أخبار الآن | ريف اللاذقية – سوريا (جمال الدين العبد الله)

بات الشعب السوري اليوم وكأنه على أهبة السفر بالكامل، ففي ظل تزايد التعاطف الدولي مع أزمة اللاجئين السوريين أصبحت إمكانية الهجرة إلى أوربا متاحة أكثر من السابق وأقل خطورة مقارن بالمرحلة السابقة.

بالمقابل، أصبح همّ المواطن السوري متركزا في المرحلة الأخيرة عن كيفية الخروج من جحيم الحرب في سوريا سالما دون أن يطاله الاعتقال أو الوقوع في أيدي الشبيحة، وذلك قبل أن يقع بين أيادي المهربين الذين تكاثروا في المرحلة الأخيرة.

الخروج من الجحيم

يعاني أغلب سكان سوريا الهاربين إلى تركيا، بقصد الاستقرار هناك أو كطريق للعبور إلى أوربا، من تغيرات الوضع السياسي والعسكري على الحدود السورية التركية. فعلى وقع الهروب من براميل النظام والاشتباكات المتواصلة أو خطر الاعتقال، يغادر السوري وطنه على مراحل، كل واحدة تحمل معها مخاطر ومصاعب خاصة بها. ويجمع اللاجئون أن مرحلة الخروج من سلطة النظام هي المرحلة الأهم في حياة المهاجر السوري.

تغيرت منافذ هروب السوري من عنف النظام تبعا لتغير حالة سيطرة القوى المختلفة على المناطق القريبة من الحدود التركية، وهو ما جعل طريق الهروب يتغير مع كل تغير حاصل على أرض الميدان.

فبعد طريق معبر باب الهوى أو باب السلامة أو طريق القامشلي، تغيرت موازين القوى في هذه المناطق، وهو ما فرض البحث بشكل دائم عن معابر أكثر أمانا وسهولة.

وكانت بعض المناطق الحدودية قد شهدت توترا كبيرا خسرت فيه تركيا بعض جنودها بسبب بعض التنظيمات العسكرية المتشددة، مثل "داعش" أو البي كي كي الكردي، وهو ما دفعها إلى الحفاظ على سلامة مواطنيها وسلامة اللاجئين السوريين باتخاذ بعض الإجراءات الضرورية واللازمة.

طرق وخرائط جديدة

يعد معبر "اليمضية" في جبل التركمان التابع لريف اللاذقية الخارج عن سيطرة النظام، من أكثر المعابر أمانا حتى اللحظة الراهنة. وهو الأمر الذي أجبر معظم المهاجرين إلى تركيا قصد هذا المعبر من معظم المناطق السّورية.

يمتد المعبر على طول حوالي خمسة كيلومترات في الجبال الممتدة على طول الشريط الحدودي، حيث يلجأ المهاجرون الى استئجار أحد "الحمّالين" المنتشرين قرب المعبر، وتختلف أجرة هؤلاء حسب أعمارهم التي تتراوح بين "6-30" عاماً لتبلغ الخمسة آلاف ليرة سورية لقاء حمل الأمتعة والإرشاد على الطريق الصحيح.

أخبار الآن التقت مع "ماجد" في العاشرة من عمره الذي يعمل في إرشاد الهاربين، يقول: "بعد ترك المدرسة وتفرغي لإعالة أهلي عملت على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، حيث كان الطريق يستغرق حوالي الساعة، أما الآن فيستغرق أحياناً أكثر من ساعتين وذلك لصعوبة التنقل عبر الغابات والجبال".

أما المهاجرين فغالبيتهم من دمشق وحلب وإدلب ممن تقطعت بهم السبل هاربين بأرواحهم إلى تركيا، كما يذكر ماجد.

وداعا يا سوريا

تعيش مدن سورية مختلفة، دمشق بشكل خاص، في حركة خفية بالتعاقد مع المهربين، إذ تكون مهمة المهرب هو إيصال الزبون إلى مناطق خارجة عن سيطرة النظام، وهناك في المعبر الذي يكون أكثر أمانا يتم تسليمه إلى مهرب آخر بعد أن يكون قد تنقل بين أكثر من مهرب حسب خط سير رحلته.

يقوم المهرب بتأمين الطريق، ويتم دفع مبالغ كبيرة (1200 دولار) للشخص الواحد بهدف الوصول إلى مناطق العبور الحدودية. وعندها عليه أن يدخل بطريقة تجعله بعيدا عن خفر الحدود.

"عبد الرحمن" قدم من مدينة دمشق مع زوجته وابنته، يقول: "ترتفع أسعار المهربين في دمشق حسب الحاجة وحسب ارتفاع سعر الدولار، ونقدر أن الطريق إلى هنا خطير جدا وقد يعرضنا للمخاطر لذلك فإن هذه الطريقة هي التي يسلكها الجميع اليوم".

يبقى على من يريد الدخول إلى تركيا أن يمشي مسافة قد تمتد لساعة أو أكثر حتى يصل إلى الأراضي التركية. يتابع "عبد الرحمن": "مهما يحدث الآن لا يهم، على الأقل لن نتعامل مع جنود وشبيحة النظام".

لم يعد عبد الرحمن وعائلته، وهذا يعني أنهم عبروا الحدود بأمان دون أية مشكلات تذكر. ربما كمرحلة أولية لمخاطر هجرة أخرى نحو أوربا أو البقاء في بلد طالما عُرف عنه تعاطيه الإيجابي الكبير مع اللاجئين السوريين واحتضانه لهم.

بقي أن نذكر أن من يلقى القبض عليه من قبل "الجندرما" أثناء قطع الحدود، يبيت مدة 24 ساعة في أحد المخافر الحدودية التركية، وقد يعيدونه إلى الأراضي السورية، لتخفيف حركة العبور(غير النظامية)، لكنه يعاود المحاولة في اليوم التالي والدخول غالبا إلى بر الأمان.