فأهالي هذه القرية الجبلية، ذات التضاريس الصعبة، كانوا لأجل الحصول على مياه الشفة، يُرهقون في رحلات يومية من رحلات الصيف والشتاء، يقطعون خلالها مسافة طويلة، وسط صعوبة الطقس الحار صيفاً و القارس شتاء.
كان يستغرقهم جلب الماء من “المطفية المائية” ساعات عديدة. و”المطفية المائية” هي عبارة عن تقنية لتدبير الموارد المائية، تكون على شكل صهاريج محفورة لبضع أمتار مكعبة، يتم فيها تخزين مياه الأمطار واستعمالها لتزويد السكان بالماء وسقي الماشية والضيعات الفلاحية.
لم تقتصر المبادرة الإنسانية على توفير المال، بل تعاون فريق تقني كامل، من عمال مختصين بالحفر وآخرين في تركيب المضخات وألواح الطاقة الشمسية، وأعضاء “جمعية أبواب الخير للتنمية القروية” التي يشرف عليها حسن النبوي.
بفضل هذه المبادرة، أضحت اليوم قرية تاشاكوشت تمتلك صنابيراً للمياه بمنازل سكانها، بعد عملية حفر بئر وتزويده بمضخات وألواح الطاقة الشمسية،وهو الحدث الاستثنائي الذي جعل الفرح يغمر قلوب أهل القرية.
هذا الفرح العارم الذي أمطر على تاشاكوشت ترجمه قرع الدفوف والتصفيق من طرف النساء وضحكات الأطفال وهتافات الرجال الذين لجؤوا إلى الدعاء تعبيراً عن الشكر والامتنان لما بذله المسؤولون عن المبادرة الإنسانية من جهد بمنطقتهم.
حول مدة العمل التي تطلبها الوصول إلى الماء، صرح حسن النبوي رئيس جمعية أبواب الخير للتنمية القروية المشرفة على المبادرة، لمراسلة “تطبيق خبّر” الميدانية في المغرب هدى لبهالة أن “عملية حفر البئر استغرقت أربعة أيام على التوالي من العمل”.
وأضاف النبوي أنه “تم الوصول إلى الطبقة المائية الأولى على عمق 64 متراً، ثم الطبقة الثانية على عمق 148 متراً، فيما تطلب تزويد المنازل بصنابير الماء الصالح للشرب يومين من العمل”.
وقال حسن النبوي أن “90 منزلاً متواجداً بالقرية استفاد من هذه العملية، أي ما يناهز 160 فرداً”. وأشار في ذات السياق إلى أن اختيار قرية تاشاكوشت بالذات جاء بمحض الصدفة، بعد تواجده رفقة فريق العمل بإحدى القرى المجاورة لتزويدها بالماء.
وأوضح أن قرب المسافة نوعاً ما بين القريتين سمح بسرعة انتشار الخبر وقدوم بعض الشيوخ من قرية تاشاكوشت الذين وصفوا معاناتهم اليومية في الحصول على الماء طيلة عقود من الزمن، وشرحوا مدى حاجتهم إلى حلول مشابهة.
كما كشف النبوي أن “الفريق لمس حاجة القرية القصوى إلى الماء الصالح للشرب وبوسائل توفر عليهم عناء التنقل، وشقت بعد ذلك خطوات إنقاذ القرية من أزمتها طريقها لتتكلل نهاية بالنجاح”.
من جهته، وبكلمات تحاول أن تلملم تعابيرها التي ضاعت وسط مشاعر الفرح العارمة، قال الشيخ حماد، وهو في عقده السابع، إن القرية تعيش حلماً تحقق.
وأضاف الشيخ حماد، الذي عانى على مدار سنوات طويلة رفقة أسرته من صعوبات الحصول على الماء، أن “وجود بئر وصنابير مياه في بيوتنا بمثابة حلم وأمنية كنا قد فقدنا أمل تحققها”.
وأكد لمراسلة “تطبيق خبّر” إنها “المرة الأولى التي لا اضطر فيها إلى دعوة أبنائي أو واحد من أحفادي إلى الذهاب لجلب الماء من وجهة بعيدة، والمرة الأولى أيضا التي ألاحظ فيها تجمع الأطفال وشباب القرية في مكان واحد قريباً من منازلهم لفترات طويلة”.
وأوضح الشيخ حماد أنه عادة “كان الشباب والأطفال على ظهر الدواب ذهاباً وإياباً لجلب ما يكفي أسرهم من الماء وسط برودة الطقس والمطر والتساقط الثلجي ما يجعل جلب الماء معاناة يستعصي وصفها، وتتصارع فيها أيادي السكان المتجمدة مع الحاجة القصوى للماء، تفاقم شدتها وعورة المسالك للوصول إلى المنازل”.
تجدر الإشارة إلى أن مجموعة من المناطق الجبلية المغربية لا تزال إلى اليوم تعيش عزلة تامة ممزوجة بقساوة الطقس المناخي وانعدام المياه الصالحة للشرب.