أقدم شباب متطوع بمدينة بوسعادة على ترميم إحدى الأسقف التي يصل عمرها لأكثر من خمسة قرون، في مبادرة تطوعية تسعى لاستعادة الآثار التاريخية والتراثية للمدينة.
خلفت هذه المبادرة ارتياحاً لدى سكان المدينة القديمة الواقعة على بعد 240 كلم جنوبي الجزائر العاصمة، وثناءً منقطع النظير من قبل المواطنين والمهتمين.
بدأ المبادرة بفكرة لشباب الجمعية الولائية شمس للتنوع الثقافي والترقية السياحية في شهر أيلول/ سبتمبر العام الماضي لترميم سقيفة شكري بحي الزقم بالمدينة القديمة.
تحدث بعض الشباب عن إزالة خطر السقيفة عن الساكنة والمارين من المكان، إذ كانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط بفعل الإهمال وعوامل الزمن، فبدأو في العمل لكن الفكرة تطورت إلى إصلاحها وترميمها بشكل كامل، كما كانت عليه في السابق.
حي الزقم هو واحد من أعرق أحياء المدينة، إذ يتوسط بوسعادة، ويعرف بأزقته الضيقة وبيوته المبنية بالطين، ويقطن به أكثر عائلات المدينة عراقة، كما تعبر كل أزقتها ومبانيها عن تاريخ المدينة.
في تصريح لمراسل “تطبيق خبّر” الميداني في الجزائر عبد المؤمن لعرابي، تحدث رئيس الجمعية شمس الدين قشاش عن كيفية الوصول لقرار الترميم، وكيفية سير الأشغال.
قال قشاش إن لقاءً ثم مع مجموعة من الشباب المهتم بالإرث التاريخي للمدينة، أعقبه عدة اجتماعات مع مختصين في السياحة والتراث والنحت والترميم، توصلوا بعدها لفكرة بدء الترميم ،خصوصاً بعد تجاوب أهل الاختصاص تطوعاً مع هذه المبادرة، فتم البدء في عمل منسق ومنظم لترميم المكان.
بدأت عملية الترميم قبل خمسة أشهر من الآن، ووصلت نسبة الأشغال إلى 70 في المئة، كما تم فيها احترام كل مبادئ وأساسيات الترميم حسب المواثيق العالمية المعمول بها للحفاظ على الطابع التاريخي والثقافي لهذه المعالم الأثرية المتنوعة.
هذه العملية، حسب رئيس الجمعية، “تسعى لإبراز دور مدينة بوسعادة من الناحية التاريخية والحضارية، فضلاً عن تخليص الآثار القديمة من مظاهر العزلة والإهمال والمحافظة عليها للأجيال اللاحقة”.
من جهته، أوضح علي غربي، أحد أعضاء الجمعية، لمراسل “تطبيق خبّر”، أن “ترميم السقيفة هو بداية المسيرة للحفاظ على المعالم التاريخية والأثرية في المدينة التي يصل عمرها لأكثر من خمسة آلاف سنة”.
أما طريقة الترميم، فكانت بالطريقة القديمة، كما بيّنت لمراسل “تطبيق خبّر” شهيرة بن يخلف، عضوة جمعية شمس، إذ استعملت فيها الحجارة والطوب والجير والرمل، لتصبح السقيفة كما كانت عليه في مظهرها الأصلي تحت إشراف خبراء وفنيين شباب من أبناء المنطقة.
ومع بداية الأشغال، أبدى كثير من السكان استعداداً للمشاركة في هذه الأعمال، فيما بدأت المساعدات المعنوية والمادية من سكان المدينة لمواصلة العمل على الآثار التاريخية وإحياء المناطق السياحية القديمة.
ويهدف الشباب إلى استرجاع ذاكرة المدينة التي كانت تستقطب في سنوات السبعينيات أكثر من 40 ألف سائح سنوياً، وبها أكثر من 30 ألف نخلة، لكنها الآن تعاني الإهمال.
وبعد القرب من انتهاء الأشغال، يفكر الشباب في استكمالها للوصول إلى الشارع المؤدي للسقيفة.
بينما يرسم شباب الجمعية طريقاً طويلاً لاستعادة تراث مدينة بوسعادة ومعالمها السياحية القديمة، فإن الحفاظ على التراث واجب، كما صرح به رئيس الجمعية، ولازالت الكثير من الأماكن التاريخية تنتظر الترميم بالمدينة.
أهم الأماكن التي تنتظر الترميم المكان المسمى الواحة، وطاحونة فيريرو – وهي بقايا طاحونة قديمة بناها أنطوان فيريرو أحد المستوطنين الإيطاليين أثناء الاحتلال الفرنسي، وتحولت إلى معلم سياحي وأثري.
كما هناك برج الساعة الذي يعود تاريخه للعهد الروماني ويقع على أعلى مرتفع في المدينة، وكان قد بنى الفرنسيونعلى أطرافه حصناً يسمى حصن كافينياك سنة 1852، لتأمين العسكر من هجمات الثوار.
سبعة أشهر فقط مرت على تأسيس الجمعية، لكن أولى أعمالها خلف كثيراً من الأثر ولا يزال شبابها يطمحون لاستعادة كافة إرث مدينة بوسعادة وتاريخها، وترميم كل الأماكن الأثرية والسياحية فيها.
وبالرغم من قلة الإمكانات، فإن أعضاءها يعتمدون فقط على أنفسهم ومساعدات المتطوعين، كما يشعون إلى إنشاء متحف للمدينة يضم كل الآثار والصور التاريخية والأثرية.