أخبار الآن | لبنان – (هيومن رايتس ووتش / خاص)
صدر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقرير صادم تحدثت خلاله عن حجم الانتهاكات التي تحدث بحق الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان خلال دراستهم في المدارس الرسمية اللبنانية، وقد جاء في هذه الدراسة التي صدرت في شهر تموز من هذا العام شهادات لطلاب سوريين مع ذويهم تحدثوا خلالها عن انتهاكات حصلت بحق الأطفال وصلت إلى حد التحرش الجنسي والضرب الجسدي، وقد أصدرت المنظمة دراستها تحت عنوان "إنقاذ جيل من الضياع في لبنان يكبرون بلا تعليم" حيث جمعت مئات الشهادات من مختلف المدارس اللبنانية التي يتعلم بها السوريون.
وكما هو معروف فإن التعليم الرسمي اللبناني يعاني سوءاً كبيرا في الأداء وضعف في تقديم العلم لأبناء البلد نفسه لدرجة أن نسبة الاطفال اللبنانيين الذين يرتادون المدارس الحكومية اللبنانية لا تتجاوز 30% بسبب ارتفاع نسبة الرسوب والتسرب المدرسي وضعف الأداء الحكومي والتعليمي في تلك المدراس.
أما بما يخص الأطفال السوريين "بحسب التقرير" فإن من تتراوح أعمارهم بين 15 و 18 سنة في العام 2015 -2016 وعددهم حوالي 82.744 طفل لم يسجل من في المدراس اللبنانية سوى نسبة لا تتجاوز 3% فقط.
عدم التزام السلطات اللبنانية بسياسات التعليم
تتلقى السلطات اللبنانية حجما كبيرا من المساعدات الدولية لتعليم الأطفال السوريين في مدارسها، وبالمقابل تحارب المدراس الخاصة التي تم إنشاؤها على أيدي السوريين في لبنان والتي يقدم أغلبها التعليم مجاناً للاطفال، وتحاول منع التمويلات عنهم وتمنعهم من تقديم الشهادات وتفرض عليهم أن يكون التعليم عبر المدارس الرسمية التابعة للدولة اللبنانية، وهو ما يجعلها مرغمة "لكونها فرضت هذا الحجم من التضيق على المدارس السورية" على استيعاب أكبر قدر ممكن من الطلاب السوريين، إلا أنها لا تستوعب إلا قسماً صغيرا جدا وتمنع الغالبية من التعليم تحت الحجج التالية "التي أوردها تقرير هيومن رايتس وتش" حيث يقول التقرير:
حيث إن بحسب نظام التسجيل وحسب ماهو متفق عليه مع الأمم المتحدة فإنه لا تشترط المدارس اللبنانية على اللاجئين السوريين أكثر من بطاقة هوية وصورتين شخصيتين والشهادات الدراسية المدرسية للسنتين السابقتين، ولا يشترط بطاقة لأهل الطلاب سارية المفعول (وهنا المقصود أوراق الإقامة التي تفرضها الدولة اللبنانية على اللاجئين السوريين والتي يعاني السوريون الأمرّين للحصول عليها وغالبا لا يحصلون عليها بسبب التعقيدات) ولا يشترط أيضا دفع رسوم لكون تعليم الأطفال ممول من قبل جهات مانحة للدولة اللبنانية، لكن هيومن رايتش ووتش وجدت من خلال دراستها أن بعض مديري المدارس يطلبون من اللاجئيين السورين إبراز مجموعة من الوثائق الإضافية، فمثلاً:
41 عائلة قالت إن مسؤولين في المدارس طلبوا منها وثائق اضافية ( كالإقامة وغيرها)
16 عائلة طلبت منها وثائق إقامة سارية
24 عائلة طلب منها وئائق تسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة
18 عائلة طلب منها وثائق تتعلق بالصحة
13 طلب منها وثائق تتعلق بالإقامة أيضا من المختار.
بالاضافة إلى العديد من الوثائق التي يصفها الأهالي بالتعجيزية والتي تحول دون ذهاب أطفالهم للتعليم، كما أن بعض المدارس طلبت من الأهالي رسم تسجيل بقيمة 80$ على الطفل الواحد رغم أن الاتفاق ينص على أن لايدفع الطلاب أية مبالغ.
المضايقات والتحرش والعقاب الجسدي
حول هذا الموضوع يذكر التقرير التالي: "يتعرض الأطفال السوريون للمضايقة والتحرش في طريق المدرسة وداخل الفصل من قبل المارة والأطفال وسائقي الحافلات والمدرّسين وموظفي إدارة المدرسة. قالت 30 عائلة لـ هيومن رايتس ووتش إن أبناءها تعرضوا للمضايقة والتحرش، لأسباب منها جنسيتهم، وقالت 9 عائلات إن أطفالها تعرضوا لاعتداءات جسدية من قبل أطفال آخرين، حدث لاجئون وعمال إغاثة عن حالات متعددة عن أطفال لبنانيين بقوا في المدرسة بعد انتهاء الدوام الصباحي للتحرش بالأطفال السوريين الذين يدرسون في الدوام المسائي".
وقد خلصت دراسة أجرتها جامعة لبنانية في 2016 إلى أن 33% من العيّنة المستجوبة واجهوا "مشاكل في المدرسة" بشكل مستمر أو في بعض الأحيان فقط. حتى الأولياء السوريون يواجهون تمييزا في المدارس اللبنانية. قالت ابتسام (31 عاما) إن مسؤولين في المدرسة قالوا للأولياء السوريين، أثناء فترة التسجيل، إنهم "يتصرفون كالحيوانات".
وحول العنف ضد الطلاب تقول غصون (31 عاما) إن سائق إحدى الحافلات يضرب أطفالها ويصرخ عليهم، ولما تحدثت إليه قال لها إن عنده "أمرا بضربهم".
وقد عاشت غادة، وهي أيضا لاجئة في نفس المخيم في سهل البقاع، تجربة مماثلة. قالت: "أمسك سائق الحافلة ابني، وألقى كتبه من الشباك، وضربه على رأسه بعصا. قال السائق إن لديه أمرا بضرب الأطفال".
ويدفع التحرش بالأطفال السوريين إلى الانقطاع عن الدراسة. قالت مريم (45 عاما) إن زوجها أخرج طفليهما (14 و15 عاما) من المدرسة بعد سنتين بسبب التحرش. كما يتعرض أطفالها الأربعة الآخرون للتحرش في مدرستهم الحكومية. قالت: "يسيرون لمدة نصف ساعة ليصلوا إلى المدرسة، فيلاحقهم الأطفال اللبنانيون ويضربونهم ويسلبون مالهم". قال ابنها ساجي (11 عاما): "أشعر بالحزن والغضب. أطفال الدوام الصباحي ينتظروننا أمام المدرسة، والمدير لا يفعل شيئا".
وعبرت حليمة (30 عاما) عن قلقها من المعاملة التي تلقاها ابنتها إيمان (12 عاما). قالت:
"أطفالي يكرهون المدرسة، ولا يرغبون في الذهاب إليها. الناظر يدوس على أرجلهم ويسحبهم من شعرهم. لا يوجد أي احترام للطالب أو الأهل. [المعلمون] يهينون الأطفال في الفصل، ويصفونهم بالبقر والحمير. المعاملة المختلفة التي يلقاها الأطفال السوريون تجعلهم عقولهم تنغلق".
قابلت هيومن رايتس ووتش عديدا من العائلات التي انقطع أبناؤها عن الدراسة في مدارس حكومية – أو أخرجهم أولياؤهم منها– بسبب العقاب البدني. قال خليفة (8 أعوام) إنه درس في مدرسة حكومية لمدة شهر، ثم انقطع عن الدراسة بسبب الضرب.
"ضربني [المعلم] على رجلي. درست شهرا واحدا فتعرضت للضرب … وضعوا قطعة خشبية على رأسي وضربوني عليه. ضُربت 10 مرات في المدرسة. ضربوا الفتيات أيضا … بعد شهر قلت لوالدتي إنني لا أرغب في الذهاب إلى المدرسة".
قالت غصون (27 عاما) إنها تتجادل مع زوجها بشأن إخراج أطفالهما من المدرسة لأنهم تعرضوا للضرب بشكل متكرر:
"طرحت ابنتي سؤالا [أثناء الدرس] فضُربت … ابني آدم (6 أعوام) ضُرب أيضا على رقبته، عاد إلى المنزل وعليه آثار زرقاء. يُضربون بخرطوم مياه وعصا مكنسة".
وقد وجدت دراسة أجرتها اليونيسف وإنقاذ الطفولة في 2012 أدلة على وجود حالات عقاب بدني في 70 بالمائة من أصل 27 مدرسة زارتها.
التحرش الجنسي
تواجه الفتيات التحرش، بما في ذلك التحرش الجنسي، في طريقهن إلى المدرسة، ما يتسبب في تراجع نسب التسجيل وانقطاعهن عن الدراسة في بعض الأحيان. قالت وفاء (32 عاما): "بعضهم عرض المال على بناتي من أجل الجنس، يحصل ذلك في الطريق إلى المدرسة. أنا أخشى أن أرسلهن حتى للسوق. أنا خائفة على بناتي".
وثقت هيومن رايتس ووتش عدة حالات لعائلات أبقت بناتها الأكبر سنا في البيت ولم ترسلهن للمدرسة بسبب مخاوف تتعلق بسلامتهن، مثل التحرش الجنسي. يحصل ذلك خاصة في الحالات التي تضطر فيها الفتيات للمشي في وقت متأخر عائدات من المدرسة لأن أولياء أمرهن لا يستطيعون توفير مصاريف النقل. قالت خديجة إنها أخرجت ابنتها مريم (15 عاما) من المدرسة بعد أن أنهت الصف السادس في لبنان. قالت: "لم أشعر أن ابنتي آمنة. إن كان يوجد نقل من البيت إلى المدرسة، ربما شعرت بالارتياح وتركتها تذهب إلى المدرسة".
سوء التعليم
حول سوء التعليم يتحدث تقرير هيومن رايتس ووتش التالي: "سوء نوعية التعليم قد تؤثر أيضا على مواصلة الأطفال دراستهم، حيث يوجد اتساق بين ما قالته العائلات وما خلصت إليه دراسة أجرتها جامعة لبنانية بين ديسمبر/كانون الأول 2015 وفبراير/شباط 2016 من أن 20% من الأطفال السوريين ليس لديهم كتاب ومستلزمات مدرسية. حيث قالت عائلتان من العائلات التي قابلناها إن المعلمين يُمضون الوقت في كتابة رسائل نصية على هواتفهم الخلوية ولا يهتمون بالطلاب.
كما أن أغلب معلمي الدوام الثاني يُدرّسون في الدوام الأول المخصص للاطفال اللبنانيين، ولذلك فهم منهكون ويعملون فوق طاقتهم، ما يتسبب في انخفاض جودة الدوام الثاني الخاص بالطلاب السوريين والذي يتسم أيضا بانخفاض الجودة بسبب الاختلاف في المستويات والقدرات داخل الفصول. العديد من معلمي الدوام الثاني ليس لديهم مؤهلات لتدريس بعض المواد. الأولياء قلقون من انخفاض جودة ومستوى التعليم.
حواجز أمام المُدرّسين السوريين
لا يسمح لبنان للاجئين السوريين بالعمل كمعلمين في المدارس الحكومية، وهو حل من شأنه تخفيف العبء على نظام التعليم الحكومي. كانت مريم (34 عاما) معلّمة لغة إنكليزية في سوريا. قالت: "ذهبت للمدرسة الحكومية هنا بحثا عن عمل، ولكن الوزارة تسمح بعمل المدرسين اللبنانيين فقط. كل الجهد الذي بذلته في سوريا راح سدى".
بعض الدول الأخرى التي استقبلت لاجئين سمحت – بدرجات متفاوتة – للسوريين بالتدريس. اعتمدت تركيا على مدرسين سوريين لتدريس عدد أكبر من الطلاب، حيث يوجد أكثر من 4 ألاف مدرّس متطوع يحصلون على راتب يتراوح بين 150 و220 دولار شهريا، يُصرف من المنح الدولية. في مصر أيضا يوجد 2000 معلّم يعملون في مراكز تعليم يُشرف عليها اللاجئون. وفي الأردن، يوجد حوالي 200 متطوع سوري يعملون في مخيمات اللاجئين تحت اشراف مدرسين أردنيين معتمدين من قبل وزارة التربية والتعليم.
رابط الدراسة الرئيسي الصادر عن المنظمة: