أخبار الآن | الرقة – سوريا (عزام الحاج)
فيما تتراجع قدرات داعش العسكرية وتُلحق به هزائم عسكرية، شرع التنظيم الإرهابي بالضغط على المدنيين في مناطق سيطرته في ما يبدو محاولة يائسة منه لضبط الأوضاع الداخلية والحد من تردي قدرته على الضبط والوهن الذي أصاب قبضته على المجتمعات المحلية الخاضعة لاحتلاله. فقد بدا واضحاً خلال الأسابيع القلية الماضية أن الرقعة الترابية التي سيطر عليها داعش في سورية خلال العامين السابقين قد بدأت بالتقلص، وأن شعار "باقية وتتمدد" قد استنفد زمنه وغايته وتحوَّل إلى نقيضه: "فانية وتتبدد"، وأن العد التنازلي لزوال سيطرة داعش قد أصحبت مسألة وقت.
خسائر متتالية لداعش
لكن الإيقاع العسكري لهزائم داعش كان قد بدأ منذ صيف العام 2015، عندما انتهت فترة احتوائه في العراق وبدأ الضغط عليه في سورية من قبل قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. في هذه المرحلة، خسر داعش وبشكل متدرج معظم ريف الحسكة ثم ريف الرقة الشمالي، في شهر حزيران الماضي لصالح ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية، التي غيّرت اسمها لاحقاً إلى "قوات سورية الديمقراطية".
إلا أن هزائم داعش العسكرية الأخيرة جاءت في مناطق أخرى ومن قبل فاعلين آخرين. فقد خسر تدمر أمام قوات النظام السوري قبل بضعة أيام كما خسر أكثر من عشرين قرية في ريف حلب الشمالي أمام قوات الجيش السوري الحر، كان آخرها هذا اليوم بلدة الراعي، التي تعتبر مفتاحاً لتحرير بلدات ومدن أخرى يسيطر عليها داعش المتشدد في الريف الحلبي، ومنها مدينتي الباب ومنبج.
وتشديد أمني في مناطقه
وفي مقابل هزائمه العسكرية المتكررة في سورية أخذ داعش يشدد قبضته الأمنية في مناطق سيطرته، وعاد إلى سياسة الترهيب اليومي للأهالي عبر عمليات القتل والتمثيل بالجثث التي استخدمها طوال الأعوام الثلاثة الماضية كسياسة لإخضاع المجتمعات المحلية عبر ترهيبها وزرع الخوف في نفوس محكوميه. ففي محافظة الرقة، قام داعش بتنفيذ أحكام إعدام بعدد من المواطنين بتهم مختلفة، وقد حرص كعادته على تنفيذ أحكام الإعدام في ساحات عامة ومن صلب المقتولين وترك جثثهم لأيام على مرأى من المارة. وقد تنوعت التهم المنسوبة إلى ضحايا داعش في حملته الإرهابية الأخيرة بين السرقة وانتحال صفة عنصر في داعش وصولاً إلى التخابر وتقديم معلومات إلى نظام الأسد إلى قوات التحالف.
إرهاب وإعدامات من نوع جديد
ففي سابقة لا مثيل لها، وعقوبة من أغرب ما مارسه إرهابيي داعش من عقوبات قام عناصره بخياطة فم أحد المواطنين في مدينة الرقة والتجول به في شوارع المدينة كي يراه الناس، وقد جاءت هذه العقوبة الفريدة على خلفية انتقادات أطلقها هذا الرجل متهكماً على داعش بعد انسحابه السريع من تدمر.
فقد أعدم داعش ثمانية أشخاص يوم الجمعة 2 نيسان في بلدة "المنصورة" الواقعة على أوتوستراد حلب-الرقة ثم قام بصلب جثثهم على أعمدة الإنارة على طول الشارع الرئيس في البلدة في ريف الرقة الغربي. والتهم الموجهة لهؤلاء جميعاً هي السلب والسرقة وانتحال صفة عضو في داعش بقصد الاحتيال والنهب.
كما أعدم داعش يوم السبت الماضي 3 نيسان الشاب "منزل عقيل المحمد"، من سكان مزرعة حطين القريبة من مدينة الرقة بتهمة "تصوير مواقع وإعطاء معلومات للتحالف الصليبي تسببت بقصف وقتل المسلمين". وكذلك قتل الشاب "أمين سرور" وصلبه في حي "المشلب" شرق مركز المدينة بتهمة التجسس على تنظيم داعش لصالح التحالف الدولي.
ويوم أول أمس وفي ساحة شارع تل أبيض، وتُعرف شعبياً باسم دوار الدلة، قتل داعش شخصين عُرف اسم أحدهما من خلال نص حكم الإعدام المعلق على جثته المصلوبة الذي جاء فيه: "الجاسوس أحمد سامر شعبان، عميل للتحالف الصليبي، قام بإعطاء معلومات ومواقع، تسببت بقتل وقصف المسلمين". كما قام يوم أمس الأول 6 نيسان بإعدام ثلاثة شباب آخرين في مدينة الرقة هم: علاء محمد باسل عودة ومحمد خلف العلي ونور الدين حمد إسماعيل، بتهمة العمالة للنظام.
ويُرجح أن تزداد ممارسات التنظيم وحشية خلال الأيام والأسابيع القادمة بالتزامن مع اندحاره وتراجع قدراته وفقدانه لسطوته وهيبته أمام القوى الأخرى على الأرض في سورية، وخاصة مع تحول معظم الأطراف على الساحة السورية إلى استراتيجية محاربة الإرهاب وجعل داعش في أولوية أجندات هذه الأطراف لما تحققه لها من مكاسب جيوسياسية ودعائية.