أخبار الآن | إسطنبول – تركيا (أسامة زين الدين)
مع بلوغ عدد السوريين في تركيا ما يقارب من المليونين ونصف، وانتشارهم في مختلف المحافظات التركية، ومع ظروف الحرب التي عايشوها وفقدان كثير منهم لأوراقهم الثبوتية وجوازات سفرهم، نشطت في تركيا مكاتب عديدة استهدفت هؤلاء السوريين سوقت بينهم قدرتها على تأمين أغلب ثبوتياتهم بأيام قليلة، ولقاء مبالغ مرتفعة.
جوازات سفر، إقامات، هويات تعريف لاجئين، شهادات علمية بمختلف المستويات تصل حد الدكتوراه، رخص قيادة وعشرات من الوثائق غيرها أصبحت مصدر ربح فاحش لهذه المكاتب، وغزت وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات التي يتجمع فيها السوريون، وتشهد تفاعلا كبيرا معها من قبلهم بين أخذ ورد ومفاصلة على السعر وزمن التسليم ومكانه، ومدى ضمن هذه الوثائق.
أسعار غالية .. وإقبال محموم
لكل شيء ثمن، مختلف باختلاف قيمته، فقيمة وثيقة الإقامة في تركيا تبلغ 2000 ليرة تركية، أما جواز السفر الذي يتهافت على طلبه آلاف السوريين فيصل لحد 1800 دولار إلى 2500 حسب وقت التسليم، وأخطر هذه الثبوتيات التي تقوم هذه المكاتب بتزويرها هي الشهادات العلمية، فيمكن الحصول على شهادة علمية تصل حتى الدكتوراه بـ 1600 دولار، واللافت أنه يمكن الحصول عليها في فترة لا تتجاوز أربعة أيام مختصرة عشرة أعوام من الدراسة، ولا تلزم فيها آلاف الساعات الدراسية بقدر ما تلزم المعلومات الشخصية ونوع التخصص الذي يراد تزويره.
امتهان عدد كبير من المكاتب لمهنة التزوير وتأمين الثبوتيات أدى إلى تنافس في الأسعار وتقديم تخفيضات على الثبوتيات، فيمكن الحصول على حسم إذا تم طلب عدة شهادات جامعية دفعة واحدة، كما يمكن تخفيض سعر استخراج جواز السفر إذا تم طلب عدة نسخ منه لأفراد العائلة مجتمعة، أو هويات تعريف لاجئين لعائلة أو أصدقاء مجتمعين.
"محمد" شاب سوري دلّه أحد معارفه على مكتب متابعات قانونية ليعمل فيه بعد تدهور وضعه المادي في تركيا، يقول أنه ترك العمل بعدما فوجئ أن المكتب لم يكن مرخصا، وإنما كان ضمن شقة غير معلنة في أحد التجمعات السكنية، وكان محور عمله تسويقيا بحتا يستهدف السوريين ويبيعهم الأحلام حول صحة الوثائق عبر تعامله مع الجهات الرسمية كالقنصلية السورية، والخارجية في الداخل ومراكز الأمنيات التركية وأن وثائقهم مضمونة مائة بالمئة، بينما كانت أغلب هذه الوثائق تطبع لدى مزور في "غازي عينتاب" حصل على طابعة من الرقة، وبعضها الآخر يطبع في مطابع خاصة في تركيا.
تكنولوجيا قديمة تسهل التزوير
"عبد الرحمن سالم" صاحب مطبعة سابقة في سوريا وذو خبرة طويلة في هذ المجال، أكد أن الحكومات تحرص على تعقيد عمليات التزوير وتطوير وثائقها باستخدام رموز معقدة ونوعيات خاصة من الورق يصعب توفرها لعموم الناس، كما تقوم بطباعتها بطابعات خاصة بها، وذات أسعار باهظة الثمن.
ويضيف: "لم تشهد الوثائق السورية تطورا في نوعيتها إذا أن بعض بطاقات الأفراح الخاصة أصبحت أكثر تعقيدا منها، ولذا يسهل تزويرها واستخراج أختامها وتأمين الورق الذي تتم الطباعة عليه، مما يمكّن المزورين من عملها بأسعار زهيدة وتحقيق مكاسب ضخمة من خلالها. أو يمكن بطريقة أسهل شراء وثائق فارغة رسمية تطبعها الحكومة السورية، ويتم بعدها تعبئتها بالبيانات المطلوبة، وتزوير أختام شبيهة بأختام الجهة المصدرة، وهذا سهل جدا ضمن برامج معالجة الصور المتوافرة".
سماسرة من السر إلى العلن
بعد أن كانت البدايات تتم عبر الموثوقين فقط ودون إشهار وتسويق، تفيض هذه الأيام صفحات التواصل الاجتماعي بعشرات الجهات التي تقدم هذه الخدمة، حتى أن بعض محلات السوبر ماركت في إسطنبول تضع إعلانا على واجهتها تعرض فيها خدماتها بتأمين "وثائق للسوريين وبأسعار منافسة"، ورغم أن التزوير جريمة يعاقب عليها القانون التركي بشدة، إلا أن حاجة السوريين لهذه الوثائق بأية وسيلة تدفع قسما كبيرا منهم للامتناع عن التبليغ عنها للسلطات، أما من يقع ضحية احتيالهم فيتردد في التبليغ عنهم كونه ارتكب جرما لحيازته وثائق غير قانونية يعاقب القانون على حيازتها.