أخبار الآن | الرقة – سوريا – (ورد العلي)
قصصٌ كثيرة رُويت من داخل سجون النظام بعضها كان أصحابها شهود عليها، وأخرى كانت نقلاً عن المعتقلين الذين ساعدتهم أقدارهم ليكونوا خارج أسوار تلك المعتقلات .
"بشر و فراس" شابان من مدينة الرقة، لم يتعرفا إلى بعضهما البعض في شوارعها ولا مقاهيها ولا حتى في إحدى حفلات الأفراح، بل كان تعارفهما في إحدى معتقلات النظام وبالتحديد في فرع أمن الدولة (الخطيب) بدمشق.
ويتحدَّثُ فراس لـ"أخبار الآن" عن فترة اعتقاله مع بشر، فيقول: "قبل إحالتي لحجز إخلاء السبيل في فرع أمن الدولة كنت قد اعتقلت ثلاثة أشهر بتهمة التظاهر والإخلال بالأمن العام والنيل من هيبة الدولة لقيت فيهم من التعذيب ما يلاقيه جميع شبابنا في تلك الأقبية، ثلاثةُ أشهر بتُّ أحسب أنّي لن أرى نور الشمس بعدها إلى أن تم إحالتي إلى حجز الإخلاء، لم أصدق يومها أنه سيتم إخلاء سبيلي من هناك.
بقيت 11 يوماً ولم يتم إطلاق سراحي، كانت المدة غير محددة لبقائنا في ذلك المكان، قد تمتد أياما وأسابيعا أحياناً يتم تزويدنا بمعتقلين جدد في كلِّ يوم إلى أن جاءنا "بـِشر" وهو معتقل من أبناء مدينتي اجتمعت وبشر في قسم إخلاء السبيل، كانت حالته الصحية سيئة جداً لأنهم حقنوه أثناء التعذيب بإبرة فيها فايروس انتشر في قدمه اليسرى، التي كانت مصابة بالالتهاب لدرجة كبيرة يصعبُ علينا النظر إليها حتى".
يقول فراس: "لم يكنْ بشر يستطيع الحراك من شدة الألم ترافقه حرارة مرتفعة تكاد تصل للحمى، فأخذتُ على عاتقي الاهتمام والاعتناء به، فقد رأيت به وجه أخي الأصغر مناف، فكان يصعب عليَّ أن أراه يتألم دون أن أحاول مساعدته، فأقوم بتعقيمها بشكل دوري باليود الذي استطعنا الحصول عليه هناك وبعض قطع الشاش البسيطة".
"كان بشر يحبُّ البرتقال كثيراً، ولكنّ جلادينا كانوا يعطوننا حبة برتقال واحدة في اليوم، لكل اثنين منا حبة واحدة، فكنت أفضَّلُ بشر على نفسي فأقشّرها وأطعمه إياها مساءً، وفي بعض الأيام كان لا يستطيع أن يبتلع الطعام، فكنت أقوم بعصرها في فمه كي يرتوي قليلاً"، يروي فراس.
ويضيف: "في أحد الأيام لم يأتِ إلينا السجّان بتلك البرتقالة، وكان بشر جائعاً جداً، لم أعرف ما أصنع له، عندها رحت أمازحه وأعده بأنّي وعند خروجنا من هذا المكان سأزرع له شتلة برتقال وسأعتني بها حتى تكبر، وسيجني ثمرها هو في كل عام دون أن يحاصصهُ فيها أحد".
وتابع بالقول: "أخبرني بشر أنّهُ يشعر بأنّ قدمه حالتها تسوء يوماً بعد يوم، وأنه يعتقد أنها سُتبتر عما قريب، فإذا صدق حدسه، فسيصنع عكازه من شجرة البرتقال تلك".
يكملُ فراس قصته وبشر وشجرة البرتقال، فيقول: "بعد تسعة أيام تم إخلاء سبيلنا، ونقل والد بشر ابنه إلى المستشفى بسرعة، وبقي وعائلته في مدينة دمشق ليتلقى بشر العلاج هناك، وعدت أنا إلى مدينة الرقة التي كانت قد تحرَّرت من جيش النظام، وبقيت فيها إلى أن سيطرت داعش عليها، فاضطررت للخروج إلى تركيا لأني وبعد إخلاء سبيلي من المعتقل قمت بالانضمام إلى إحدى كتائب الجيش الحر التي حاربها داعش، وسيطر على المدينة بعد تغلبه على الجيش الحر والفصائل المتواجدة في الرقة".
ويردف فراس: "في تركيا كنت أمشي في شوارع مدينة أورفا، فسمعتُ أحدهم يناديني من خلفي، التفت لأجد بشر يمشي نحوي على قدميه، احتضنا بعضنا وراح بشر يبكي من شدة الفرح، لم أصدق أن أراه مجدداً يمشي على قدميه سليماً معافى، جلسنا وحدثني عن رحلة علاجه، وكيف أنه قد شفي تماماً وأصبح بصحة جيدة، ثم راح يتذكر الأيام التي قضيناها في المعتقل ووعدي له بزرع شجرة برتقال عند خروجنا من هناك".
ويكمل: "في اليوم التالي، ذهبتُ لمشتل صغير بجانب منزلنا، اشتريت منه شتلة برتقال صغيرة واتصلت ببشر، وطلبت رؤيته، وعند لقائنا تفاجئ بشجرة البرتقال الصغيرة، فقلت له: (وعد الحر دين) وها أنا أفي بوعدي لك، اتجهنا لحديقة منزلهم وزرعناها سويّاً، وتكفّل برعايتها حتى تكبر، هو وعدُ قطعته لصديقي في المعتقل بأيام صعبة كنت أمازحه به حتى أخفف عنه آلامه هناك، لكنّي استطعت أن أفي بوعدي لأننا وبفضل الله حصلنا على حريتنا".
هذا حالُ المعتقلين في تلك السجون، يعيشون على الأمل والوعود التي حلموا أن يخرجوا من سجونهم ليحققوها، ينتظرون نيل حريتهم من أيدي جلاديهم عسى أن يحققوا حلماً ولو كان صغيراً لكنه قد يعني لهم الكثير.