أخبار الآن | أنطاكيا – تركيا (دعاء ياسين)
لم تسلم المدارس من قبضة عنف النظام، لتصيب قذائفه الطلاب وهم على مقاعد الدراسة، فرغم تحذيرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف" من تدهور التعليم في سوريا إلا أن تقارير جديدة أفادت أنه تم تدمير 3000 مدرسة وحرمان أكثر من ثلاثة ملايين طالباً من حق التعليم نتيجة اشتداد المعارك الدائرة في مناطقهم، فلم تقتصر تلك الخسائر على الأرواح؛ بل توسعت لتقضي على الحالة النفسية للأطفال.
بعد لجوء أعداد كبيرة من الأهالي وأطفالهم إلى تركيا، افتتحت العديد من المدارس؛ التي واجهت جملة من المشكلات ليست احتياجات التعليم من كتب وملحقاتها هي الأبرز. فقد تشكلت لدى طلاب المدارس حالة من الصدمة التي ارتبط فيها العنف بمقاعد الدراسة جرّاء الكثير من المجازر التي استهدفت المدارس في المناطق الخارجة عن سيطرة لنظام.
مدارس أنطاكيا ومشكلات الإدارة والطلاب
في مدينة أنطاكيا التركية في إقليم هاتاي في الجنوب، ومع تواجد الأعداد الكبيرة لطلاب المدارس من اللاجئين السوريين، افتتحت مجموعة من المدارس السورية "دون الاعتراف بها رسمياً"، بتمويل من جمعيات سورية وتركية وبعض الجهود الفردية، لكنها عجزت بسبب نقص التمويل عن استيعاب مئات التلاميذ من اللاجئين الذين ينتظرون فرصة مواصلة الدراسة.
"رشا" إحدى كوادر هذه المدارس السورية المنتشرة في مدينة "أنطاكيا" التركية؛ أفادت لأخبار الآن: "أشعر بالقهر على أبناء بلدي حين أراهم على شاشات التلفاز وهم يعانون من ظروف الحرب القاسية التي حرمت أبناءهم من التعليم، ولكنني أستبشر خيراً بعد إنشاء هذه المدارس علها تستوعب أكبر قدر من أبناء السوريين اللاجئين في تركيا".
ويعاني طلاب المدارس بشكل خاص من عدة مشكلات نفسية شكّلها لديهم عنف النظام واستهدافه المدارس بالقصف.
المرشد النفسي "علاء الدين" تابع الحالات النفسية للأطفال في إحدى مدارس أنطاكيا، يقول: "أكثر مظاهر الأعراض النفسية لما بعد خروج الأطفال من جو الحرب؛ تتجلى بسوء التأقلم الاجتماعي العائلي والعجز والخوف والرهاب والعدوانية".
بين المدارس الخاصة والعامة
لم يقتصر الأمر على وجود مدارس سورية عامة "مجانية"، إذ لجأ البعض إلى استقطاب الكوادر التدريسية للتعليم في المدارس الخاصة "المأجورة" والتي تتميز بوجود راتب ثابت والاختيار حسب الكفاءات العلمية للمدرسين.
"هادية" إحدى المعلمات اللواتي لجأن للتدريس في المدارس الخاصة، تبرر ذلك بقولها: "أنا كمعلمة ولاجئة في بلد لا أعرف عنه شيئاً، اخترت التعليم في مدرسة خاصة طمعاً بعدة أسباب منها معاملة الإدارة الجيدة التي تدفعني لتقديم أفضل ما لدي للطلاب، وضمان وجود راتب محدد في نهاية كل شهر، وعدم البقاء تحت رحمة الداعم، خاصة بعد الدعم التركي واستلام بطاقات من الـ PTT لاستلام الرواتب".
بينما تقول المعلمة "أم نبيل" والتي اضطرت للتدريس في إحدى المدارس العامة: "اضطررت للعمل في مدرسة عامة نظراً لظروفي الصعبة هنا في تركيا، رغم عدم تعاون البعض في الإدارة، علاوة على ضيق الصف وأعداد الطلاب الكثيرة مما يعيق عملية التعليم السليم، ناهيك عن اختلاف اساليب المعلمين؛ فالبعض منهم لا يحمل شهادات مختصة، عدا عن تأمين مستلزمات الطلاب والتعليم حسب الداعم وما يوفره لهم".
وضع الكثير من اللاجئين السوريين في بعض المدن التركية، بأوضاعهم السيئة التي تعاني الفقر وسوء المعيشة وانخفاض موارد وزارة التربية السورية المؤقتة وقلة عدد المدارس، من أهم أسباب عدم إلحاق الأطفال بها، لذلك نجد أن هناك عائلات سورية في تركيا لم ترسل أولادها إلى المدرسة بسبب عدم القدرة المادية لدفع بدل النقل والترتيبات التي تحتاجها المدرسة.
الأطفال بين التعليم والعمالة
هناك الكثير من الفتيات والفتيان لم يذهبوا إلى التعليم بل توجهوا للعمل نظرا لحاجة أهلهم المادية، "بسام" 10 أعوام يقول: "خسرنا منزلنا ولجأنا إلى أنطاكيا وتركت التعليم وتوجهت للعمل في ورشة لصيانة السيارات حتى أحصل على المال لأعطيه لأهلي ليتمكنوا من دفع أجرة البيت وتأمين الحاجيات الضرورية".
دعت "هيومن رايتس ووتش" تركيا والشركاء الدوليين للعمل على التحاق الأطفال السوريين بالمدارس وهو ما سيقلل مخاطر التجنيد العسكري للأطفال من قبل الفصائل المسلحة، والزواج المبكر، واستقرار مستقبلهم الاقتصادي، إذ أن هناك ما يقارب "ثلاثة مليون طفل" منقطعين عن الدراسة بحسب منظمة "اليونيسيف".
في الفترة الأخيرة؛ دُق ناقوس الخطر وخاصة بعد تسجيل بعض حالات التسرب من التعليم، وكما يخبر أحمد أحد اللاجئين السوريين الذين اضطرتهم الظروف إلى ترك دراسته أنه سيعمل مؤقتاً إلى حين عودته إلى بلدته، واستكمال تعليمه بينما تهدأ الأوضاع.