أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)
ربما كان أخطر ما تتركه الحرب هو نتائجها المدمّرة على الفئات التي تشكل الحلقة الأضعف في المجتمع، والتي تحتاج إلى الرعاية والاهتمام على الدوام.
ولا شك أن فئة الأطفال واحدة من الفئات التي أصابتها دوامة الحرب والعنف في سورية بالتشويه والقتل وقبل كل ذلك سلب معنى الطفولة منها.
طفولة مشوهة ..
يختلف وضع الأطفال في سورية نسبيا، بين المناطق المختلفة من سورية، لكن يمكننا الإدعاء بأنه بعد مضي أكثر من أربع سنوات على عمر الحرب في سوريا، تشابهت حالة الأطفال السوريين جميعا من حيث الرعب المتأصل في شخصيتهم وسلوك العنف الذي بات يشكّل جزءا من تكوينهم النفسي والاجتماعي.
يعيش الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام على وقع العنف المباشر وغير المباشر، فالأسرة السورية يتملكها الخوف فتربي أفرادها على التوجس والخوف من التكلم بأي موضوع يمت للنظام بصلة، سواء عن الجيش أو الأمن أو الحواجز المنتشرة بشكل مكثف في شوارع المدينة.
"أم سمير" سيدة دمشقية تعيش في منطقة البرامكة تقول: "لا تنام بين القبور، عم نربي أطفالنا على السكوت، لكن في البيت يلعبون لعبة الحواجز والهويات، ننبه عليهم ألا يقوموا بأية حركة فيها سخرية أو شتيمة".
ألعاب العنف ..
"لقد اختفت تلك الألعاب التي كنا نمارسها أيام الطفولة" هكذا يعلّق منير الطالب الجامعي مذكرا بأن العنف أصبح سمة رئيسية في تجمّع الأطفال، ويتابع: "بعد أن كنا نلعب كرة القدم والطميمة أرى الأطفال يحملون أسلحة بلاستيكية أو قطعًا خشبية ويهددون بعضهم فيها ويصنعون حواجز ويطالبون بالهويات ويعتقلون بعضهم على سبيل اللعب".
جمانة مرشدة نفسية في مدارس دمشق الابتدائية ترى أن: "العمل على تكريس نمط الألعاب المفيدة اصوات التي تحفّز فكرة السلام والتعاون باتت صعبة. أحاول مع الأطفال ذلك لكنهم حين يخرجون في الاستراحة إلى باحة المدرسة ينقسمون إلى فريقين ويطلقون أصوات تشبه أصوات الرصاص ويمسكون بمجموعة من الفرق الآخر على اساس أنه محتجز لديهم مطالبينه بإظهار هويته والسؤال عن مكان عمله وما إلى ذلك".
تتابع جمانة بإصرار على ضرورة وجود برنامج إرشادي يخفف لغة العنف اليومية لدى الأطفال حتى ولو كانت عن طريق اللعب وإلا "سينشأ جيل علينا أن نواجه بنية شخصيته القائمة على العنف وهذا تحد كبير في المرحلة المقبلة".
أطفال مقاتلون ..
يختلف الوضع إلى حد ما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فالقتل اليومي والبراميل الملقاة على سكان تلك المناطق، دفعت الكثير من التنظيمات إلى محاولة تجنيد الأطفال في صفوفها وبالتالي نزع عنصر البراءة منها، وربما تكون "داعش" أكثر تلك التنظيمات التي تكرّس العنف والوحشية لدى الأطفال عن طريق تدريبهم على القتل وحمل السلاح والمشاركة في عملية الإعدامات المتكررة التي نراها في الفيديوهات التي يصدرونها.
عند هذه النقطة تكمن المشكلة أيضا، ونعني دور وسائل الإعلام في تبني الأطفال واقع العنف في سلوكهم اليومي.
يُرجع مصطفى. ش وهو مرشد اجتماعي، طغيان سلوك العنف لدى الأطفال، حتى في الشكل اللفظي، إلى تلك المقاطع والأفلام التي تُبث بشكل يومي على المحطات التلفزيونية من قبل كافة الجهات المتقاتلة في سورية. "فليس من الطبيعي أن تمر كل تلك المشاهد القائمة على القتل وقطع الرؤوس والإعدامات دون أن تترك دورها في بناء شخصيات مشوهة سمتها العنف".
هذا عدا عن تهديد الرفاق والأهالي في بعض الأحيان لأطفالهم بتسليمهم للأمن أو داعش أو غيرها إذا لم يلبوا طلباتهم أو قاموا بمشاغبات داخل المنزل، على ما يرى المرشد مصطفى.
اليوم، وبعد أن كان مفهوم الطفولة يحيل على رمز الأمان والمحبة والسلام، يتوجب على هيئات المجتمع المدني والمختصين أن يلتفتوا إلى وضع برامج تنفيذية تستهدف الأطفال في سورية، حتى لا نرى أنفسنا في المستقبل وقد تكرّست ثقافة العنف في حياتنا اليومية. إنها الحرب ونتائج العنف المتتالي من قبل النظام وبعض التنظيمات المتطرفة التي زرعت العنف في نفوسنا قبل أطفالنا.