أخبار الآن | غازي عنتاب – تركيا (حازم الحسين)
لا تعرفها إلا من شكلها المعماري وتكاد تخلو من أهلها سوى بعض الصدف القليلة لأحد منهم يمشي في شوارعها؛ ملتحياً رافعا إزاره فوق كاحله، بعد أن احتلها داعش واحتل ساكنيها وبيوتهم.
"كأنك في غربة": هكذا يقول صوت قادم من الرقة بعد عامين وتسعة أشهر من احتلالها.
مسافة تقدر بخمسة كيلومترات أمشيها يومياً في شوارع المدينة لشراء حاجيات المنزل، أرى خلالها 50 شخصاً، أكثر من 35 هم من جنسيات أجنبية "جزراويون، مغاربة، أفارقة، روس بكل أعراقهم، أوربيون وآسيويون" هؤلاء جميعهم يسكنون في الرقة. لكن أين؟ يسأل "أحمد" القادم من الرقة حديثاً ويجيب أيضاً.
سياسة الاحتلال الداعشية
بدأ داعش سياسية الاستيلاء على المنازل منذ احتلال الرقة وكانت تقتصر على بيوت الثوار المدنيين والعسكريين بعد طردهم، وذلك في الإطار الشرعي الذي يتيح لهم استحلال أموال وممتلكات المرتدين، حسب وصفه. لكن ما إن تطور هذا الحال بعد تدفق المهاجرين وعائلاتهم إلى المدينة حتى أصبحوا يقيمون في المدارس وبعض المراكز الحكومية ما سبب أزمة سكنية داخل المدينة خصوصا أن الاهالي لم يغادر منهم إلا جزء قليل وذلك قبل تضييق الخناق عليهم.
يتابع "أحمد" الموظف في إحدى الدوائر الحكومية سابقاً، أن أهالي الرقة الباقون حالياً هم من أصحاب الدخل المحدود ولا قدرة لهم على السكن خارجا "تركيا" أو حتى مناطق النظام خشية الاعتقال بسبب انتمائهم للرقة، بالإضافة لعدم قدرتهم على تكاليف الهجرة إلى أوربا؛ التي لم تعجب حال الكثير من الرقيين المهاجرين هناك.
يضيف "أحمد" أن داعش اتخذ سياسية "الاستيلاء" على المنازل بحجج واهية كثيرة لأي شخص "مرتد أو مؤمن" يقطن في الأحياء الواقعة وسط الرقة، حيث بدأ بإسكان المهاجرين في كل منزل فارغ مطالبا صاحبه بالحضور فوراً والإقامة فيه، ودون ذلك سيكون تحت تصرف مكتب العقارات الذي بدوره يقول أن هؤلاء "مهاجرون" جاؤوا لنصرتنا ويجب علينا أن نسكنهم في قلوبنا، حتى وصل الحال بأهل الرقة للقول بأنه لو يوجد في الرقة منزل لأحد الصحابة لأخذه داعش بتهمة الردة أو الهرب إلى بلاد الكفر وغيرها من التهم.
ومن خلال البحث عن أشخاص استولى داعش على منازلهم، يثير دهشتك حين تسمع أن منزل أحد أبرز القادة العسكريين في الرقة لا زال فارغاً ولم يقترب داعش منه كونه في منطقة شعبية لا تصلح للسكن، بالإضافة لآخرين يقاتلون في كتائب وألوية تابعة للجيش الحر حيث كبدوا داعش خسائر فادحة سواء في معركة الرقة في بداية عام 2014 أو في جبهات أخرى بريف حلب الشرقي.
وتحدث "ي.ع" وهو قيادي سابق برز اسمه في جبهة النصرة إبان معركة الرقة، أن عناصر داعش المهاجرين والأنصار منهم لا يحبون السكن إلا في أحياء الرقة الفاخرة غربي المدينة والتي تشتهر بقصورها، واستيلائهم على هذه المناطق لضمان سلامتهم من أي خلايا نائمة قد تتواجد في الأحياء الشعبية الفقيرة التي ينتمي إليها كثير من العسكريين وقادتهم.
ويضيف القيادي أن الفتاوى الشرعية التي يطلقها داعش هي شكلية للالتفاف على الدين وتجنب الصدام مع المهاجرين ولزيادة استقطابهم وتوفير كل ما كانوا يحلمون به من منازل وسيارات بالإضافة للرواتب العالية.
توزع الدواعش في أحياء الرقة وخصائصهم
وفي حديث آخر مع عدد من مدنيي الرقة الفارين إلى تركيا، تبين أن إقامة الدواعش في وسط وغربي المدينة تتجاوز الـ 50% في حين تتضاءل هذه النسبة في المناطق الشمالية والجنوبية والشرقية "تعتمد هذه الإحصائية على مقابلات مع 30 شخصاً خرجوا حديثا من الرقة".
ويضيف الأهالي أن كافة عناصر داعش المقيمين في الرقة هم من الجرحى والمرضى أو ذوي الاحتياجات الخاصة، حتى تم تسميتها "بمركز النقاهة أو مدينة السياحة الجهادية" مؤكدين أن أي قوة عسكرية منظمة تستطيع السيطرة عليها خلال أيام وذلك لعدم وجود مقاتلين فيها بعد زجهم في جبهات القتال ومقتل أعداد كبيرة منهم بعد أكثر من عامين على بدء عمليات التحالف الدولي. مشددين على رفض تام لدخول أي قوات غير عربية للمدينة بعد تجارب عدة في مدن مجاورة لاقت بعد تحريرها الأمرّين بعد حملات تهجير ممنهجة بحق العرب ومكونات أخرى.