أخبار الآن | حماة – سوريا (نجوى بارودي)
200 دولار، وفي بعض الأحيان تكون الأجرة مبالغ فيها للقيام بعملية الترميم، ونحن هنا لا نتحدث عن ترميم منزل وقع تحت قصف النظام لشعبه في سوريا، وإنما عن ترميم نتائج "حالة الاغتصاب" التي تعرضت له النسوة من قبل الشبيحة ووقعن تحت همجيتهم.
تقول الدكتور "سناء" أخصائية الأمراض النسائية في حي الشريعة بحماة: "كنت منذ سنوات أرفض رفضاً قاطعاً إجراء أية عملية من هذا النوع في عيادتي حيث تعتبر هذه العمليات كنوع من الغش وربما تعرضنا للمساءلة القانونية، لكنني الآن بت أساعد النساء اللواتي تعرضن لحالات الاغتصاب، بل وأعتبر عملي هذا نوع من المساعدة الإنسانية في هذه الظروف لذلك أحاول الاعتدال بأجرتي في العملية حسب قدرة الفتاة التي تأتي".
عقاب العائلات المعارضة بفتياتهم!
لم تنس "صبا" ابنة السادسة عشرة عاماً، الأيام التي مرت بها وهي مختطفة من قبل عائلة يعمل أفرادها في الدفاع الوطني، حيث تعرضت للاغتصاب لعدة مرات من قبلهم، ومن ثم ألقيت كجثة هامدة أمام منزلها، نكرت أمام ذويها أنها تعرضت لذلك ولكنها سرعان ما أخبرت والدتها، والتي لجأت إلى إحدى الطبيبات النسائيات في حماة.
تقول والدتها: "نحن في محافظة حماة نخشى على فتياتنا من الخروج إلى الشارع بسبب المضايقات التي يتعرض لها من قبل شبيحة النظام المنتشرين في الشوارع، لكن ابنتي لم تسلم منهم أثناء خروجها من مدرستها، اضطررنا إلى العملية لأن الزواج كان مصيرها بعد أن تركت الدراسة".
قصة "صبا" هي واحدة من مئات القصص التي حدثت في مدينة حماة، تلك المدينة المحافظة والتي تعتبر الفتاة "كغالبية المحافظات السورية" هي مصدر العفة والشرف، ولكن النظام السوري حاول عن طريق شبيحته كسر أنف بعض العائلات المعروفة بمعارضتها للنظام بخطف فتياتهن ومن ثم اغتصابهن.
بين غياب القانون والعرف الاجتماعي
يعتقد أحد الأطباء النفسيين أن إجراء مثل تلك العمليات ربما يرمم الجزء الجسدي من الفتاة ولكنه لن يرمم الألم النفسي التي تعانيه، لذلك يعتبر أن البوح هو جزء من العلاج للضحايا واللواتي يأتين إلى عيادته يومياً وبشكل مكثف منذ بدأ النظام حربه على شعبه، لذلك يعتقد أن كشف من ارتكب العنف بحق تلك الفتيات يعتبر جزءا من حل مشكلة التجاوزات التي يقومون بها، وربما إيقافها، لتتدخل والدة إحدى الضحايا بالقول: "إن من اغتصب فتاة في عائلة ما وقامت بالشكوى عليهم سيقوم الشبيحة باغتصاب الباقيات فلا قانون يردع ولا ضمير".
"سلمى" المعتقلة لمدة ثلاث سنوات في سجن حماة، لم تستطع حتى الآن الاندماج في المجتمع واستعادة الأمان التي طالما شعرت به في مدينتها، تقول: "من أكثر الأشياء التي عانيت منها هي تنكّر الأهل والمجتمع لي، حاولت إقناعهم بأن ما حدث لي قد حدث لآلاف الشباب أيضاً في المعتقلات وأننا عبارة عن ضحايا ليس أكثر، ولكن المؤسف أن والدي لم يهنأ له بال إلى أن قمت بعملية "الترميم".
وأيضاً "نادية" تحاول أن تنسى ما تعرضت له من أعمال وحشية على أيدي النظام في السجن القريب من محافظة حماة، حيث لم تعرف عدد المرات التي اغتصبت فيها من قبل ضباط وعساكر في السجن، تحاول الآن أن تستمر في حياتها بشكل طبيعي لكنها لم تستطع حيث رفضها الجميع بمن فيهم عائلتها.
يعتبر العنف الجنسي في سورية سلاحا استخدمه النظام لترهيب النساء والأطفال وحتى الرجال على حد سواء وصدرت العديد من التقارير من الأمم المتحدة والشبكة السورية لحقوق الإنسان تؤكد أن سورية حلت في قائمة الدول التي ارتكبت بها جرائم جنسية بمختلف أشكالها، وفي حماة لوحدها قدرت بـ 400 حالة عدا عن العائلات التي رفضت الافصاح عن بناتهن المغتصبات سواء اللواتي اختطفن أو في سجون النظام .
تمثل حالات الاغتصاب للمعتقلات والمخطوفات أرقى حالات التضحية في مجتمع محافظ كحماة، لأنهن في أغلب الحالات دفعن لوحدهن ثمن معارضة عائلة بكاملها على طهر أجسادهن، ليكون خطأ تلك النسوة من قريب أو بعيد أنهن معارضات أو قريبات لهن ولتواجه فيما بعد من إنكار ليس من الجلاد فقط وإنما من المجتمع والضحية ذاتها.