أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (ابراهيم الاسماعيل)
بعد ساعات من التجهيزات وتأمين العمال في الصباح الباكر وقبل بزوغ الشمس ينطلق "أبو علي" مع عائلته وعدد من نسوة الحي لجمع ثمار الزيتون مستعينين بجراره الزراعي من أجل الوصول الى أطراف البلدة لبدء أول يوم لهم في قطاف محصول أشجار الزيتون.
موسم القطاف والطيران الروسي
تتجمع الغيوم وتهطل الأمطار بعد عدة ساعات من العمل، يجمعون أمتعتهم ويعودون أدراجهم بعجلة كبيرة إلى بيوتهم هرباً من العاصفة القوية التي أصابت ريف إدلب جراء المنخفض الجوي الذي سيطر على المنطقة بشكل عام.
بالطبع الحال يعمم على جميع المزارعين في المناطق المجاورة، لا تقف معاناتهم عند هذه النقطة فقط بل يزيد من المعاناة تحليق الطيران الروسي الذي يكاد لا يفارق الأجواء حتى مع اشتداد العاصفة وهطول كميات كبيرة من الأمطار وتلبد السماء بغيوم سوداء.
وباعتبار شجرة الزيتون من الأشجار المثمرة الهامة لدى المزارعين في ريف إدلب وتعتبر زراعتها من الأمور الأساسية في معيشتهم كان لابد من الاهتمام بها وتأمين العناية التامة واللازمة لضمان جني محصول جيد في نهاية العام، إلا أن الحرب التي شنها النظام على المزارعين سبب تراجع الانتاج بنسبة كبيرة بسبب ايقاف عمل الدوائر الزراعية الخاصة بالعناية بها في الريف.
"أبوعلي" 40 عاماً يتحدث لأخبار الآن عن الصعوبات المشابهة في كل عام يقول: "نبدأ في كل عام في مثل هذه الأيام ببدء قطاف الزيتون. بالطبع نتعرض لهطول الأمطار في كل سنة مع بداية الموسم، إلا أنها لا تعادل شيئاً أمام الطيران الروسي المجرم الذي يهدد المناطق المتطرفة عن البلدة في أغلب الأحيان، ووجود تجمعات في الأراضي الزراعية يعتبرها أهدافاً له ويقوم بقصفها".
تستمر المعاناة بشكل أكبر عند التطرق معه عن موضوع أجرة العمال والتي أخبرنا بها أبو علي بأنها تزيد عن 1000 ل.س في اليوم الواحد، اضافة الى ثمن الوقود والطعام وغيره من الحاجات الضرورية اثناء العمل.
غياب الأدوية الزراعية
مع انقطاع الأدوية الزراعية والتي كانت تزود بها الإرشاديات في المناطق الريفية جعل من تكاثر الحشرات أمراً كثير الانتشار بين بساتين المزارعين في ريف ادلب.
يحدثنا المهندس الزراعي "مصطفى أبو بكر" عن أهمية هذه الشجرة بقوله: "لضمان إنتاج كامل تحتاج الشجرة لأدوية خاصة لقتل الآفات الزراعية والحشرات التي تصيب جذع الشجرة وتعمل على إضعافها والقضاء عليها بعد مدة إن لم يقدم لها الرعاية اللازمة".
ويضيف "أبو بكر": "اليوم نعمل على تأمين هذه الأدوية من تركيا أو عن طريق التعامل مع أناس يرتادون مراكز المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام، ولكن الكميات القليلة وارتفاع سعرها والاستغلال الكبير من قبل النظام زاد من تكاليف الرعاية للأشجار وبالتالي زيادة المصاريف على المزارعين، وأغلبهم لا يستطيع دفع ثمن هذه الأدوية".
تنظيم العمل من المجالس المحلية
بالانتقال الى استحصال الزيت والصعوبة الأكبر في نقله إلى المعاصر قبل تعرضه للتلف بعد القطاف، هنا يجدر الذكر بأن المعاصر المتواجدة في المناطق المحررة هي معرضة في كل وقت للقصف من قبل الطيران بسبب كبر حجم المبنى إضافة إلى الاضطرار الى إحداث تجمعات كبيرة من الآليات أو أكياس الزيتون والتي قد يعتبرها الطيران الروسي هدفاً سهل الإصابة والتدمير.
"أبو أحمد" 35 عاماً في المجلس المحلي لقرية "كرسعا" في ريف إدلب يعمل في تنظيم دور خاص بعصر الزيتون للمزارعين بالتعاون مع مالك معصرة الزيتون في قريته يحدثنا عن طريقة التنظيم: "قمنا بطباعة كروت وتنظيم الدور للمزارعين عن طريق تسجيل أسمائهم وكمية الزيتون المراد عصرها قبل قرابة العشرة أيام من جني المحصول وذلك لضمان إيصاله إلى المعصرة في يوم العصر وبالتالي نكون قد خففنا من كمية المتواجدين داخل المعصرة وتقليل نسبة القتلى إن حدث قصف لها أو رصد تجمعات داخل المعصرة".
بين القطاف ومعاصر الزيتون
يتابع "أبو علي" عمله اليوم بعد انحسار العاصفة ويجمع عماله ويتوجه الى أرضه، فقد قام بتسجيل دوره في المعصرة وعليه جني محصوله في الفترة المحددة كي يضمن عصر الزيتون وتقليل نسبة الضرر التي قد تصيبه إن طالت المدة بين القطاف والعصر، فمحصوله الذي يعتاش منه بات ينتظره مدة سنة كاملة.
تنتشر المعاصر الخاصة بالزيتون بأعداد قليلة جداً في منطقة معرة النعمان الغربية وبالتالي، ومع العدد الكبير لأشجار الزيتون، يسبب هذا الأمر ضغطاً كبيراً على هذه المعاصر خصوصاً بسبب توقفها في بعض الأحيان ليلاً خوفاً من الطيران الليلي الحربي والمروحي أو "حربي الرشاش" كما يسميه الأهالي وهي طائرة "اللام 39" قاتلة الليل التي تستهدف أصغر ضوء تحت مجال رؤيتها.
يقابل هذا الضغط وهذه الصعوبات فرحة كبيرة للعديد من أهالي جبل الزاوية والمناطق حديثة التحرير كالمناطق المحيطة بمعسكر القرميد والمسطومة والتي لم يستطع أهلها قطف ثمار أشجارها لمدة تتجاوز الثلاث سنوات ونصف بسبب احتلالها سابقاً من قبل قوات النظام ومنعهم من الاقتراب منها، واليوم وبعد تحريرها هاهم ينتشرون فيها بفرحة ونشوة انتصار ملأت نفوسهم المتعبة على مر هذه السنين.
كل هذه الصعوبات وغيرها لا تمنع أبو علي من إعداد الشاي على الحطب في جو يسوده البرد صباحاً برفقة أحفاده الصغار حوله؛ يجمعون له أعواد الزيتون اليابس المترامية هنا وهناك في أرضه، على نغم أهازيجهم الخاصة المتوارثة عن آبائهم من أجل دب روح التنافس بين العمال والعمل على قطف أكبر عدد من الأشجار.