح مدى السوء والتخبط الذي يشعر به السوري اليوم تجاه الضربة التي قررت قوات التحالف توجيهها للقضاء على داعش بعد أن وصل البل والنحر والذبح والتهديد لذقنها!! السوري يعرف أن داعش نتيجة لا سبباً، ويعرف من الذي يجب أن يقدَّم له السلاح ليدافع عنه، ويعرف مصلحته جيداً، لذا ففي كل التعليقات ستجد أن السوري الثائر يخاف على سلامة المدنيين الذين يدفعون الثمن ويعرف أن القضاء على الأسد الذي تنبأ ساسته بداعش والطائفية، والذي فتح لهؤلاء الجهاديين التكفيريين المتطرفين الحدود والمطارات عندما كانت ماتزال في يده.
السوري الذي وجه نداءات الاستغاثة المتكررة من بطش النظام وجرائمه للمجتمع الدولي، بالهتاف واللافتات والدم والأرواح ،على مدى أكثر من ثلاث سنوات، لا يبدو سعيداً جدا بالضربة على داعش.. لا حباً بها أبدا ولكن لأنه يعرف طريق خلاصه فما الذي يريده السوريون؟!! وماهي التساؤلات المقلقة التي وجههوها؟؟ ما الذي كانت تفعله قوات الأسد أثناء الغارات الجوية لقوات التحالف؟؟ ولماذا يبدو كل الكلام وحرقة القلب كوميديا سوداء؟!!
أدعوكم لسماع حلقة اليوم من برنامج صبحية على راديو الآن FM وننوه إلى أن هذه التعليقات مختارة من مواقع التواصل الاجتماعي ونقلناها بعفويتها وأسماء أصحابها..