أخبار الآن | بيروت – لبنان (بيانات تحليلية – نسمة الحاج)
يشهد لبنان احتجاجات شعبية متزايدة لليوم الثامن على التوالي، حيث احتشد آلاف اللبنانيون في الشوارع احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية، منادين بإقالة الحكومة الحالية وتعطيل مهام رئيس الجمهورية والبرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وفق قانون انتخابي نسبي دون قيد طائفي، بهدف تشكيل حكومة إنقاذ تكنوقراطية مؤقتة بصلاحيات تشريعية من مهامها إقرار قانون استقلال السلطة القضائية وتعديل قانون المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وإقرار قانون استرداد الأموال المنهوبة.
يذكر أن تبلور مطالب المحتجين من مجرد مطالب معيشية لمطالب سياسية جاء بشكل تدريجي خلال الأيام الثمانية الماضية، تبعه اجتماع 22 مجموعة من قوى الحراك، من بينهم منظمات المجتمع المدني لتشكيل “جبهة وطنية” موحدة تعمل على التعبير عن مطالب الشارع ووضع خطة مؤسسة للتحرك خلال الفترة المقبلة.
وجاءت القشة التي قصمت ظهر الشعب اللبناني في يوم 17 أكتوبر بعدما فرضت الحكومة اللبنانية ضريبة على تطبيق “WhatsApp” ليشتعل الشارع اللبناني غضباً، وبالرغم من أن ذلك ليس هو السبب الرئيسي إلا أنه الشرارة التي أشعلت الحراك الذي ما زال مستمراً في التفاقم حتى اليوم.
ومع تزايد أعداد المتظاهرين بشكل يومي، أصيبت البلاد بحالة شلل جراء الاعتصامات والإضرابات المتواصلة، مما أودى بالكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة لإغلاق أبوابها حتى إشعار آخر مثل المصارف والمؤسسات التعليمية ، ونتيجة لذلك أطلق الجيش اللبناني عملية واسعة في أنحاء البلاد لفتح الطرقات المقطوعة باستخدام القوة في بعض المناطق، وكثف قواته في مناطق أخرى، إلا أن المحتجين قابلوا هذه العمليات بعناد وإصرار غير مسبوقين، بل حتى افترشوا الطرقات وهم يرددون النشيد الوطني اللبناني وشعارات مثل “سلمية سلمية”.
ومن جانبها حاولت الحكومة اللبنانية احتواء الاحتجاجات بإقرار إصلاحات اقتصادية غير مسبوقة بقرار من رئيس الوزراء سعد الحريري، تمثلت في:
وتميزت الاحتجاجات هذه المرة بـ”شعبيتها” في غياب تام لأي حزبية أو طائفية في الساحة الثورية، ليجتمع المتظاهرون على مطلب ر رئيسي ينص على إقالة الحكومة وبقية أركان الحكم تحت شعار “كلن يعني كلن”.
وجاء لبنان من ضمن الدول المتصدرة للمؤشرات الدولية للفساد في المركز 138 من أصل 180 دولة، وبـحاصل 28 من أصل 100 نقطة في ما يتعلق بفساد القطاع العام، وهو ما يصنفه كواحد من أشد الدول فساداً في المنطقة، بحسب مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية.
كما أشار التقرير إلى مخاوف بشأن “تمويل الأحزاب وسوء إدارة العملية الانتخابية، إذ تفتقر القوانين واللوائح المتعلقة بتمويل الأحزاب السياسية إلى بعض العناصر الجوهرية بما في ذلك معايير الشفافية والمساءلة”، مندداً بحالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها البلاد.
وارتفعت هذه المخاوف بعد انتهاء الانتخابات والعجز الرئاسي الذي أظهره رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، لتشكيل حكومة لمدة ستة أشهر بعد الانتخابات، خاصة في ظل نظام المحاصصة الطائفية الذي يسود الأجواء السياسية في البلاد.
ومن المكان الذي يقف فيه المواطن اللبناني البسيط، تتجسد معاناته في الفقر المضحل والجوع والبطالة التي يعاني منها نسبة كبيرة من الشباب اللبناني، محملين المسؤولية لجميع المنتمين للطبقة السياسية ومن يجلسون على كراسي السلطة، سواء التنفيذية (مجلس الوزراء) أو التشريعية (مجلس النواب):
إلا أن هذه الظروف الصعبة التي بات يعايشها الشعب اللبناني اليوم، لم تأت إلا كتبعات لأزمات كانت ولا زالت تنخر في هيكل الدولة الاقتصادي والسياسي منذ زمن طويل، أبرزها:
أولاً:
ثانياً:
ثالثاً:
وبجانب كل العوامل المذكورة سابقاً، يشرح لنا المحلل السياسي اللبناني محمد نمر، أنه من المستحيل إغفال دور حزب الله في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، بل حتى يؤكد أنه يمثل العامل الأكبر في الأزمة لما سببه وجوده وتفشيه في جميع مفاصل الدولة من تعطيلات للمؤسسات الحكومية بين كل حين وآخر، وفساد حلفائه، بالإضافة إلى تهربه من دفع الضرائب والجمارك واللجوء للتهريب بدلاً من اتباع الطرق الشرعية مما يؤثر سلباً على الهرم الاقتصادي.
وأما عن أثر المظاهرات على كينونة حزب الله الحالية في لبنان، فيشرح نمر، أن شعبية الحراك هذه المرة تمثل تهديداً كبيراً بالنسبة لحزب الله، إذ أنه وللمرة الأولى يفقد سيطرته على الشارع اللبناني بشكل تام حتى في المناطق التابعة له مثل بعلبك والنبطية وغيرها. نتيجة لذلك فإن تخبط حزب الله بات جلياً في محاولاته المستمرة لإفشال الحراك مثل محاولته إرسال مخربين تابعين له إلى مواقع التظاهرات والاعتصامات، أو اعتداء أتباعه على المتظاهرين، لكن هذه المرة باءت جميع محاولاته بالفشل، والفضل يعود إلى القوة الشعبية للحراك. أما إذا ما اختار التصعيد وأرسل مجموعات مسلحة لقمع الاحتجاجات فيكون بذلك يحفر قبره بيده، على حد وصف نمر.
الجيش اللبناني يمنع أنصار #حزب_الله وحركة أمل من الاحتكاك بالمتظاهرين
التفاصيل ضمن فقرات #ستديو_الآن https://t.co/1SLDsyCjhS— Akhbar Al Aan أخبار الآن (@akhbar) October 21, 2019
كما أكد نمر أن التهديد الأكبر بالنسبة لحزب الله يتمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط، فتغيير الحكومة يعني اجتزاز كل حلفاء حزب الله الموجودين حالياً وهم 19 وزيراً، بالإضافة إلى 74 حليفاً في مجلس النواب، ذلك بجانب رئيس الجمهورية. وإقالة كل هؤلاء ستُفقد حزب الله سيطرته على مفاصل ومؤسسات الدولة مثل المطار والموانئ والمعابر الشرعية التي يقوم باستغلالها لتهريب الأسلحة وغيرها. كما أنه سيتوجب على حكومة التكنوقراط دعم شرعية السلاح بشكل تام، وهو ما يخالف كل أجندة حزب الله ومن خلفه طهران، جملة وتفصيلاً.
يذكر أن هذا الحراك ليس الأول من نوعه، كحراك شعبي، إذ أنها المرة الثانية التي ينتفض فيها الشارع اللبناني في السنوات الأخيرة من دون دعوات حزبية واضحة. ومن أبرز الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية:
مصدر الصورة: AFP
اقرأ المزيد: