الغزو الروسي لأوكرانيا يعمّق الأزمة الاقتصادية في تونس
- من المتوقع أن يزيد عجز الموازنة إلى 9.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022
- يأتي أكثر من 70٪ من واردات القمح اللين التونسي من أوكرانيا وروسيا
- تعاني شركات الأسمدة من نقص في المواد الكيميائية التي كانت تستوردها من روسيا
أعلنت وزارة الطاقة في تونس رفع أسعار أسطوانات غاز الطهي بـ 14% والوقود 3%، موضحة أن أسعار غاز الطهي التي تم رفعها لأول مرة منذ 12 عاما سترتفع من 7.750 دينار إلى 8.800 دينار.
وقالت الوزارة إن سعر البنزين سيرتفع من 2.330 دينار للتر إلى 2.400 دينار.
ويعد هذا رابع رفع لأسعار الوقود هذا العام مع توقع تونس أن يزيد عجز الموازنة إلى 9.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 مقارنة مع 6.7% كان متوقعا في السابق بسبب ارتفاع الدولار والزيادة الحادة في أسعار الحبوب والطاقة التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا.
تحذيرات المنظمات الدولية
في مارس الماضي، أعلن صندوق النقد الدولي إن الحرب الروسية في أوكرانيا تعمق الأزمة الاقتصادية في تونس وتشكل “تحديات مهمة” لهذا البلد الذي يكافح للخروج من أزمة وباء كوفيد- 19.
وقال صندوق النقد الدولي: “تواجه تونس تحديات هيكلية كبيرة تؤدي إلى عدم توازن عميق في الاقتصاد الكلي، ونمو ضعيف على الرغم من إمكاناتها القوية، وارتفاع معدل البطالة، وضعف الاستثمار، وعدم المساواة الاجتماعية، وأن تأثير الوباء والحرب في أوكرانيا يضيفان الآن إلى هذه التحديات الهيكلية”
وقال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فريد بلحاج، إنه سيكون للحرب بين روسيا وأوكرانيا عواقب مهمة في تونس، لأن الأزمة عطلت سلاسل إمداد الحبوب والبذور الزيتية، وزادت من أسعار الغذاء وتكاليف الإنتاج الزراعي المحلي.
أزمة الأسعار
في أول أشهر الحرب، ارتفعت تكاليف المواد الغذائية بنسبة 13%، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ أن بدأت الأمم المتحدة في تتبعها في عام 1990، وبلغت تكلفة سلة السلع، بما في ذلك الحبوب واللحوم ومنتجات الألبان 34% أكثر مما كانت عليه قبل عام واحد.
مع الأشهر التالية الحرب حدثت أزمة في الخبز المدعم في بعض المناطق التونسية، وأغلقت بعض المخابز أبوابها بسبب عدم توافره.
يأتي أكثر من 70٪ من واردات القمح اللين التونسي من أوكرانيا وروسيا، وتعتبر أوكرانيا المورد الرئيسي للذرة والشعير في البلاد، ومع توقف التوريد مع الحرب، اضطرت البلاد للبحث عن موردين آخرين بأسعار مرتفعة نتيجة الطلب الزائد بعد توقف التوريد الروسي والأوكراني.
كما تعتمد تونس أيضًا على منتجي النفط الأجانب لنصف احتياجاتها تقريبًا، لذا فإن أسعار النفط المكونة من ثلاثة أرقام تساهم في زيادة تضخم أسعار المستهلكين، الذي زاد بشكل تصاعدي خلال أشهر الحرب، حتى وصل إلى 8.2% في يوليو، و8.6 في أغسطس.
أزمة الأسمدة
وفقًا للبنك الدولي، فإن الحرب بين أوكرانيا وروسيا كان لها تداعيات على تكلفة المدخلات الزراعية للحبوب، مما أدى إلى انخفاض استخدامها وبالتالي انخفاض في الغلة والدخل، مما أضر بشدة بمعيشة المزارعين التونسيين.
تعاني شركات الأسمدة مثل قرطاج للبستنة من نقص في المواد الكيميائية التي كانت تستوردها من روسيا لزيادة غلة المحاصيل المحلية، وحاولت الحكومة استبدالها بمحلول الأمونيا السائلة من إسبانيا، لكنه كلفها الضعف.
إذا لم يتمكن المزارعون التونسيون في وقت لاحق من هذا العام من الحصول على ما يكفي من الأسمدة أو تحمل تكاليفها، فقد ينخفض محصول القمح المحلي في العام المقبل.
تضرر السياحة
إلى جانب ارتفاع تكاليف السلع الأساسية، تضر الحرب بصادرات تونس إلى أوروبا وتؤثر على قطاع السياحة فيها.
كانت تونس تخطط لزيادة عدد سياحها 50% في 2022، ارتفعًا من 9.4 مليون سائح قبل جائحة كورونا في 2019، لكن الحرب الروسية كان لها تداعيات مباشرة وغير مباشرة على القطاع، فمن جملة سائحي تونس في 2019 كان هناك 630 ألف سائح روسي.
مع بداية الحرب أعلن وزير السياحة التونسي معز بلحسين، أنه في سنة 2022 ليست هناك رحلات سياحية قادمة من روسيا، مؤكدا أن هذه الحرب يمكن أن تؤثر على السياحة في تونس وذلك من خلال إلغاء الرحلات المبرمجة بين روسيا وتونس، إضافة إلى ارتفاع كلفة الرحلة بالنسبة للسياح الروس.
تسببت الحرب في منع السائحين الروس من زيارة تونس والاستمتاع بشواطئ البحر الأبيض المتوسط، وقد وصفت واشنطن بوست وضع المعالم السياحية في مدينة “دقة” التونسية بعد الحرب بشهرين بقولها: “في الأيام الأخيرة أصبح رعاة الأغنام أكثر من السائحين في المنطقة”.
وفقًا لبيانات البنك المركزي التي نشرت في أغسطس، فقد استقطبت تونس نحو 3 ملايين سائح فقط حتى نهاية يوليو هذا العام، بعد فتحها للحدود لاستقطاب السياح الجزائريين والليبيين.
ضغوط على ميزانية الدولة
في مارس، نشر المعهد العربي لقادة الأعمال (IACE) مذكرة حذر فيها الحكومة التونسية من عواقب الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد التونسي، بسبب أن دعم المنتجات التي تقوم به الدولة سيؤثر بشكل كبير على ميزانيتها بسبب ارتفاع تكاليف السلع نتيجة الحرب، مما قد يؤدي إلى تدهور اقتصادي واجتماعي كبير.
وقدر المركز زيادة الإنفاق الحكومي على دعم السلع الغذائية الأساسية لعام 2022 بنحو الثلث، إلى أكثر من 1.2 مليار دولار – ارتفاعًا من 746 مليون دولار المقدرة في البداية في ميزانية الحكومة.
وقد تصاعدت التقديرات مع أشهر الحرب، حتى وصلت في بعضها إلى زيادة بقدر 1.5 مليار دولار على الميزانية المقدرة للدعم.
واجهة تونس نفقات متضخمة في الميزانية في محاولة من الحكومة لكبح جماح أسعار المواد الغذائية، خاصة بالنسبة للسلع الأساسية مثل الخبز، ومن المرجح أن تستمر البلاد في مواجهة هذه الأزمة على المدى الطويل بسبب ارتفاع الدين.
ديون تونس
بعد شهر من الحرب، أعلنت وزارة المالية التونسية إن الدين العام التونسي بلغ 105.7 مليار دينار (35.01 مليار دولار) بنهاية مارس، بزيادة 8.6% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021.
وحذر بنك مورغان ستانلي من أن تونس تتجه نحو تخلف عن سداد ديونها إذا استمر التدهور الحالي في ماليتها العامة.
وقال البنك: “في سيناريو يستمر فيه المعدل الحالي لتدهور المالية العامة، فمن المحتمل أن تونس ستتخلف عن سداد ديونها”، مضيفا أن من المرجح أن يحدث ذلك العام القادم ما لم تتوصل البلاد سريعا إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي وتجري تخفيضات كبيرة في الإنفاق.
كما حذرت من وكالة التصنيف الائتماني فيتش، التي خفضت تصنيف ديون تونس السيادية إلى (CCC) من (B-)، من أن عجزا في موازنة الحكومة عند 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام سيرفع نسبة ديون تونس إلى الناتج الاقتصادي إلى 84%.
وحذر معهد الشرق الأوسط في واشنطن من أن ديون تونس قد تصل مع نهاية العام إلى نسبة 92.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
لذلك تحاول تونس التي تواجه أسوأ أزماتها المالية الاتفاق على برنامج تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي.
وقال متحدث حكومي، إن تونس تأمل في التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية أكتوبر، وذلك بعد الوصول لاتفاق يتعلق برفع الأجور بواقع 5% مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من أجل تخفيف وطأة الأسعار على الشعب التونسي.