أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (جمانة عيسى)
الأهمّ من إعلان الانفصال الماديّ على الأرض بين الجماعات المتطرّفة، هو الطلاق المعنويّ – الأيديولوجيّ بينها واضطرارها للمساكنة الإجباريّة على الأرض بحكم الظروف الميدانيّة والمصلحة، ولكن لا يلبث كلّ منها للتموضع حيث يرى نفسه على أول مفترق أو فرق!
والمفارقة أن كثيرا من المجموعات المتطرفة الصغيرة تعلن بيعتها للأقوى لتحصد الفائدة القصوى، مثل البيعة التي أعلنتها كلّ من "ولاية سيناء" المصرية و"بوكو حرام" النيجيرية لـ"داعش" بعدما لمع نجمه الإرهابي عالميا ، راغبة بالاستفادة من هالته المخيفة ومن مصادر تمويل ودعم إعلاميّ ولوجستيّ من الأصل إلى الفرع، وهو ما يعتبر سيناريو مكررا للبيعات التي كانت تمطر على القاعدة في ايام زعامة أسامة بن لادن الذي قتل في أيار – مايو 2011، ولكن مع ضعف خلفه أيمن الظواهري ، استطاع داعش أن يحلّ بسرعة محلّه.
وما حصل أخيرا بين "القاعدة" و"داعش" و"جبهة النصرة" ليس سوى مثال عود على بدء، لسابقات في التاريخ الحديث لتنظيمات لم يجمعها سوى التطرّف والتشدّد وقبول الآخر لزام الواقع.
الخلاف بين هذه التنظيمات الثلاث ، بدأ بالبزوغ من نيسان – أبريل 2012 وتظهّر بتفضيل مبايعة النصرة لزعيم القاعدة " أيمن الظواهري " بدل زعيم داعش "ابو بكر البغدادي " الذي يعتبر مؤسس هذه الجبهة وهو الذي أرسل نخبة من قواته تحت هذا المسمى إلى سوريا، ثم ما لبثوا أن تبرّأوا منه ومن ولايته عليهم .
إقرأ أيضا: إردوغان..نحو روسيا در!
مما تقدّم اختصارا ، نستدلّ بوضوح على ضعف ادّعاءات وولاءات السمع والطاعة لهذه المجموعات المتطرّفة ، بما يظهر من انشقاقات وطلاقات تؤدي إلى الاتهام بالردّة والتكفير والاقتتال بأبشع صوره.
ولعلّ الانفصال التوافقيّ الاستثنائيّ الذي جاء بتكتيك متبادل بين "القاعدة" و"جبهة النصرة" والذي أعلن على لسان زعيم الأخيرة، أبو محمد الجولاني في 28 تموز – يوليو 2016، مثال مستجدّ على الانشقاق بالتراضي، وهو ما لا يكاد يقبل تفسيرا سوى أن الجهتين السالفتي الذكر ودّتا التنصّل من صفة الإرهاب العالميّ والتهرّب من وصمة عار جرائم داعش المغالي في ارتكاباته وبالتالي التهرّب من تحمّل تبعات أفعاله.
ما سلف يعطينا الشاهد الأخير لمثال حيّ معاصر على أن التطرّف والتشدّد لجماعات الإرهاب العالميّ، ليس ما يجمعها سوى المصلحة المتبادلة، ما يسفر ، عند الحاجة ، إلى تغيير الولاء والبيعة والارتباط والهوية بل وحتى الاسم ، كما حصل مع "جبهة النصرة" التي حاولت تغيير جلدها بتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام".
إقرأ أيضا: قطاع الطاقة .. طوق النجاة للاقتصاد الإيراني
ظاهرة "الذئاب المنفردة" ماذا تعني.. وكيف أصبحت تحديا أمنيا يقلق استخبارات العالم