تشاد قد تشهد تحولات بعد مقتل رئيسها
أصيب الرئيس التشادي إدريس ديبي بجروح بسبب القتال ضد جماعة المتمردين الشمالية وهي جبهة التغيير والوفاق في تشاد التي تتخذ ليبيا مقرًا لها، وذلك في يوم إعادة انتخابه للمرة السادسة.
وفي اليوم التالي، وبعد 30 عامًا في السلطة، توفي الجندي الرئيس ديبي متأثرًا بجراحه وسرعان ما استُبدل بابنه محمد.
يشكّل الموت المفاجئ لزعيم الجبهة المناهضة للمتشددين في منطقة الساحل، نكسة كبيرة، ليس فقط لفرنسا لكن للغرب أيضًا.
ومع ذلك، دولة واحدة سعيدة بزوال ديبي، وهي روسيا.
لقد وسعت روسيا بشكل كبير نفوذها في إفريقيا على مدى السنوات القليلة الماضية، وواجهت فرنسا في مناسبات عديدة، وتعد تشاد دولة أساسية لكلَا العدوين.
وقبل بضع سنوات، سعى متمردو الجبهة منذ البداية إلى اللجوء عبر الحدود الصحراوية من تشاد في ليبيا حيث تنشط موسكو بشكل كبير.
ومن المثير للاهتمام أن الجبهة بدأت في الارتباط بالفصيلة الإسلامية الليبية المتمركزة في وسط مدينة مصراتة؛ لكن بحلول عام 2019 حوّلت دعمها إلى الفصيلة المنافسة للمارشال حفتر.
وكان مقرهم العام الماضي في قاعدة جوية عسكرية ليبية متمددة إلى جانب مرتزقة من مجموعة الفاغنر، الشركة العسكرية الخاصة المدعومة من الكرملين التي تًعتبر رأس حربة لجهود روسيا السرية لنشر نفوذها العسكري عبر إفريقيا.
وأكد تقرير للأمم المتحدة نُشر في شباط/فبراير أن مقاتلي الجبهة تمركزوا في قاعدة جوية عسكرية في الجفرة في وسط ليبيا، وهي مطار يشكّل أيضًا مركزًا لمجموعة فاغنر.
ذكرت تقارير موثوقة، بما في ذلك تقرير من صحيفة “ذا تايمز لندن” (The Times of London)، أن متمردي الجبهة وُظفوا ودُرّبوا من قبل مجموعة الفاغنر في ليبيا.
كما يُزعم أن المتمردين حصلوا على كميات هائلة من المعدات العسكرية من كل من فاغنر وحفتر.
تكمن السخرية لهذا الموقف في فرنسا باعتبارها الداعم الأساسي لحفتر وكانت الداعم الرئيسي لديبي في نفس الوقت.
لذا دعمت فرنسا بطريقة غير مباشرة الفصيلة المتحالفة مع روسيا التي قتلت أفضل حليف لها في إفريقيا.
حققت الجبهة نجاحًا عسكريًا بما في ذلك قتل الرئيس ديبي، كما قد تكون قوة لا يستهان بها إن كانوا سيصلون إلى العاصمة نجامينا، وسواء استولوا على السلطة أو كانوا جزءًا من حل سياسي.
سيشكل هذا انقلابًا كبيرًا لروسيا قد يتجلّى بحكم الأمر الواقع في الوصول، ليس فقط إلى الموارد الطبيعية لتشاد، بل أيضًا إلى أقوى جيش وأفضل تدريباً في المنطقة يقاتل المتشددين في منطقة الساحل.
روسيا راضية عن مقتل الرئيس التشادي
أحد الأسباب إن لم يكن السبب الأول، لرضا موسكو عن مقتل ديبي على يد الفصيلة التي تدعمها، يمكن العثور عليه بجوار تشاد، أي في جمهورية إفريقيا الوسطى.
قد تكون جمهورية إفريقيا الوسطى الدولة الإفريقية التي حققت فيها روسيا أكبر عدد من النجاحات، ومن السخرية أن الفضل يعود إلى فرنسا.
وفي الواقع، في عام 2018، منعت موسكو تسليم أسلحة من فرنسا إلى بانغي، لذا طلب الرئيس الفرنسي ماكرون من رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستين أرشانج تواديرا، الذهاب إلى روسيا وإقناعها بإلغاء حظر البيع.
وعوضًا عن ذلك، اغتنمت روسيا الفرصة وباعت أسلحتها إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، أما الباقي فهو التاريخ.
وسرعان ما أصبحت موسكو لاعباً لا غنى عنه بالنسبة إلى تواديرا الذي قرر أن ينأى بنفسه ليس فقط عن فرنسا، بل أيضاً عن تشاد.
وقّعت روسيا وجمهورية إفريقيا الوسطى اتفاقية دفاعية سمحت لموسكو بإرسال عدة مئات من الجنود والأسلحة الثقيلة وعشرات المركبات المدرعة إلى بانغي قبل بضعة أشهر.
كما أن روسيا على وشك إنشاء هوائي خاص بوزارة الدفاع مباشرة في جمهورية إفريقيا الوسطى.
تقدم موسكو أيضًا من خلال مجموعة فاغنر، خدمات الحماية اللصيقة لأعضاء الحكومة لحصة في مناجم المعادن الثمينة.
لقد تضخم العدد الفعلي لمرتزقة فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى إلى أكثر من 1000.
يتزايد إيقاع جرائم فاغنر المبلغ عنها في البلد، من الإعدام الجماعي بإجراءات موجزة والاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري والتهجير القسري للمدنيين والهجمات على العاملين في المجال الإنساني.
يُزعم أن كبار أعضاء مينوسكا، وهي البعثة العسكرية التي نشرتها الأمم المتحدة، تواطئوا مع مجموعة فاغنر من خلال التستر على انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان.
نفوذ روسيا واضح في إفريقيا الوسطى
حرب النفوذ الروسية الفرنسية واضحة في بانغي حيث رُفعت لافتة على أحد جانبي الطريق إلى جانب صورة مروحيات هجومية وجندي يحيي “جمهورية إفريقيا الوسطى يداً بيد مع روسيا”، وعلى الجانب الآخر من الطريق لافتة أخرى ملصق تُظهر جنودًا فرنسيين ووسط إفريقيا يحيون بعضهم البعض: “مع جيشكم، من أجل مستقبلكم” كيف تتناسب تشاد وهذه الصورة؟
لتشاد تاريخ طويل متشابك مع جمهورية إفريقيا الوسطى، وكان ديبي فاعلًا مهمًا على تلك المرحلة خلال فترة حكمه التي استمرت 30 عامًا، إذ انخرط عدة مرات في المشهد السياسي المحلي لجمهورية إفريقيا الوسطى.
انتشرت شائعات عن دخول القوات التشادية إلى البلد على مرّ السنين؛ وفي الآونة الأخيرة، حين دعا الرئيس الحالي لجمهورية إفريقيا الوسطى القوات الروسية، زعم أن المعارضة بقيادة الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي، كانت تخطط لانقلاب بدعم من تشاد حيث يقيم.
ومن قبيل الصدفة، لم يكن الشخص الأكثر صراحة الذي يهدد تشاد إذا تدخلت، أي شخص من حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى، بل السفير الروسي في بانغي، فلاديمير تيتورينكو.
قال تيتورينكو في 29 آذار/مارس إن “حكومة تشاد عاجزة أو ربما لا تريد مساعدة حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى لتأمين جانبها من الحدود حيث يتواجد العديد من المرتزقة والأسلحة والأشخاص الذين يعبرون الحدود لتضخيم صفوف المتمردين.
وأدان وزير خارجية تشاد بشدة “التعليقات التي لا أساس لها” للسفير، مضيفًا: “يتجاوز السفير صلاحياته كدبلوماسي معتمد لدى جمهورية إفريقيا الوسطى ويعلن لنفسه الحق في إدارة العلاقات بين تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى” من الواضح أن مارشال ديبي كان شوكة في خاصرة موسكو.
رفض النظام الجديد في تشاد بقيادة نجل الرئيس الراحل ديبي، بشكل قاطع أي مفاوضات مع متمردي الجبهة، ما يجعل من المرجح أن القتال العنيف سيستأنف قريبًا جدًا.
لم يتضّح بعد إلى أي مدى ستساعد روسيا الجبهة، تحتاج فرنسا إلى لعب أوراقها بشكل أفضل بعد الكارثة الأخيرة التي أدت إلى مقتل ديبي.
وعلى أي حال، فطموح موسكو الجامح في إفريقيا لن يتوقف عند تشاد.