أخبار الآن | ريف حماة – سوريا (وضحى العثمان)

كفرزيتا أوعنقاء الثورة كما يسميها الناشطون، تقع إلى الشمال الغربي من مدينة حماة على بعد ثمانية وثلاثين كيلومترا عن مركز المدينة، وتتبع إداريا لمنطقة "محردة"، وبحسب آخر احصائية أجريت قبل الثورة بلغ عدد سكان البلدة 27800 نسمة.

استمدت كفرزيتا اسمها من شهرتها بزيت الزيتون، إضافة لشهرتها القديمة بمصابيح الزيت إذ كانت تعرف قديما باسم الزيتية.

كفرزيتا الثورة

وحين بدأت صيحات الحرية تعلو من درعا وحمص لبت كفرزيتا النداء لتنطلق أول مظاهرة فيها بتاريخ 22/4/2011 من مسجد أبي بكر الصديق، هتف فيها المتظاهرون للحرية وطالبوا بإسقاط النظام. وقد تميزت بمظاهراتها المنظمة ودعت إلى اللحمة الوطنية والتعايش كونها جارة لقرى وبلدات متعددة الطوائف، ولعل مظاهرة "جمعة النصر لشامنا ويمننا" في 30/9/2011 كانت نقطة التحول، حيث ارتقى في هذه المظاهرة سبعة شهداء وأصيب خمسة وتسعون من المتظاهرين العزل نتيجة استهداف قوات النظام لهذه المظاهرة بالرشاشات والبنادق، الأمر الذي دفع العسكريين من أبناء هذه البلدة للانشقاق عن النظام والانضمام لما عرف وقتها بـ "حركة الضباط الأحرار".

بذلك بدأ الحراك العسكري لتكون البندقية حارسة للحنجرة الصادحة بالحرية وحامية لها، وكان ذلك في 1/10/2011 حيث قام عدد من الشبان المنشقين بالرد على المجزرة التي وقعت واشتبكوا مع قوات النظام. وعلى الرغم من الفارق الكبير بالسلاح والعتاد فقد استطاعوا قتل عدد من قوات النظام. وكعادته فقد اعتاد النظام أن يثأر من المدنيين الذين كانوا يعانون من المداهمات وما ينتج عنها من سلب ونهب وحرق للبيوت واعتقالات تعسفية.

تشكيل جسم عسكري والتحرير

وبعد ممارسات النظام المتكررة بحق المدنيين تم تشكيل جسد عسكري عرف باسم "كتيبة الفتح" بقيادة النقيب المنشق "أسامة خالد الواصل" وانضوى تحت لوائها 12 ضابطا منشقا وعدد من الجنود المنشقين، وباشروا العمل العسكري حاملين على عاتقهم مهمة تحرير الأرض وحماية المدنيين ومقسمين على مواصلة النضال.

كانت كفرزيتا تلتف بعلم الثورة جهرا رافضة وعد النظام تارة ووعيده تارة أخرى، واستمرت بالتظاهر رغم وجود قوات النظام فيها. فمرة تغني لدرعا ومرة تضمد جراح حمص، ولهذا صعد النظام ممارساته ضد أهل البلدة فتارة يمنع التجول وتارة يقنص المدنيين، فأصبح تحرير البلدة أمر لابد منه، وتم ذلك في 2/6/2013 بعد معركة دامت أربعة أيام تكبد فيها النظام خسائر فادحة بالأرواح والعتاد ورفع علم الثورة في المربع الأمني؛ الأمر الذي دفع النظام ليصب حقده على البلدة وأهلها حارقا بصواريخه حتى شجر الزيتون الذي لم تشفع له قدسيته الدينية ولا رمزيته للسلام، فقصف البلدة بالبراميل المتفجرة وبالصواريخ العنقودية والفراغية ثم بغاز الكلور السام مرتكبا مجزرة بعد أخرى ليعلن المجلس الوطني للثورة كفرزيتا بلدة منكوبة.

كفرزيتا اليوم

على أصوات الانفجارات ووقعها كانت الحياة تحاول أن تشق طريقا وسط بحر من الموت، فأكثر أهالي البلدة نزحوا ووقعوا تحت سياط الشوق والألم ومرارة النزوح، ولكن بعض أبنائها رفض مفارقة الديار رغم يقينه بالثمن الباهض الذي قد يدفعه. وأمام صمود البعض فقد تشكل "المجلس المحلي" لتأمين احتياجاتهم وخدمتهم، وعادت المدارس لتفتح أبوابها ولكن هذه المرة في ملاجئ أو في مغاور تقي الأطفال من حمم الطيران.

لم تقتصر الثورة في كفرزيتا على أنها حنجرة صدحت ثم بندقية حمت وحررت، فهي بلدة أخرجت الكثير من الأطباء والمهندسين والمعلمين والذين بدورهم لم يتوانوا عن أداء واجبهم الإنساني، ورغم قصف النظام لمشفيي كفرزيتا فإن هذا لم يمنع الأطباء من تشكيل مشفى جديد للاستمرار في إنقاذ الجرحى ورعاية المرضى فاستهدفه النظام عدة مرات وكان آخرها منذ حوالي الشهر حين استهدف مدير المشفى ورئيس صحة حماة الحرة الدكتور "حسن الأعرج". ولعل قيام المجتمع المدني ومحاولاته المتكررة بالنهوض كان ضربة موجعة للنظام الذي اعتقد أن قصفه اليومي لهذه البلدة سيوأد أية محاولة للحياة فيها، فاستهداف المشافي والمدارس والأفران خير دليل على هذا، يقول "محمد" مهندس من كفرزيتا: "عظمة هذه الثورة أنها ليست مجرد بندقية، فلو أنها مجرد بندقية لكانت قاطعة طريق، إنها مبضع طبيب وقلم مدرس وصوت متظاهر".

ومن بين أبناء هذه البلدة شبان أرادوا أن يعرف العالم حقيقة هذا النظام، فتسلحوا بالكاميرا الحرة وراحوا يغطون ما يجري من مجازر وفظائع يرتكبها النظام، ولأن النظام يكره الحقيقة ويرى فيها فضيحة ووصمة عار على جبينه، فقد استهدف مكتب قناة الآن استهدافا مباشرا.

بلغ عدد شهداء كفرزيتا ثلاثمئة وخمسين شهيدا، وعدد المعتقلين 300. أما نسبة الدمار فتتراوح بين 90 و95%، ولاتزال كفرزيتا تحاول الحياة رغم براميل الموت وصواريخه فأطلق عليها لقب العنقاء.