غياب المؤشرات الإيجابية حول عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي مع إيران
لم تظهر بعد نتائج مباشرة أو نهائية للمواقف الإيرانية أو الأمريكية، إزاء العودة أو عدم العودة إلى الاتفاق النووي سواء عبر مفاوضات جديدة أو بدونها.
لكن الإجراءات الأمريكية بدأت تأخذ طابع التشدد وكانت الإشارة الأولى في ذلك هي القصف الأمريكي لمواقع لمسلحين مدعومين من إيران على الحدود العراقية السورية.
لكن الملف الأكثر أهمية الذي قد تفتحه الإدارة الأمريكية للضغط على النظام الإيراني هو ملف حقوق الإنسان الذي لم يحظ باهتمام الإدارة السابقة في البيت الأبيض.
بعد الضربات الأخيرة قال الرئيس بايدن إن إيران لا يمكن أن تفلت من العقاب ونصحها بالحذر. ومعنى التحذير الأمريكي أن عيون الإدارة الأمريكية تفتحت على إيران ولن تمر تصرفاتها بعد اليوم مرورا سهلا.
مجموعة كبيرة من النواب الأمريكيين في الكونغرس شددوا على مطالبتهم للرئيس لإصدار إدانة علنية لما وصفوه بإرهاب الدولة في إيران.
كانت المطالبة بتشديد التعامل مع سجل انتهاكات حقوق الإنسان في إيران ومنها القمع الدموي للاحتجاجات دليلا على تغير في لهجة واشنطن تجاه طهران.
مطالبات النواب الأمريكيين حذرت الرئيس أيضا بأنه ما لم يتشدد إزاء ملف حقوق الإنسان في إيران فإنه قد لا يحظى بدعم الكونغرس فيما يتعلق بأي تسوية حول الاتفاق النووي.
ولذا تجد الإدارة الأمريكية نفسها تحت ضغط أن ترهن التقدم الدبلوماسي بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.
كان انشغال الإدارة الأمريكية والعالم بملف الاتفاق النووي قد غطى على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.
وطوال السنوات القليلة الماضية عاش الشعب الإيراني ما يمكن تسميته بأحلك الأيام بالنسبة لحقوقه الإنسانية.
في الأسبوعين الماضيين، نفذت السلطات الإيرانية حكم الإعدام في أربعة سجناء سياسيين من عرب الأهواز بينهم الناشط جاسم الحيدري المعتقل منذ العام ألفين وسبعة عشر وقد تعرض للتعذيب طوال فترة سجنه.
ووفق ما تشير إليه منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرها عن أحوال إيران لعام ألفين وعشرين فقد نفذت السلطات الإيرانية 233 حكما بالإعدام وكان معظم المحكومين من المعتقلين السياسيين.
في أكثر من تصريح قال الرئيس جو بايدن إن تصرفات إيران تقود إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط ووعد بإجراء تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية تجاهها.
وقد نبه الناشطون الحقوقيون الرئيس بايدن للاهتمام جديا بملف حقوق الإنسان في إيران حيث تستمر عمليات القمع التي تمارسها السلطات الإيرانية.
ويمكن في هذه الحالة حسبما يرى هؤلاء الناشطون أنه ما دامت الإدارة الأمريكية ترغب بإضافة أكثر من ملف إلى المفاوضات المتوقعة بشأن الاتفاق النووي فإن الملف الأجدر بالإضافة هو ملف حقوق الإنسان في إيران.
في العلاقات الدولية دائما ما يكون هناك مقايضات ومصالح وتبادل منافع، فقد سبق للإدارات الأمريكية أن غضت الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في بعض الدول مقابل بعض المصالح لكن إدارة بايدن قد لا تساوم في مسألة حقوق الإنسان في إيران وقد تعامل هذه المسألة بصورة مختلفة جذريا عما كان عليه الحال في الماضي.
فوزير الخارجية الأمريكي الجديد توني بلينكن كان عضوا في المنظمة المعروفة باسم “حقوق الإنسان أولا” وهذا أمر استبشر به خيرا أنصار حقوق الإنسان في أكثر من مكان.
ولأنه سيكون معنيا بملف الاتفاق النووي فإن ضم ملف حقوق الإنسان إلى الملف النووي لن يكون صعبا عليه وهذا ما يتوقعه المهتمون بهذا الملف.
بحسب التقارير الأممية والمنظمات الدولية لم يحظ الإيرانيون بحياة حرة منذ أكثر من أربعين عاما. وتواصل السلطات الإيرانية سياسة القمع من خلال ممارسات الحرس الثوري والباسيج ضد المعارضين المحتجين وعبر المحاكمات غير العادلة والقوانين القمعية والأنظمة القاسية المقيدة للحريات.
ومعروف عن إيران أنها ضمن الدول التي تنتهك بشكل صارخ حقوق الإنسان؛ وبحسب التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية تقمع السلطات الإيرانية وبقسوة حرية التعبير والاجتماعات وتتوسع في أحكام الإعدام ولا توفر محاكمات عادلة كما أن ممارسة التعذيب بحق المعتقلين صارت أمرا ممنهجا في السجون الإيرانية.
كذلك فإن القمع الدموي للاحتجاجات واستخدام القوة المفرطة بات أمرا شائعا في إيران ومثال ذلك القمع الدموي لانتفاضة نوفمبر 2019 حيث وصل عدد القتلى وقتها إلى ألف وخمسمئة شخص.
كما تعاني الأقليات الدينية في إيران من التمييز الممنهج ضدها مثلما تواجه النساء عقوبات قاسية ويتغاضى المسؤولون الحكوميون عن كثير من المخالفات المتعلقة بقضية الاتجار بالبشر.
وترى منظمة هيومان رايتس ووتش أنه لولا الدعم المباشر الذي تحظى به الأجهزة الأمنية من قبل المرشد فإنها لا تكون قادرة على كل الممارسات القمعية التي تقوم بها.
كيف سيستجيب الرئيس الأمريكي لدعوات الناشطين وأعضاء الكونغرس بشأن التعامل مع ملف حقوق الإنسان في إيران؟ الناشطون الإيرانيون والمعارضة في الخارج يطالبون بتشديد العقوبات لكن الرئيس قد لا يستطيع ذلك لأنه سيكون بالفعل مضطرا لتخفيضها إذا ما استجابت إيران لمطالب واشنطن المتعلقة بالملف النووي؛ ولكن يمكن للرئيس أن يرهن أي إنجاز في الملف النووي بتحسين ظروف حقوق الإنسان في إيران.
أي تغيير نحو الأحسن في ملف حقوق الإنسان في إيران يجب أن يسبقه تغيير سياسي جوهري ولكن مثل هذا التغيير الجوهري سيظل بعيد المنال في إيران طالما بقي النظام كما هو ولذلك فقد لا تشهد حقوق الإنسان في إيران أي تحسن ما لم يتم تغيير النظام نفسه لكن هذا الأمر أكثر صعوبة إلا إذا انطلق من داخل إيران وبأيدي مواطنيها.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن