أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)

لم تعد ولاء 12 عاما، مضطرة للذهاب بصحبة والدها لمناطق النظام للحصول على العلاج الداعم للحياة، وهو كيس دم كل عشرين يوما من أحد المشافي الحكومية بعد الكثير من السفر والجهد والرعب على الحواجز الأسدية، فهي قصدت بنك الدم في كفرنبل الذي غناها عن كل هذه المعاناة.

مرض الثلاسيميا في الشمال السوري

ولاء هي واحدة من مئات الأطفال المصابين بمرض الثلاسيميا، وعن هذا المرض يتحدث الطبيب "عبد الباسط سليمان" 50 عاما، أخصائي طب الأطفال ومدير قسم الثلاسيميا في مجمع بنك الدم حيث يقول: "هو مرض دموي يسمى بفقر دم البحر الأبيض المتوسط، ينتقل بشكل وراثي من الآباء إلى الأبناء، 25% من المرضى المصابين هم نتيجة لأبوين حاملين للمرض، 50% هم أطفال حاملين للمرض دون إصابات أخرى في العائلة، 25% أطفال سليمين".

ويضيف الطبيب السليمان بأن العلاج لهذا المرض هو نقل كيس دم للمريض كل عشرين إلى ثلاثين يوما، عندما يحدث عنده فقر دم، وهذا هو علاجه مدى الحياة، وإن لم يتم نقل الدم للمريض خلال هذه المدة فسوف يكون عرضة للموت.

وينوه الطبيب السليمان إلى وجود علاج وحيد لهذا المرض وبموجبه يصبح المريض معافى بشكل كامل وهو زرع نقي عظام في حال وجود متبرع، وهي عملية مكلفة ولا تجرى مثل هذه العمليات في سوريا، كلفة العملية التقريبي هو "30" ألف دولار وهذا المبلغ يفوق قدرة السوريين المادية وخاصة في هذه الظروف الصعبة، وحاليا يكتفي المريض بتغيير الدم الشهري.

ونظرا لعدم وجود مركز لنقل الدم لهؤلاء المرضى في المناطق المحررة، فقد تم إنشاء مجمع بنك الدم في مدينة كفرنبل وهو المجمع الوحيد لهذا المرض في الشمال السوري، يقصده المرضى من مختلف المناطق وخاصة من ريف حماه الشمالي والغربي ومناطق ريف إدلب الجنوبي وصولا لمنطقة باب الهوى شمالا.

بنك الدم في كفرنبل والجهود الملفتة

المجمع تم افتتاحه في 1/3/2015 في مدينة كفرنبل بتبرعات فردية، وهو يتألف من أربعة أقسام وهي قسم الثلاسيميا، قسم بنك الدم، قسم الليشمانيا، قسم الصيدلية وهي مجانية وخاصة للأطفال بالإضافة لقسم ثانوي يتم فيه توزيع الأنسولين لمرضى السكري.

يضم المجمع مجموعة من الأطباء، إضافة لأكثر من عشرين متطوعا بين ممرضين وممرضات وعاملين في المجمع. من الأطباء العاملين في المجمع الطبيب "أحمد العلي" 40 عاما، أخصائي جراحة بولية، وهو المدير التنفيذي لجميع أقسام المجمع يقول متحدثا عن عمل المجمع: "مايميز المجمع احتوائه على كافة الزمر الدموية، ولدينا دائما فائض يتم توزيعه على المشافي الميدانية والخاصة، وذلك عن طريق طلبات رسمية صادرة عن بنك الدم يدعى طلب دم، يذكر فيه الطبيب المرسل للطلب تعهد بحدوث تصالب بين الدم المطلوب ودم المريض".

أما عن آلية الحصول على وحدات الدم فيقول الطبيب العلي بأن هنالك مجموعة شبان عاملين في المجمع يخرجون كل يوم جمعة ضمن حملة لقطاف زمر الدم المختلفة من القرى المجاورة، ويخضع دم المتبرع للتحليل لمعرفة الزمرة وما اذا كان الدم سليما أو مصابا بإحدى الأمراض.

مجمّع بنك الدم في كفرنبل .. خدمات جبارة بدعم محدود

تعاون كبير من الأهالي وقلة في الدعم

الإقبال من قبل المتبرعين كبير جدا، ليس ذلك وحسب وإنما يأتي المتبرعون إلى المجمع في أوقات الأزمات والقصف والحاجة، يقصد المجمع شهريا أكثر من 500 متبرعا عدا عن الوحدات التي يتم جلبها من المناطق الأخرى، ويشير الطبيب العلي إلى لحمة الشعب السوري واستعداده دائما للعطاء من أجل انقاذ حياة شخص جريح أو مريض.

وحول هذا الموضوع يتحدث الشاب رائد 23 عاما: "أقل ما نفعله من أجل المقاتلين على الجبهات والمصابين جراء القصف هو التبرع بدمنا لإنقاذ حياتهم التي يقدمونها من أجل استعادة حريتنا وكرامتنا".

المجمع يعاني من قلة الدعم، فجميع العاملين فيه يعملون بشكل تطوعي منذ أكثر من أربعة أشهر، هذا ما يؤكده المدير الإداري لمجمع بنك الدم "بدر شامان الرسلان" 49 عاما: "المجمع مديون نتيجة شراء عدد من الأجهزة اللازمة للمخبر، فأي مريض بالثلاسيميا يقصد المجمع يكلف المجمع مبلغ 12 ألف ل.س كونه يخضع لعدة تحاليل لمعرفة درجة الثلاسيميا لديه، وبناء عليه يعطى كمية الدم المطلوبة، ومعظم المرضى هم مرضى ثلاسيميا كبرى، أي  بدرجة متقدمة".

ويشير الرسلان إلى بعض الجهات الداعمة للمجمع ومنها اتحاد المكاتب الثورية التي أمدته ببعض الأجهزة ومنها جهاز "سي بي سي" وهو جهاز تعداد آلي، وجهاز سيبكترو، هي أجهزة عالية الدقة. وهناك جمعية الهدى الخيرية التي تبرعت بمبلغ من المال مؤخرا، وسيتم به شراء كتاب تحليل ومعدات طبية، ويشكر الرسلان كل الشكر الشيخ عيسى العيسى الذي قدم أحد أهم أنواع أدوية الثلاسيميا للمجمع واسمه "اكسجاد" وهو دواء غالي الثمن، 140 ألف ل.س ثمن العلبة الواحدة، وقد أمد الشيخ العيسى المجمع بأكثر من 200 علبة دواء يتم توزيعها على المرضى بحسب الحالة والدرجة المرضية، هذا الدواء يغني المريض عن كيس دم في الشهر، فبدلا من تغيير الدم كل شهر يصبح المريض يغير دمه كل شهرين.

مجمّع بنك الدم في كفرنبل .. خدمات جبارة بدعم محدود

المرضى والأهالي

"أم محمد" 46 عاما، أم لثلاثة أطفال مصابين بالثلاسيميا، وهي قصدت المجمع مؤخرا، وهي سعيدة جدا بافتتاحه لقربه من قريتها حزارين، ولأنه غناها عن الذهاب لمناطق بعيدة وخاصة مناطق النظام لتغيير الدم لأطفالها بشكل دوري، وترجع أم محمد سبب إصابة أطفالها بهذا المرض لقرابتها مع زوجها، وهي تشكر جميع العاملين والداعمين للمجمع لاسيما وأنه يساعد المرضى من الفقراء إلى حد كبير بتغيير الدم ومنح الدواء للمريض بشكل مجاني.

"أم حسام" 41 عاما، والدة أحد الأطفال المصابين بالثلاسيميا تقول: "رغم تواضع المجمع من حيث البناء كونه عبارة عن قبو غير مجهز كليا، إلا أن الكادر يتعامل مع المرضى بكل احترام ومسؤولية، ويشعر الزائر لهذا المجمع بأنه في بيته وبين أهله". وأردفت أم حسام قائلة بأنها جد سعيدة بخدمات المجمع الطبية الممتازة والمجانية، فقد ساعد في رفع بعضا من الهموم والمعاناة عن عدد كبير من المرضى والجرحى في ظل الأوضاع الراهنة فكان أشبه "بشمعة مضيئة وسط ظلام دامس".

"هيام القرجي" 48 عاما، إحدى الممرضات العاملات في المجمع تقول: "يتم استقبال مرضى الثلاسيميا كل أحد وأربعاء نظرا لقلة الدعم والإمكانيات، أما بقية الأقسام فهي مستمرة على مدار 24 ساعة باعتبار المجمع يعد الداعم الوحيد بزمر الدم المختلفة في المناطق المحررة".

وتنوه القرجي لتوثيق أكثر من 194 مريض بالثلاسيميا قصدوا المجمع منذ تأسيسه، واستفادوا من خدماته، وأكثر المرضى المصابين بهذا المرض هم من منطقة الغاب في ريف حماه الغربي والشمالي بحسب القرجي.