هكذا تؤثر الأزمة الصحية على تعليم الطلاب في تونس
قبل يومين، اتخذت الحكومة التونسية قراراً يقضي بإغلاق المدارس في كافة أنحاء البلاد لغاية 30 أبريل/ نيسان الجاري، وذلك بهدف إبطاء تفشي فيروس كورونا.
ويشمل هذا القرار التعليم الابتدائي والاعدادي والمعاهد، وقالت المتحدثة الرسمية باسم الحكومة التونسية حسناء بن سليمان إنه “سيتم اعتماد التعليم عن بعد في الجامعات”.
ويأتي هذا القرار وسط تفشّ كبير لـ”كورونا” في تونس، خصوصاً أن بعض أقسام المستشفيات بلغت طاقة استيعابها القصوى، لاسيما في المحافظات الكبرى.
وفي الآونة الأخيرة، جرى تسجيل مئات الاصابات بالسلالة البريطانية لـ”كورونا” في صفوف التلاميذ والعاملين. ووسط ذلك، فإن قرار وقف الدروس يعبرُ خطوة ضرورية كما يقول المراقبون، خصوصاً أن الفيروس يتفشى بشكل كبير ومن الضروري السيطرة عليه وتطويقه.
ووسط هذا المشهد، تتجه الأنظار إلى تأثير هذه الظروف على التحصيل العلمي للطلاب بمختلف الفئات، خصوصاً أن جائحة “كورونا” أثرت على العملية التعليمية في تونس بشكل كبير.
وكانت وزارة التربية التونسية قد اتخذت سلسلة من القرارات بشأن العملية التعليمية خلال الأزمة الصحية، وقد اعتمدت نظام الدراسة عبر المجموعات، كما جرى وقف التدريس عندما يكون مؤشر الاصابات بـ”كورونا” متصاعداً إلى حد كبير.
وفعلياً، يرى الخبراء إن نظام الدراسة عبر المجموعات أدى إلى خسارة الطلاب نصف المناهج خصوصاً أولئك الذين في مرحلة الاستعداد لإجراء الامتحانات الرسمية. فمع ذلك النظام التعليمي، تضرّر التحصيل العلمي خصوصاً أن حضور الطلاب إلى المدارس لم يكن منتظماً.
ومما لا شك فيه هو أن التذبذب الذي شهده قطاع التعليم في تونس خلال العام الدراسي السابق والعام الدراسي الحالي، أثّر بشكل كبير على المستوى المعرفي للطلاب، الأمر الذي يؤثر على المراحل التعليمية اللاحقة.
ووسط كل ذلك، كانت هناك مساعٍ لاعتماد التعليم عن بُعد كسبيل لمواكبة العملية التعليمية للطلاب، لكن الظروف في تونس لم تكن كافية لنجاح هذا التوجه. وفي الواقع، فإن العديد من المناطق التونسية تعاني من ضعف بالانترنت، في حين أن الكثير من الطلاب لا يمتلكون أجهزة الكترونية تمكنهم من متابعة الدروس من خلالها.
امتحانات “الشهادات” الرسمية.. الأكثر تضرراً
ومما لا شكّ فيه هو أنّ طلاب الشهادات الرسمية في تونس هم الأكثر تضرراً من الاغلاق، ويمكن للتعليم عن بُعد أن يقدم له بعض المعارف، لكنه قد لا يفي بالغرض عندما يتعلق الأمر بعلوم أساسية يجب على الطلاب تلقيها ومعرفتها وفهمها.
وعلى هذا الأساس، فإن الطلاب عندما يتوجهون إلى الامتحانات الرسمية، سيواجهون مشكلة كبرى تتعلق بغياب الاشباع المعرفي لكل مادة دراسية، وهذا الأمر يتحقق بالدرجة الأولى عبر التعليم الحضوري.
وفي حال قرّرت تونس الغاء الامتحانات الرسمية، فإن ذلك سيؤدي إلى ضرب العملية التعليمية بالكامل خلال المراحل المقبلة خصوصاً مع غياب آلية تقييمية لمستوى الطلاب.
وفي لبنان على سبيل المثال، ألغيت الامتحانات الرسمية العام الماضي وجرى اعتماد نظام الترفيع، وهو أمرٌ حذر منه الخبراء بشكل كبير، إذ أنه يضرّ بالطلاب بالدرجة الأولى.
ولهذا، فإن اعتماد ترفيع الطلاب من دون امتحانات أمرٌ ضارٌ جداً بالنظام التعليمي، وستمتد آثاره على السنوات القادمة خصوصاً مع دخول الطلاب المرفعين إلى الجامعات، اذ سيكونون قد حرموا في المرحلة التعليمية السابقة من علوم ومعارف ضرورية، وكل ذلك بسبب التعليم عن بعد غير الكافي، وعدم استقرار الدراسة.
ومما لا شكّ فيه هو أن هناك الكثير من الطلاب الذين ينتقلون إلى مرحلة جديدة بشكل سهل ومن دون امتحانات، قد لا يكونون بالمستوى المطلوب. ومع هذا، فإن الغاء الامتحانات الرسمية سيجعل الطلاب يتساهلون في الدراسة، وسيصبح التحصيل العلمي لديهم بعيداً عن ضوابط أساسية ترتبط بتحسين المستوى التعليمي والجدارة. فما يحصل مع الغاء الامتحانات الرسمية هو أن الكفاءة ستنعدم، وبالتالي المستوى المعرفي سيتدهور.
ما الحل؟
ولا يمكن لأي أحد أن يتصوّر المعاناة التي يواجهها الطلاب في العديد من بلدان العالم العربي، مع التعليم عن بعد. فالواقع صعب خصوصاً في ظلّ انعدام المقومات المطلوبة لتسيير العملية التعليمية للطلاب أثناء تواجدهم في منازلهم. وفعلياً، فإن الكثير من الطلاب، كما في تونس، قد لا يملكون الإنترنت المطلوب لإجراء العملية التواصلية ومتابعة دروسهم، كما أن هناك جزءاً كبيراً من الطلاب لا يمتلكون الهواتف الذكية أو أجهزة نظراً لأوضاعهم المعيشية المتردية. كذلك، لا يمكن نسيان واقع البنى التحتية الخاصة بالانترنت في العديد من الدول. ولهذا، فإن كل هذه العوامل وأكثر تضع الطلاب أمام عملية تعليم صعبة، الأمر الذي يهدّدهم بخسارة دراستهم وعدم تلقيهم العلوم المطلوبة.
وفي العديد من المدن حول العالم العربي، قد يتوفر الانترنت، لكن الطلاب في الأرياف قد لا يحظون بهذه الميزة، وإن توفر الانترنت فقد تكون الشبكة ضعيفة. كذلك، فإن الطلاب في الريف قد لا يملكون هواتف ذكية مثل طلاب المدن، الأمر الذي يضعهم أمام خطر عدم التعلم. وفي ضوء هذا المشهد، تنكشف معضلة أكبر وهي “انعدام المساواة” بين الأطفال، وهو الأمر الذي حذرت منه المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة على الدوام، خصوصاً خلال جائحة “كورونا”.
وإزاء كل ذلك، فإن المطلوب اتخاذ من الظروف التي فرضتها جائحة “كورونا”، أرضية أساسية للتأسيس نحو حلول للتعليم خلال الأزمات. وفعلياً، فإن هذا الأمر يجب أن يتحدّد بتحسين ظروف الانترنت في كل بلد، والسعي إلى توفير البنية التحتية اللازمة للتعليم عن بعد، وتطويع المناهج لتتناسب مع العملية التعليمية الالكترونية. ومن الضروري جداً أن تعمل الحكومات على تطوير الاعلام التربوي وذلك عبر مختلف المنصات، وذلك لإبقاء الطلاب على تماس مع العلوم والمعارف المطلوبة. وإلى جانب ذلك، فإنه من المهم أيضاً استحداث أنظمة جديدة للامتحانات عن بُعد، تساهم في اعطاء تقييم منطقي لمستوى الطلاب، وتكرس أيضاً مبدأ الجدارة والكفاءة.
طلاب الدول الأكثر فقرا فقدوا 4 شهور من التعليم
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020، كشف تقرير أممي أثر جائحة “كورونا” على التعليم في العالم، وأوضح أن الأطفال في البلدان الأكثر فقرا فقدوا ما يقرب من 4 أشهر من التعليم المدرسي منذ بداية الجائحة، مقارنة بخسارة 6 أسابيع من التعليم في الدول مرتفعة الدخل.
ويبحث التقرير الصادر عن البنك الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في الاستجابات الوطنية للجائحة في سياق التعليم، من بينها خسارة أيام التعليم، ودعم التعلّم عن بُعد للطلاب وأولياء الأمور وخطط إعادة فتح المدرسة والبروتوكولات الصحية والتمويل.
ووجد التقرير أن الأطفال في الدول منخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط الأدنى هم الأقل احتمالا للوصول للتعلم عن بُعد، والأقل عرضة للمتابعة إذا فقدوا التعلّم، والأكثر عرضة للتأخير في إعادة فتح مدارسهم، والأكثر احتمالا للالتحاق بالمدارس بموارد غير كافية لضمان عملية تعليمية آمنة.
ويرى روبرت جينكينز، مدير قسم التعليم في اليونيسف أن الجائحة أثّرت على تعلّم الأطفال في جميع أنحاء العالم، لكنّ تأثيرها متباين، ويقول: “في الدول منخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط الأدنى، كان الضرر أكبر مع محدودية الوصول للتعلم عن بُعد، وزيادة مخاطر خفض الميزانية وتأخير الخطط في إعادة الفتح، مما أحبط أي فرصة لعودة أطفال المدارس للحياة الطبيعية”.
شاهد أيضاً.. حريق هائل في كيب تاون والطلاب يغادرون الجامعات