أخبار الآن | أوربا – متابعات (يمنى الدمشقي)
"مهرّب الألعاب" كما يدعوه البعض أو "عمو ألعاب" هكذا بات يدعوه أطفال المخيمات منتظرين بشغف رحلته إليهم كل شهرين محملاً بالألعاب والهدايا من "فنلندا". ولأن الألعاب أكثر شيء بات يفتقده الأطفال في الحرب آثر الرجل الأربعيني أن يكرس حياته لإدخال البهجة إلى قلوب أطفال لطالما بات العبث ببقايا القنابل والمتفجرات لعبتهم الوحيدة.
"رامي أدهم" هو بطل هؤلاء الأطفال وصديقهم المنتظر، لا يتنكر بثياب حمراء ولا يطيل ذقنه البيضاء فيكون أشبه ببابا نويل فيجهل الجميع من هو، بل هو شخص مثلهم خرج من المأساة التي عاشوها وعمل جاهداً كي يرسم بسمة على قلوبهم.
المهرّب رامي
أما لماذا بات البعض يدعونه بمهرب الألعاب فلأن الحكومة التركية كانت قد أغلقت حدودها رسمياً مع سوريا في منتصف 2015 وبات الدخول إلى سوريا وإيصال الدعم محصوراً بطرق التهريب، ورغم وعورة هذه الطرق والإجراءات فإن رامي لم يتخلى عن محاولاته المستمرة بإدخال البسمة إلى قلوب هؤلاء الأطفال.
رامي أدهم هو شاب في 44 من عمره، من مدينة حلب حاصل على الجنسية الفنلدية، هاجر في سنة 1988 من سوريا متجهاً نحو فنلندا، لم يكن حينها قد تمكن من الحصول على تأشيرة للدراسة فباشر العمل بقطع الأشجار لمدة سنتين، إلى أن تمكن من الحصول على إقامة ثم درس الشهادة الثانوية ودخل الجامعة اختصاص هندسة عمارة للمشاريع المائية كالجسور والسدود، تزوج بعدها وأنجب ستة أطفال.
لطالما عارض رامي نظام الأسد وبالإضافة إلى أن النظام السوري ديكتاتوري سياسياً فقد عانى رامي من ديكتاتورية أخرى جعلت حقده مضاعفاً عليه، ألا وهي الديكتاتورية الاقتصادية، فبعد أن تمكن رامي من تأسيس عمل له في فنلندا عاد عليه بالربح الكثير آثر فتح مشاريع اقتصادية في البلد أبرزها كان مشروع استيراد وتصدير للمكملات الغذائية الخاصة بالرياضيين، مستعيناً بذلك من علاقاته الواسعة مع رياضيين عالميين مثل "روني كولمان وفيل هيث وروني روكل ودوريان ياتس" فتمكن من تأسيس شركة لهذه المنتجات بوكالة ألمانية وفرض عليه النظام مشاركته وكان من المستحيل لأحد أن يرفض مثل هذا الموضوع، لكن ما إن وصلت الشحنة الثالثة من المنتجات حتى كانت الثورة قد اندلعت وتزامن ذلك مع ازدياد القيود من النظام السوري عليهم.
مشاريع للأطفال في المخيمات
وفي لقاء مع أخبار الآن يقول رامي: "ما إن اشتعلت الثورة في تونس حتى كنت أنتظر اليوم الموعود لها في سوريا، وبعد مرور شهرين على اندلاعها كنت أحد المدعوين للحديث عنها عبر التلفزيون الفنلدي، ومع ازدياد المجازر والانتهاكات بات من غير المقبول أن نظل مكتوفي الأيدي، وتوجب علينا الخروج من دائرة المتفرج إلى دائرة العمل، تمكنت مع مجموعة من الشباب من تأسيس الرابطة السورية في فنلندا ووسعنا نشاطاتنا التي شملت تنظيم الاعتصامات وجمع التبرعات، كنت قد ادخرت شخصياً مبلغ 5000 يورو للذهاب إلى سوريا والاطلاع على أوضاع الناس هناك، زرت باب الهوى وغازي عنتاب ومناطق أخرى حدودية واطلعت على حجم المأساة السورية، كان الوضع مزرٍ جداً، الأهالي يعيشون تحت شجر الزيتون، وثقت ما رأيت بعيني وصورت ما استطعت من مشاهد بالفيديو وعدت بها إلى فنلندا لأطلع الشعب هنا على فداحة ما خلفت الحرب على السوريين، فكان هناك الكثير من المتبرعين، وهنا بدأت الزيارات تتكرر، فتمكنت في المرة الثانية من جمع مبلغ 9000 يورو وأقمنا بها مشروعات صغيرة على الحدود في أطمة وقاح، كحفر الآبار ليتمكن الناس من تأمين حاجياتهم اليومية وتأسيس الخيم، كانت عيون الأطفال أمامي تحكي ألف حكاية وحكاية".
ويتابع رامي: "ربما حرم الأطفال في هذه الحرب من أبسط شيء في حياتهم، حرموا من اللعب ومن طفولتهم، ولأن هؤلاء اللاجئين لم يكونوا يحتاجون فقط للأرز والزيوت والمعكرونة، كان جديراً بنا أن نرى ما يحتاج الأطفال أيضاً، في النهاية أنا أب ولدي أطفال وأتفهم جيداً كيف يفرح طفل إذا أهدي لعبة، فبت أجمع الألعاب، أعطتني ابنتي في البداية 80 لعبة من خاصتها، ثم بت أراقب الأسواق التي تبيع اللعب المستعملة والتي تبدو جديدة، أشتريها ثم ننظفها ونضعها في أكياس مسحوبة الهواء وكلما تجمع لدي شحنة أو مجموعة من الألعاب وتجمع لدي بعض النقود، أذهب إلى سوريا أو إلى مخيمات اللاجئين ونوزعها على الأطفال هناك، نأخذ معها ما يزيد عن 30 صندوق شوكولا وبسكويت، حتى بات الأطفال يدعونني عمو ألعاب أو قائد كتيبة الألعاب، وعندما أدخل بسيارة الشحن إلى سوريا يركض جميع الأطفال نحوي ونلعب سوية وكأنني منشق عن الجميع ومنضم لحزب الأطفال والألعاب".
أما عن تمكنه من توريد هذه الألعاب في المطارات دون مساءلة يقول رامي: "في المرة الأولى صادفت بعض المعوقات لكنها مرت بسهولة، وفي المرات التالية وعندما بت معروفاً وزبوناً دائماً لدى شركة الطيران تقبلوا الأمر بصدر رحب، بل باتوا يغضون النظر عن الكيلو غرامات الزائدة معي".
اليوم بنى رامي علاقة طيبة جداً مع الأطفال النازحين واللاجئين فمشروع الألعاب أضيف له مشروع دعم الأيتام الذين بلغ عددهم 418 يتيما، كما تمكن بمساعدة رابطته من تأسيس ثلاث مدارس سورية على الحدود لأكثر من 1800 طفل، وأنهى رامي حديثه بقصة نور قائلاً: "نور قلعجي طفلة من أطفال المخيمات، فوجئت عندما جاءت إلي محتفظة بعشرات الألعاب التي خبأتها وقالت لي هامسة مرة "هي منك، ورح ضل محافظة عليها".