أخبار الآن | مقال رأي
دار جدل كبير عن العلاقة بين أميركا والعراق في الايام الماضية، بخاصة بعد رسالة بومبيو للرئيس برهم صالح، وهي بلاشك علاقة تمر بأزمة حقيقية ومفتوحة على كل الإحتمالات.
وفي الوقت الذي توقع فيه الجميع تحسن هذه العلاقة وإنطلاقها لمجالات جديدة بعد زيارة الكاظمي الأخيرة لواشنطن،لم تكد تمضي سوى بضعة أسابيع وأذا بالأمور تتدهور بشدة نتيجة العمل الدؤوب لما أسماه زميلي البروفسور كورزمان بالأشباح الثلاثة المتحكمة بـ (الدولة) في العراق وهي أشباح: الأمن، الفساد والدولة العميقة.
ورغم محاولات السيد الكاظمي المكثفة والواضحة للتخلص من سطوة هذه الأشباح على الدولة، الا أن الأشباح هذه كانت تعمل بسرعة أكبر وتأثير أوضح من إصلاحات الحكومة، بخاصة وأن الشبح المتحكم بالأمن ركز جهده على عمليات أمنية بسيطة لكنها مكثفة وتحدث أثر نفسي مخيف للداخل العراقي والخارج الامريكي والدولي.
وقد كان عامل الزمن هو الذي راهنت عليه هذه الأشباح-بنجاح- لعلمها بنفاد صبر العراقيين من جهة والأميركان والغرب من جهة أخرى بخاصة بعد خيبات الأمل الكبيرة السابقة في العراق.
كما أن الأسابيع الستة المتبقية على الأنتخابات الأميركية تجعل متخذ القرار الأمريكي أقل إستعداداً للصبر في مواجهة هذه الأشباح التي تريد إظهاره بمظهر الضعيف في العراق والتي قد تتسبب-في إحدى عملياتها- بمقتل أو إختطاف أمريكي أو تدمير للسفارة وأحتلالها، وجميعها سيناريوهات مرعبة للداخل الأميركي وقد تذكره بسيناريوهات وكوابيس مخيفة حصلت سابقاً وستؤثر سلباً على نتيجة الانتخابات.
وقد يكون من سوء طالع الكاظمي أن الوقت لم يكن في صالح ستراتيجيته العقلانية والصبورة في تقطيع أوصال شبكات تحالف الأشباح الثلاثة والأنقضاض عليها فيما بعد.
والسؤال الكبير الذي يدور في بال الجميع الآن، وماذا بعد؟ماهي خيارات الأميركان في العراق بعد فشل كل قوى الدولة(واللادولة) في ضبط الشبح الأمني وترويضه وجعله يتوقف عن إستفزاز الأميركان بضرب سفارتهم وقوافلهم، والمصالح الغربية في العراق، مما جعلهم في حالة غضب شديد كما صرح لي أحد أكثر المطلعين في واشنطن يوم أمس.
إبتداءً فأن أحتمالات تخلي الأميركان (سواء بادارتهم الحالية أو حتى الديمقراطية إن فازت)عن العراق تبدو ضعيفة، لكن ليست معدومة.
فهناك عوامل ستراتيجية تجعل خيار الأنسحاب من العراق ضعيف، وسيكون آخر الخيارات،حتى وإن حاولوا الأنسحاب أو التقليل من تواجدهم في المنطقة ككل.
وليس المجال هنا لاستعراض كل هذه العوامل،لكنها ترتبط بعوامل جيوبوليتيكية مهمة جداً.فإذا كان الحال كذلك ، وإذا كان الأميركان يشعرون بضغوط داخلية وهم في معمعة موسم إنتخابي، فماهي الاحتمالات والخيارات المتاحة لهم في العراق حالياً؟ يمكن تلخيص هذه الخيارات بما يلي:
- تكثيف الهجمات الجوية والاستخبارية لتسديد ضربات قوية للشبح الأمني مما يقوّض قدرتها على هجمات عسكرية مؤثرة على المصالح الأميركية ويؤمن(بعض)الدعم لصورة الرئيس القوي التي يريد ترامب تسويقها لناخبيه. وسيرافق ذلك تحركات مهمة لمعاقبة شبح الفساد.
- الخيار السابق-وهو الأكثر ترجيحاً-يمكن أن يجري فوراً وبدون غلق السفارة وبالابقاء على علاقات (مقبولة) مع حكومة الكاظمي ،أو (بزعل)دبلوماسي يتضمن غلق السفارة في بغداد وتحويل الدعم الأميركي صوب أربيل. هذا الخيار يضمن تقليل الخسائر الأميركية في المواجهة المحتملة مع الأشباح ويرسل رسالة قوية أن الدعم الأميركي للحكومة ليس بدون مقابل. وفي هذه الحالة ستكون الخسائر وخيمة لا على الحكومة فحسب بل جميع اللاعبين السياسيين المهمين،وستكون وحدة العراق على المحك.
- غلق السفارة في بغداد، ووضع العراق مع إيران في سلة واحدة. وهذا الخيار مشابه لوضع العراق بعد الحصار. فهو سيؤدي الى تقويض(الدولة)العراقية وتآكلها تدريجياً وكما حصل سابقاً ويحصل الآن لإيران. هذا الخيار سيجعل العراق ليس في مواجهة أمريكا فحسب بل أيضاً المحور الإقليمي المناهض لإيران الذي تشكل مؤخراً ويصنف العراق ضمن المحور الإيراني! هذا الخيار سيعني أيضاً صعوبة قيام أي إدارة أمريكية قادمة بتغيير ستراتيجيتها تجاه العراق حتى وإن لم تكن موافقة عليها كثيراً. تذكروا أن إدارة كلنتون الديمقراطية في التسعينات والتي ظن الكثيرون أنها ستخفف من الحصار على العراق او تغير ستراتيجيتها عما فعله بوش الأب،لم تغير شيء من الناحية الفعلية بل ضاعفت الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري على العراق.
- الخيار الرابع -وهو أخطرهم- هو خيار مركب من الخيارات السابقة ويتضمن هجمات عسكرية، ومقاطعة إقتصادية ودبلوماسية شاملة. وقد يذهب الأميركان أبعد من ذلك بتحشيد تحالف دولي (حتى وان لم ينجحوا بذلك بسبب الظرف الدولي الراهن)ضد العراق مما يزيد بعزلته.
- الخيار الذي أجّلته للأخير-وهو الأشد تفاؤلاً-فيتضمن تحرك الحكومة العراقية مدعومةً بالقوى الداخلية السياسية والشعبية، للسيطرة على الموقف من خلال توجيه ضربة قوية للشبح الأمني وبدعم وتنسيق مع أمريكا. هذا الخيار سيضمن لحكومة الكاظمي تنفيذ ماوعدت به من استقرار امني وانتخابات مبكرة ونزيهة،كما يضمن لها الحصول على الدعم الأمريكي والدولي الذي تحتاجه في هذا الظرف الأقتصادي والسياسي العصيب الذي يجتازه العراق.
على الجميع أن يدركوا الآن، أن العراق يمر بلحظة تشكل تاريخي. فبعد أن حسم الشعب خياراته السياسية، وكما عبرت عنه إنتفاضة تشرين، فأن على القوى السياسية أن تحسم هي الأخرى خياراتها قبل أن يحسمها الآخرون بدلاً عنهم. فأما دولة المؤسسات الصِحاح،وإما دولة الأشباح والسلاح!
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن