أخبار الآن | دمشق – سوريا (نور حمزة)
يدخل طلاب مدينة دمشق في المرحلتين الأولى والمتوسطة، ما قبل الجامعية، في سنة دراسية جديدة على وقع ضبابية تحيط بما ستؤول إليه السنة الدراسية الجديدة في تاريخ الثورة السورية. وفي كل الأحوال لا يبدو أن تغييرا ملموسا سيحدث، على الأقل في الانهيار المستمر للنظام التعليمي للمراحل التأسيسية.
وباتت تشكل عودة الطلاب إلى المدارس مع كل فصل دراسي، بما يشبه مهمة يومية صعبة على الطلاب والأهالي والكثير من المدرسين أيضا. فما تفرضه الظروف الأمنية والاقتصادية يكفل بموسم دراسي أقل ما يقال عنه أنه شائك ومربك.
الاستبداد في التعليم
أكملت سياسة التعليم التي اتبعتها النظام على مدى أربعة عقود ملامح سياسة التسلط والفساد التي تسبغ جوانب مؤسساته وآليات عملها بشكل عام. وهذا ما ينطبق على كافة المراحل التعليمية بدءا من رياض الأطفال وصولا إلى أعلى شهادة جامعية.
لا مجال هنا للحديث عن المناهج التعليمية التي تربّت عليها أجيال كثيرة؛ انتبهت إلى سياسة تعليم دجّنت العقل السوري حتى خرجت ثورة الكرامة لتقلب الطاولة على نظام تربوي بعثي اختزل تاريخ سورية السابق إلى مفاهيم الأب والقائد الخالد.
اكتملت الصورة بربط التعليم بالحزب والفروع الأمنية، فباتت تربط إدارات المدارس والجامعات بمكاتب حزبية وأمنية، حافظت عهودا على ترسيخ نمط تسلطي وتراتبي يضع الولاءات لمن يملك سلطة بعثية وأمنية.
طلائع وشبيبة واتحاد طلبة وغيرها من مؤسسات مارست دور الشرطي على أي صوت يحاول كسر قواعد النص البعثي التسلطي. وهو الأمر الذي فشل أخيرا مع ظهور جيل رفض وصاية وفلسفة الخنوع التي تماهت معها الأجيال السابقة عنه.
تعليم ابتدائي ومتوسط
يعود الطلاب اليوم إلى المدارس في دمشق، في ظل واقع أمني واقتصادي ونفسي لا يشبه ذاك الاحتفاء السابق من الأهالي بأولادهم الذين بدأوا يكبرون ويخططون لهم مستقبلهم القريب والبعيد.
مدارس تفتقد إلى أدنى التجهيزات والخدمات الميسّرة في وسائل التعليم: اكتظاظ للطلاب في الصفوف، نقص في الكادر التدريسي المؤهل، غياب الرقابة التعليمية وتكريس لمناهج تعليمية بالية ومستهلكة. زد على ذلك تلك الأعباء التي يجب على الأهالي تحملها لاسيما الجانب الأمني والخوف من تغيرات الوضع العسكري والسياسي في أية لحظة.
"أم أحمد" ترسل ابنتها إلى مدرسة قريبة وسط العاصمة دمشق: "هنا أيضا لا يوجد أمان كاف، قد تنزل قذيفة دون سابق إنذار على المدرسة، علينا أن نتوقع أي اشتباك أو تفجير أيضا. طوال ساعات وجود ابنتي في المدرسة أبقى على أهبة الاستعداد للذهاب في حال حدث عارض ما".
الأمر يختلف قليلا في مدارس جنوب دمشق، فالمدارس الابتدائية في منطقة الزاهرة والميدان ونهر عيشة عرضة للخطر الأكبر، وهي مهملة بشكل لا يصدق. يضطر الأهالي للذهاب بأولادهم وإعادتهم إلى البيت. "بالنهاية يجب أن يتعلموا، لا يمكن تركهم في البيت بسبب الخوف"، هكذا يعلق "مازن" المدرس هو الآخر في مرحلة التعليم الثانوي. ويتابع: "لا تقدم المدرسة الكثير، يستطيع الأهالي أن يتابعوا أولادهم بطريقة مشابهة لكن من الضروري وجود الطفل في مؤسسة تعليمية".
معاهد خاصة ومدارس فارغة
استغنى الكثير من الأهالي عن المدارس الحكومية، للمرحلة المتوسطة والثانوية، وسجلوا أولادهم في معاهد خاصة قريبة منهم. لقد تكاثرت تلك المعاهد التعليمية الخاصة قبل الثورة بشكل واضح، لكنها اليوم تشهد إقبالا كبيرا بسبب الهاجس الأمني من جهة ولأن المدرسين في المدارس الحكومية لا يقدمون اهتماما كافيا يجعل الطلاب يتشبثون بالبقاء فيها.
"رانيا" طالبة في معهد تعليمي جنوب دمشق، تقول: "انتسبت إلى هذا المعهد لأنه قريب من بيتنا، وأسجل في بعض المواد الضرورية فقط. التكاليف أقل والمدرسة لا تقدم تعليما مختلفا، على العكس هنا نستطيع التحدث بحرية مع الأساتذة ونتحكم في وقتنا بطريقة تناسب ظروفنا".
ليست المشكلة تعليمية فقط، بل يلعب هامش الوضع الاقتصادي أيضا دوره هنا. فالتسجيل في معهد خاص يخفف تكاليف نفقات الطلاب.
"علي" أب لثلاث بنات في المرحلة الثانوية، يرسل الابنة الكبرى للدراسة في معهد خاص في منطقة "الدويلعة": "تسجل ابنتي في بعض المواد الهامة فقط أما المواد الأخرى فلا تحتاج إلى مدرس، أما أختيها فتستعينان بمقرراتها للسنوات السابقة. لا شي جديد في المناهج وهو أمر يَسّر لنا عدم التسجيل لكل البنات".
قد يكون هذا الأمر جيدا من ناحية، لكنه كارثة كبرى في العمق. لم تزل المقررات التعليمية على حالها منذ سنوات خلت، وهو ما يجعل الاستغناء عن المدرسين سمة واضحة اليوم يترافق مع غياب اهتمام وكفاءات للقائمين على العملية التعليمية.
أربع سنوات وأكثر من عمر الثورة في سورية، حوّلها النظام إلى حرب قضت على مستقبل تعليم أكثر من نصف طلاب سوريا وجرفت في طريقها مستقبل جيل بأكمله.