أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (غرفة الأخبار)
سؤال يطرح نفسه، حول أسباب انهيار تنظيم “داعش” الإرهابي، بين من يرجعه إلى هزائمه الميدانية في أكبر معاقله في العراق ثم سوريا، ومن يعزو الأمر إلى شح موارده من الأموال والذخائر.
لكن، في ظل تقهقر التنظيم الإرهابي، يتساؤل العالم حول ما يجري داخل “داعش”، ماذا تبقى منه، بعد توالي هزائمه في العراق وسوريا؟
الزميل عبيد أعبيد، من غرفة أخبار الآن يحيطنا بأبرز الانشقاقات الحاصلة داخل التنظيم الإرهابي.
الصراع حول المناصب
في الـ28 من مايو /أيار الماضي، فجر قيادي كبير منشق عن “داعش”، وهو “سعد الحنيطي”، أسرارا عن كون التنظيم “بات على وقع حرب داخلية بين قيادييه”.
“الحنيطي” أردني الجنسية، قال مبررا انشقاقه عن التنظيم الإرهابي، إن خروجه جاء بعد فشل بناء”الخلافة” المزعومة في العراق وسوريا، والتي تعود إلي أسباب عدة، أبرزها تولي العراقيين مناصب الصفوف الأولى، دون سند علمي، وتولى بعضهم مناصب شرعية دون أن يحسن أحدهم قراءة الفاتحة، بحسبه.
وأكد ان هزيمة “داعش”، جاءت من الداخل أكثر من الخارج، بعد شن حملة اعتقال “الفقهاء” العراقيين، وإصدار فتاوى تبيح قتلهم، دون استثناء حتى من يوجد منهم بداخل سجون “داعش”. وهي الفتوى التي أصدرها وزير إعلام التنظيم “أبو محمد فرقان” في 2016، وأثارت انتقادات عنيفة في صفوف عناصر التنظيم.
وقال “الحنيطي”، أيضا “فقهاء” التنظيم العراقيين، “يفتقدون لأبسط قواعد العلوم الشرعية والفقهية، وهو ما تسبب في حدوث مشاكل عديدة، ومحاكمة الرافضين لتلك السياسة المتبعة، واصفا إياها بـ”القبلية المقيتة”.
حروب “ثأر” داخلية
وفي مستهل مارس /آذار 2016، نشبت حرب ثأر داخل التنظيم الإرهابي، بين زعامات عراقية و73 هولنديا، أغلبهم من أصول مغاربية، انتهت بـإعدام 8 من الهولنديين، واعتقال 65 الآخرين داخل سجون “داعش”.
وبحسب معطيات نشرتها حملة “حلب تذبح في صمت”، يعود سبب هذا الاقتتال بين عناصر “داعش”، إلى اعتقال الجهاز الأمني للتنظيم، تقوده قيادات عراقية، لهولندي اشتبه في تخطيطه الهروب، وتعذيبه حتى الموت.
ما دفع باقي زملائه الهولنديين، إلى الدخول في مواجهات مسلحة مع قيادات عراقية. لتتدخل قيادة التنظيم لإرسال مندوب الى الهولنديين لحل الخلاف معهم، لكنهم أقدموا على قتله “ثأرا” لزميلهم الذي قضى خلال توقيفه.
وعلى خلفية ذلك، صدر أمرا من قيادة التنظيم في العراق، باعتقال جميع المقاتلين الهولنديين، قبل أن يتم إعدام ثمانية منهم. وسجن الآخرين.
وهنا تظهر حالة التخبط والمواجهات الداخلية التي أنهت تنظيم “داعش”، من الداخل قبل الخارج.
خيانات جماعية
عامل آخر يفسر تقهقر تنظيم “داعش”، يعود إلى الخيانات الكبرى التي وقعت في صفوف التنظيم، وسعي زعيم التنظيم المختفي، أبو بكر البغدادي، إلى الانتقام.
ففي أكتوبر /تشرين الثاني الماضي، أمر البغدادي بإعدام أكثر من 300 من عناصره، بسبب الاشتباه في خيانتهم له، عقب الهزائم المدوية له في الموصل.
وضمن الذين أعدموا، قيادات مهمة في التنظيم، منهم أبو البراء الأنصاري، سيف الدين العراقي، أبو عثام التل عفري، أبو إيمان الموحد، ومروان حديد الصوري.
ما دفع بعض مسلحي التنظيم الإرهابي، إلى الهروب إلى أماكن مجهولة، خوفاً على حياتهم، بعدما علموا بمخططات البغدادي.
ندم عناصر التنظيم
سبب آخر أسقط التنظيم من الداخل، يرجع إلى رجوع فئة عريضة من عناصر التنظيم عن غيهم وأفكارهم المتطرفة.
في أكتوبر /تشرين الأول الماضي، طالب ألماني في تنظيم “داعش”، بعد تسليم نفسه إلى “قوات سوريا الديمقراطية”، من سلطات بلاده بإعادته إلى أرض الوطن، معبرا عن ندمه الشديد للانضمام إلى صفوف التنظيم الإرهابي.
الألماني وهو من أصول مغاربية، قال انه “قد خدع بأفكار التطرف للتنظيم، مضيفا انه “لم يسبق أن قاتل في صفوف التنظيم”.
الهارب من “داعش”، قال انه واحد من مئات الأجانب المعتقلين في سجون “قوات سوريا الديمقراطية”، بتهمة القتال في صفوف داعش.
ودعا الحكومة الألمانية، إلى استرجاعه وزوجته السورية وابنه، في الوقت الذي ترفض فيه الحكومات الأوروبية عودة مواطنيها الملتحقين بـ”داعش”.
وأكد الرجل الألماني، المعتقل منذ نحو عام، على ندمه الشديد، قائلا: “لقد كنت ساذجا، ومن طبيعة البشر أن يخطئوا”، مردفا بالقول : “كل ما أريده هو أن أعود إلى حياتي السابقة في بلادي”.
وحشية التنظيم
وحشية تنظيم “داعش” الإرهابي، كانت أيضا من الأسباب الداخلية لتقهقره ونهايته، ففي الوقت الذي كان يسعى إلى فزع العالم بصوره ووحشيته، انقلب السحر على الساحر، وبدأت قيادات الإعلام الداعشي، تطلق ساقيها للريح هروبا من التنظيم.
محمد علي، كندي الجنسية، معتقل لدى قوات “سوريا الديمقراطية”، هو واحد من الشباب الأجانب، الذين صنعوا الصورة الوحشية للتنظيم على شبكة الأنترنت. يعترف في حوار صحفي مع موقع “كلوبل نيوز”، في أكتوبر /تشرين الأول الماضي، انه “تعب من وحشية التنظيم الإرهابي”.
ويقول أيضا، ضمن حوار صحفي، ان كل حلمه حاليا “العودة إلى حياتهم الطبيعية مع عائلته والعيش بإنسانية..”
محمد علي، كان يعمل ضمن فريق إعلام التنظيم الإرهابي، خاصة الناشر باللغة الانجليزية، قال انه يأس من منشورات قطع الرؤوس والدماء والقتل على منصات التنظيم الإرهابي..”.
هروب متطرفي التنظيم
وضمن نكسات التنظيم الإرهابي “داعش” أيضا، هروب المئات من عناصره، خاصة ممن قاتلوا في صفوفه الأمامية، وعرفوا بوحشيتهم على مقاطع مصورة مسربة.
“هاري سارفو”، هو واحد من هذه العناصر، ألماني الجنسية، من أصول غانية، هرب من التنظيم بعد طول فترة القتال في صفوفه، لا، بل هو واحد من عناصره المشتهرين بظهورهم في مقاطع مسربة، وهو يقود رهائن من أجل إعدامهم في مدينة “تدمر”، العام الماضي، ثم يظهر فجأة وهو يطلق النار من سلاحه على رجل مسجّى على الأرض.
“سارفو” المتابع حاليا أمام القضاء الألماني، يقدم نفسه عقب هروبه من التنظيم، كـ”مقاتل استفاق، وتبينت له الحقيقة، ورفض ارتكاب أعمال عنف”، لكنه تغاضى عن بعض المشاهد التي من الممكن أن توجب إدانته.
هروب الأجانب
أكبر عامل ساعد على تقهقر التنظيم من الداخل، هو مواصلة هروب متطرفيه الأجانب إلى مناطق خاضعة لجبهات أخرى بتسليم أنفسهم طواعية أو اضطرارا تحت نيران الذخائر.
ففي الفترة الممتدة ما بين ديسمبر /كانون الأول 2017 ويناير /كانون الثاني 2018، ألقت قوات “سوريا الديموقراطية”، القبض على مئات من متطرفي التنظيم، أغلبهم أجانب من تونس والأردن وتركيا وألبانيا وألمانيا والسويد وفرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، وذلك أثناء محاولتهم الفرار إلى تركيا.
ولم تذكر وحدات حماية الشعب الكردية متى تم اعتقال الرجال الثلاثة ، لكن صحيفة غلوبال نيوز الكندية ذكرت يوم الأربعاء أن علي ، البالغ من العمر 28 عاما ، تم القبض عليه قبل أربعة أشهر أثناء محاولته الهروب من سوريا إلى تركيا.
وكانت أغلب مهام الهاربين الأجانب في التنظيم، تنحصر في المهن والمهام التقنية والعلمية، لاسيما ما يتعلق بمجال الطب أو التكنولوجيا أو الإعلام.
ويتواجد المئات منهم اليوم، في معتقلات “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومة من قبل الحلف الدولي لمحاربة “داعش”. ولا هم مطلب لديهم، سوى مطالبة حكوماتهم الأوروبية لاسترجاعهم إلى موطنهم.
هروب الجنسيات العربية
وفي فبراير /شباط الماضي، استطاع رجال قبائل عراقيون في منطقة “تويمين”، في دير الزور، بين العراق وسوريا، إلقاء القبض على داعشيين منشقين، سعودي ومغربي.
ويُظهر الفيديو رجال قبائل يقبضون على شخصين قال أحدهما إنه من الباحة في السعودية، فيما قال الثاني إنه من المغرب، وإنهما منشقان عن داعش.
وهو ما يظهر استمرار حالة الانشقاق الحاصل في صفوف متطرفي تنظيم “داعش”، الذي صار بإسهاب كبير في السنة الأخيرة، خاصة بعد حصار التنظيم في العراق وسوريا.
صراع الأجنحة داخل التنظيم
أكبر عامل فشل يهدد التنظيم بنهايته وأفوله، الصراع الحاصل بين قطبين كبيرين فيه، الأول تيار المتشدد الذي يتزعمه “أبو مرام الجزائري”، والثاني تيار “المناهجة”، الأقل تشددا، الذي عانى من الاعدامات الداخلية، بدعوى “نشر التميع”
وإزاء ذلك، أصدرت قيادة التنظيم الإرهابي “داعش”، في سبتمبر /أيلول في العام 2017، بيانا تعلن فيه رسميا، وبشكل مفاجئ، عدولها عن جميع الفتاوى، التي سبق وعممتها، أيام سيطرتها على مساحات واسعة في العراق وسوريا.
وجاء تعميم التنظيم الإرهابي، في ذروة نزاع الجناحين القياديين فيه، بين “تيار التكفير” و”تيار المناهجة”، الذي دام عدة أشهر وشمل تصفيات بين القياديين والأتباع.
الخلافات في تنظيم “داعش”، اندلعت بعد تشكيل “اللجنة المفوضة لإدارة الولايات”، والتي كلّفها البغدادي في شهر مايو /حزيران من العام الماضي، بإدارة التنظيم والإشراف على مناطق سيطرته في سوريا والعراق، بعد أن اختفى عن الأنظار إثر اشتداد الحملات عليه من طرف التحالف الدولي.
وتفيد التقارير أن “اللجنة المفوضة” تضم 4 قيادات، هم: أبو إسحاق العراقي، وأبو حفص الجزراوي، وأبو مرام الجزائري، وعبد الناصر العراقي الذي كلف بإمارة تلك اللجنة.
وفي وقت لاحق عزل البغدادي أمير اللجنة عبد الناصر العراقي من منصبه، وكلّف عبدالله العراقي بإدارة “اللجنة المفوضة”، لكن الأخير أصدر مع باقي القيادات بيانًا بعنوان :”ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّا عن بينة”، وهو بيان مكون من 7 صفحات يتوسع في “مسألة التكفير”، لدرجة أنه كفّر قيادات التنظيم السابقين، أمثال “أبو مصعب الزرقاوي”، و”أبو حمزة المصري”، و”أبو عمر البغدادي”، لا، بل وذهب إلى حد تكفير زعيمه الحالي أبو بكر البغدادي.
اقرأ أيضا:
القصة الكاملة لانهيار “داعش” من الداخل