أخبار الآن | سوريا – خاص (عبيدة النبواني)
في 23 أيلول/ سبتمبر من العام الماضي أعلن "جيش المهاجرين والأنصار" الذي يقاتل في سوريا، مبايعته لجبهة النصرة، عبر بيان تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد مفاوضات استغرقت نحو شهر بين الطرفين، ما شكل وفق رأي محللين دفعة قوية للنصرة المبايعة لتنظيم القاعدة في معاركها ضد تنظيم داعش، إذ بلغ عدد العناصر الذين انضموا إلى النصرة إثر هذه العملية نحو 1500 مقاتل غالبيتهم من جنسيات أجنبية معظمهم من "الشيشان وأوزباكستان وتركستان وطاجاكستان"، وتعتبر اللغة الروسية ذات انتشار واسع بين جميع هؤلاء المقاتلين، إذ يتبع "جيش المهاجرين والأنصار" أساسا لما يسمى "إمارة القوقاز الإسلامية"، وفق ما ذكرت عدة مصادر إعلامية.
الفصائل "المبايعة" لجبهة النصرة
وإضافة لـ"جيش المهاجرين والأنصار"، فقد أعلنت عدة فصائل غالبية عناصرها مهاجرون من منطقة "القوقاز" مبايعتها لـ"جبهة النصرة"، عقب بدء العدوان الروسي، من بينها كتيبة "التوحيد" و"الجهاد" التي تضم مقاتلين من طاجيكستان، وجماعة القرم الشيشانية، وكتيبة "القدس"، و"سرايا الميعاد"، إضافة إلى مجموعة من المقاتلين الشيشانيين، ويُعتقد أن هدف هذه التشكيلات الأساسي هو قتال القوات الروسية بالدرجة الأولى، نظرا لوجود ثأرٍ سابق معهم، كما أن المقاتلين القادمين من منطقة تركستان، يرون أن روسيا هي حليف قوي لعدوهم الأول المتمثل بالحكومة الصينية، فيما يشير البعض أن كثيرا من هؤلاء المقاتلين لم يعودوا مهتمين بقتال نظام الأسد وتنظيم داعش بعد أن تدخلت روسيا مباشرة في الصراع السوري.
وحول ذلك قال المحلل العسكري والاستراتيجي "محمود إبراهيم" لأخبار الآن: "العناصر القوقازية متواجدة في سوريا من قبل الوجود الروسي، وأماكن تواجدها معروفة، منها محيط سجن حلب المركزي حيث شاركوا في حصار السجن، إلا أنهم انقسموا إلى ثلاث فئات عند استفحال القتال بين داعش وجبهة النصرة، فالتحق القسم الأكبر بالبغدادي بينما أعلن قسم آخر استقلاله ضمن أجندة "مقاتلة الروس"، في حين انضم قسم صغير للنصرة ضمن هيكيلية خاصة به".
وأكد "إبراهيم" لأخبار الآن أن تواجد القوات الروسية على الأرض السورية ليس واسع الانتشار، وهو لايزال محدودا ضمن القواعد عسكرية، إلا أنه تطور مؤخراً ليتحول إلى صيغة ضباط عمليات وبعض مجاميع الإنزال خلف القوات النظامية المهاجمة، مضيفاً أن ذلك يعني أنه لا يمكن للقوقازيين حتى الآن، القتال ضد الروس في سوريا، مضيفا أنهم يقاتلون ضد النظام بشراسة.
الأجانب داخل الجبهة
يشير بعض المتابعين إلى أن انضمام هؤلاء المقاتلين الأجانب وغيرهم بات يرجح كفة الأجانب داخل جبهة النصرة على نظرائهم السوريين، مضيفين أن فشل النصرة في ضم فصائل سورية تحت رايتها دعاها لمحاولة استقطاب المقاتلين من جنسيات أخرى، إلا أن تزايد أعداد هؤلاء الأجانب وخاصة المقاتلين الروس أو الناطقين باللغة الروسية، يصطدم مع تصريحات لقائد تنظيم جبهة النصرة "أبو محمد الجولاني" والتي أكد فيها أكثر من مرة أن النصرة هي فصيل سوري.
الجولاني ذاته يبدو أنه تراجع مؤخرا عن هذا التصريح، وذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي أجراه في كانون الأول الماضي، والذي كان متوقعا أن يعلن فيه انفصال النصرة عن تنظيم القاعدة، إلا أنه لم يعلن ذلك بل طرح نقطة أخرى هي ضرورة ضمان حقوق المقاتلين "المهاجرين" أو الأجانب في مستقبل سوريا بعد سقوط النظام، حيث وصفت تصريحات الجولاني حينها بأنها كانت مخيبة لآمال السوريين.
من جهته قال المحلل العسكري والاستراتيجي "محمود إبراهيم" لأخبار الآن: "النصرة لا تزال تحافظ بهيكلها العام على العنصر السوري، وهي لم تخسر المقاتلين السوريين المنضوين تحت جناحها خصوصاً في الشمال السوري"، مضيفا أن هناك توجهاً عند جبهة النصرة ممثَلةً بقيادتها لإضعاف العناصر غير السورية كما جرى مع "أبو ماريا العراقي" والشرعي الأردني فيها وغيرهما، مضيفا أن النصرة تتوجه نحو الحفاظ على العنصر السوري كي تضمن عدم الاصطدام مع الفصائل الأخرى والشعب السوري عموماً، طبقا لقوله.
وكان خبراء من الأمم المتحدة قالوا في اجتماع لمجلس الأمن أواخر آذار/مارس من العام الماضي، إن 25 ألف مقاتل أجنبي ينحدرون من أكثر من مئة دولة يقاتلون في صفوف داعش وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات في كل من سوريا والعراق.
المقاتلون الأجانب .. أجندات ووجهة المستقبل
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، انتشرت أنباء تفيد بوصول أحد القياديين البارزين في تنظيم القاعدة إلى محافظة إدلب في سوريا، حيث تناقلت عدة صحف من بينها صحيفة "القدس العربي" أنباء تفيد أن هذا القيادي هو الضابط في الجيش المصري "محمد صلاح الدين زيدان" المعروف باسم "سيف العدل" والذي شغل منصب القائد المؤقت لتنظيم القاعدة عقب اغتيال زعيمه "أسامة بن لادن" عام ألفين وأحد عشر، حيث اعتقل "سيف العدل بعدها في إيران وأفرج عنه في آذار/مارس الماضي، في حين يخلط كثيرون بينه وبين ضابط مصري آخر يدعى "محمد إبراهيم مكاوي"، والذي ألقت السلطات المصرية القبض عليه وأفرجت عنه لاحقا.
في تلك الأثناء قام عناصر من جبهة النصرة بتناقل أنباء تفيد أن وصول "سيف العدل" إلى سوريا جاء بطلب من زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري"، بهدف تصحيح مسيرة جبهة النصرة "إلى الأفضل"، على حد تعبيرهم، ويرتبط اسم سيف العدل بتفجير السفارتين الأميركيتين في كل من كينيا وتنزانيا عام 1998، كما تتهمه الولايات المتحدة بتدريب مقاتلين صوماليين قَتلوا 18 أميركيا في مقديشو عام 1993.
وصول قيادي بارز في تنظيم القاعدة كـ"سيف العدل" إلى سوريا بهدف ما قيل إنه تصحيح لمسيرة جبهة النصرة، يطرح تساؤلات حول طيبعة العلاقة بين النصرة والقاعدة، كما أن ترحيب بعض عناصر النصرة بوصوله عبر تغريدات انتشرت لهم على تويتر، يثير تساؤلات أخرى حول وجود خلافات داخلية في تنظيم جبهة النصرة.
وفي حديثه لأخبار الآن يقول "محمود إبراهيم" إنه ليس هناك مشكلة متجذرة بين جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، نظرا لارتباط القيادات في كلا الطرفين – إذا صحة التسمية – بمرجعية شرعية واحدة، وهو ما يضمن استمرار التلاقي الإيديولوجي، موضحاً أن مسألة الخلاف تعود إلى رؤية عموم مناصري أو أتباع القاعدة، حول عدم قدرة "الظواهري" لشغل مكان "أسامة بن لادن"، كما يرون أن بعض أفراد الدائرة المحيطة بالظواهري ينزعون لتحديد دوره، ويضيف أن عدم قدرة الظواهري على اتخاذ مواقف واضحة من تنظيم البغدادي وعموم مسألة الغلو، تلبية لطلب الجولاني بذلك، يزيد من خطر ابعاده أو تحييده قريبا عن قيادة القاعدة، موضحا بصيغة أخرى أن الخلاف هو بين قيادة القاعدة وبين التنظيمات الهرمية التابعة لها في كل من اليمن وسوريا والجزائر، وليس بين القاعدة كمنظومة وتلك التنظيمات التي تأخذ شكلا مستقلا بعيدا عن المركز، ويتمثل ذلك رفض "الجولاني" قائد جبهة النصرة إعلان انفصاله عن تنظيم القاعدة.
إذن يبقى موضوع المقاتلين الأجانب في سوريا عموما وفي جبهة النصرة خصوصا، موضع تساؤل وشك، حول إمكانية التزامهم بأجندات قريبة من توجهات بقية الفصائل السورية، كما يطرح تساؤلات حول مكانهم في سوريا بعد سقوط النظام، إن كانوا سيبقون فيها أو سينتقلون إلى جبهات ساخنة في دول أخرى.