أخبار الآن | لبنان – (منى علامي)
في حادثة اعتبرت الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة، أقدم ليلة الاحد الماضي، مسلح على إطلاق النار من الطابق 32 من أحد فنادق لاس فيغاس على حاضري حفل غنائي مخلِّفا ما لا يقل عن 59 شخصا واصابة 527 آخرين. تم التعرف على المسلح على انه ستيفن بادوك، أمريكي يبلغ من العمر 64 عاما وليس لديه سجل إجرامي سابق. وبعد يوم واحد من الحادثة، سارع داعش إلى تبني الهجوم بالرغم من أن مكتب التحقيقات الفدرالي نفى أي صلة لبادوك بالإرهاب.
يأتي هجوم لاس فيغاس ضمن سلسلة من الهجمات يُعتقد أن تنظيم داعش تبناها "انتهازيا"، في محاولة لإحياء من جديد حملاته الترويجية الإجرامية وإخفاء الخسائر المدمرة التي تكبدها العام الماضي. فتبني داعش لهذا الهجوم، بغياب أدلة تثبت وقوفه وراء الحادثة، يدل على نية التنظيم إظهار عمليات القتل الجماعي التي يرتكبها أفراد مختلون نفسيا، كهجمات تدخل ضمن استراتيجية إرهابية مدروسة.
ستيفن بادوك من ميسكيت، نيفادا، لم يكن معروفا بدعمه لداعش أو حتى انتمائه للإسلام. والمعلومات الوحيدة التي ربطت هذا العمل بالإرهاب وردت عبر وكالة "أعماق" التابعة لداعش من خلال بيان صحافي أعلنت فيه أن "مقاتلا من داعش " نفذ هجوما في مدينة لاس فيغاس الامريكية وأوردت أن بادوك اعتنق الإسلام منذ أشهر قليلة، في حين نفى مكتب التحقيقات الفدرالي علاقة الهجوم بالإرهاب الدولي.
لم تورد وكالة "أعماق" أقله حتى الآن أي دليل عن انتماء بادوك لداعش، كما لم تعرض أي صورة أو شريط فيديو عن اطلاق النار، مثلما سبق ان فعلت في هجوم طهران الأخير، والأهم من ذلك، لا دليل على الإطلاق عن إعلان بادوك ولائه للتنظيم. وإن كان ادعاء داعش هذا كاذبا، فلن يكون الأول من نوعه. ففي يونيو الماضي، حين نفذ جيسي خافيير كارلوس، 42 عاما هجوما في كازينو في مانيلا في الفليبين، سارع تنظيم داعش حينها إلى ادعاء أن منفذ الهجوم اعتنق الإسلام قبل بضعة أشهر، الأمر الذي نفته بدورها الشرطة الفلبينية.
يذكرنا هجوم لاس فيغاس الأخير وأيضا هجوم مانيلا بالهجوم الذي وقع في حزيران / يونيو 2016 في اورلاندو في نادي للمثليين ونفذه عمر متين وأسفر عن مقتل 49 شخصا والذي غلب عليه طابع الكراهية والعداء تجاه المثليين. فعمر متين كان منخرطا في سلك الأمن يبلغ من العمر 29 عاما وعُرف عنه مشاكله السلوكية وتاريخ من العنف إذ يبدو أنه تخبط في حياته الجنسية ويعتقد أنه اعتنق العنف الإيديولوجي المستوحى من داعش انطلاقا من دعم تقبله لنفسه أو حتى كراهيته لذاته. ولكن على عكس هجوم لاس فيغاس ومانيلا، أعلن متين ولاءه لأبو بكر البغدادي ولداعش، بالرغم من أنه كان قد أعلن في وقت سابق أنه عضو في تنظيم القاعدة وحزب الله، منظمتان لا يجمعهما أي قسام مشترك لا بل منظمتان متباعدتان كل البعد عقائديا ومتحاربتان.
وفي الوقت الذي قد يصنف البعض هجوم ماتين كعملية "ذئب منفرد" وعمل إرهابي، لا يمكن قول الشيء نفسه عن هجمات لاس فيغاس ومانيلا، التي تندرج حتى الآن ضمن عمليات القتل الجماعي ويبدو تبني داعش لها انتهازيا. فالهجمات الثلاث هذه وتبنيها من قبل داعش إن دلت على شيء فتدل على تغيير استراتيجية البروباغندا لدى داعش. فمع خسائرها في العراق وسوريا، تحاول المنظمة بناء انتصارات كاذبة من أجل الاستمرار في جذب جمهورها. وتعليقا على ذلك، يشير الخبير بالحركات الجهادية رومان كايي أن مقتل مدير وكالة "أعماق" ريان مشعل في أيار/ مايو قد يفسر هذا التحول في أسلوب داعش وقيام "أعماق" بتبني هجمات لا تنفذ بالضرورة من قبل "جنود الخلافة".
إزاء الخسائر الكبيرة التي تلحق بالمنظمة في معقلها الأساسي في بلاد الشام، تجد المنظمة نفسها مضطرة أن تعوض في مكان آخر للحفاظ على سرد النصر التي تتبعه. وبالتالي فإن تبني داعش لعمليات القتل الجماعي قد تزيد مستقبلا على حساب مصداقية التنظيم التي ستتزعزع أكثر فأكثر.