أسامة بن لادن وضع الأساس لعلاقة القاعدة وإيران
شكلت العلاقة بين إيران والتنظيمات المسلحة بمختلف تلوناتها الأيديولوجية والمذهبية والطائفية، إستراتيجية عامة لم تحد عنها إيران منذ عام 1979، من أجل تحقيق الغاية الإيرانية العليا في التأثير والسيطرة على مختلف التفاعلات والتوازنات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط.
ويبدو أن الرغبة الإيرانية ذهبت إلى أبعد من إقتصار رعايتها السياسية والأمنية على جماعات معينة كحزب الله اللبناني أو حركة الإخوان المسلمين، أو غيرها من الميليشيات المسلحة الناشطة في مختلف المسارح الأمنية بالوقت الحاضر، لتشمل حركات أخرى مصنفة أمنياً كعدو لها، إلا أن توافق المصالح الأمنية المشتركة جعل إيران تمد جسور التواصل معها.
وبالحديث عن العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة، فرغم كونها عادةً ماتفسر ضمن السياقات الشاذة في التحالفات التي تربط الأطراف المختلفة أيديولوجياً وفكرياً، إلا إنه من جانب آخر تمكن الطرفين من إيجاد مقتربات مهمة للتعاون طويل الأمد، في إطار عملية الإستثمار بالعدو، فالعداء المشترك للولايات المتحدة جعل كل منهما مكمل للآخر، في إطار توافق إستراتيجي مهم، لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في الأرواح والمصالح الأمريكية.
بدأت أولى ملامح العلاقة التي تربط إيران بتنظيم القاعدة تتضح منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، عندما بدأ زعيم الجبهة الإسلامية الوطنية السودانية حسن الترابي، بتنظيم لقاء جمع قيادات إسلامية، من ضمنها إيرانية وقاعدية في السودان، لتحقيق التقارب لمواجهة الولايات المتحدة وحلفاؤها، لتتوصل إيران والقاعدة إلى إتفاق غير رسمي للتعاون، وليشكل هذا اللقاء أساس التلاقي الإستراتيجي بينهما فيما بعد، وأستمرت هذه العلاقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، ومن ثم الحرب في أفغانستان.
ورغم الطابع السري الذي طبع العلاقة بين الطرفين طيلة تلك الفترة، إلا إن الإدارة الأمريكية وجدت نفسها في سياق ضرورة سياسية لكشف ملامح هذه العلاقة، فكان ذلك في العام 2011، بعد أيام من الغارة التي شنتها الولايات المتحدة على المجمع الذي أغتيل فيه أسامة بن لادن زعيم القاعدة، في أبوت آباد بباكستان، عندما أعلنت الولايات المتحدة بأن هناك علاقات تحالف وثيقة تربط إيران بالقاعدة، بناءً على وثائق عثرت عليها هناك، تكشف إتصالات مستمرة بين بن لادن وقيادات إيرانية، وإن العديد من قيادات التنظيم الذين فروا من أفغانستان أثناء الحرب، متمركزين في الداخل الإيراني، إلى جانب دور إيران في تقديم الدعم اللوجستي والمالي والقتالي لعناصر التنظيم في العراق بعد إحتلاله.
الذكرى العاشرة لمقتل أسامة بن لادن.. حكايات صادمة من وثائق “آبوت آباد”
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، أصدرت لجنة الحادي عشر من سبتمبر تقريراً أوضحت فيه مسارات العلاقة التي تربط القاعدة بكل من إيران وحزب الله اللبناني، وبموجب هذا التقرير بينت اللجنة إن هناك زيارات عديدة قام بها عناصر التنظيم إلى إيران وسهل البقاع في لبنان، من أجل تلقي التدريبات على عمليات التفجير والإقتحام والتكتيكات القتالية.
وبالعودة إلى أفغانستان؛ فإنه خلال الفترة التي تمتد من عام 1996 حتى عام 2000، مثلت إيران جسراً لعبور العديد من قيادات وعناصر القاعدة إلى أفغانستان، وبما أن الذي يتولى ملف العلاقة بين إيران والقاعدة هو جهاز إستخبارات الحرس الثوري، فإن هذا الجهاز بدوره أصدر العديد من التعليمات للمطارات والمعابر الحدودية الإيرانية، بعدم ختم جوازات سفر عناصر التنظيم الذين يمرون عبر إيران.
حرصت إيران على إستمرار التعاون مع القاعدة، من أجل إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في الجانب الأمريكي، حيث مكن التعاون بين إيران والقاعدة، من شن التنظيم هجمات مكلفة على المصالح الأمريكية، ومن ذلك التفجير الذي تعرضت له السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا في 7 أغسطس 1998، راح ضحيته 223 شخصاً، فضلاً عن الهجوم الذي تعرضت له حاملة الطائرات الأمريكية يو أس أس كول في ميناء عدن اليمني في 12 أكتوبر 2000، حيث أوضحت العديد من التقارير الصادرة عن وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية أنذآك، إن إيران نجحت في الفترة التي سبقت الهجوم على حاملة الطائرات، من إنشاء شبكة لوجستية للقاعدة في اليمن.
https://twitter.com/Rewards4Justice/status/1349033294864723969
وفي شهادة لمسؤولين في وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية أمام محكمة نيويورك، للتحقيق في هجمات 11 سبتمبر 2001، أصدرت المحكة حكم يؤكد علاقة طهران بتنظيم القاعدة، وضلوع المرشد الأعلى للنظام الإيراني شخصياً، وحزب الله اللبناني المباشر في تخطيط وتمويل وتنفيذ الهجمات، التي أودت بحياة نحو ثلاثة آلاف شخص في واحدة من أكثر الهجمات دموية في تاريخ الولايات المتّحدة.
وإستندت المحكمة في حكمها على شهادة العاملين في الوكالة، بأن إيران قدمت الدعم المادي والموارد لتنظيم القاعدة لأعمال الإرهاب، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء، وهو ماتم تأكيده في 9 مارس 2016 ، عندما إنتهت الدعوى المدنية التي رفعتها شركتا تأمين وعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بحكم بمليارات الدولارات ضد الحكومة الإيرانية، وهو ما أعاد التأكيد عليه وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في 14 يناير 2021، من تكثف الإتصالات بين طهران وتنظيم القاعدة بعد إبرام الصفقة النووية مع إيران.
قد يهمك: أسامة بن لادن.. الأسطورة الوهم
أدت عملية غزو أفغانستان إلى هروب العديد من قيادات القاعدة إلى إيران، بعد تعهد إيراني بتوفير ملاذ آمن لهم، وكان من أبرز قيادات القاعدة التي تواجدت في إيران، هي محمد صلاح الدين زيدان مصري المعروف بـ(سيف العدل)، وعبد الله أحمد عبد الله، المعروف بـ (أبي محمد المصري)، الذي أغتيل بظروف غامضة في طهران في 7 أغسطس 2020، حيث وفر تواجد هذه القيادات وغيرها في إيران، فرصة للحرس الثوري لضبط تحركات عناصر التنظيم بعيداً عن المصالح الإيرانية في العراق وسوريا.
وحتى بعد بروز تنظيم داعش في العراق وسوريا في 9 يونيو 2014، نجحت إيران في إبتزاز تنظيم داعش بإستخدام ورقة القاعدة، في إحداث إنشقاقات وإنفصالات وإندماجات بين فروع القاعدة المختلفة في سوريا، إلى جانب تحييد الأهداف الإيرانية عن ضربات القاعدة وداعش في سوريا، وهو ما أشار إليه أبو محمد العدناني في خطاب له قبل مقتله، موضحاً في تسجيل صوتي رد فيه على بيان زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، التسجيل الذي حمل اسم “عذراُ أمير القاعدة”، وكشف علاقة التنظيم بإيران، وأن طهران كانت تساعد القاعدة في تسهيل إيصال الإمدادات لمقاتليها، كما اعترف تنظيم داعش بتغاضيه عن إيران، إمتثالاً لتوجيهات القاعدة.
إن التخادم الأمني بين إيران والقاعدة، مكن إيران من تحقيق العديد من الإختراقات في المجتمعات “السنية” اليوم، وبالشكل الذي وفر لإيران التمدد جغرافياً عبر شريط يشمل أغلب المدن التي كانت تسيطر عليها القاعدة ومن ثم داعش.
إلى جانب ذلك؛ إستخدمت إيران ورقة داعش في إعادة ترتيب المسرح الإقليمي بالشكل الذي يحقق لها فائدة إستراتيجية عليا، وهو ما كشفته صفقة نقل عناصر تنظيم داعش من القلمون الغربي في الحدود اللبنانية السورية، إلى مدينة دير الزور على الحدود العراقية السورية، في 29 أغسطس 2017، فإيران وعلى الرغم من رفعها شعار محاربة داعش في الشرق الأوسط، فإنها حتى اللحظة لم تدخل في أي مواجهة عسكرية مسلحة مباشرة مع عناصر هذا التنظيم، وكل ما يحصل هو مواجهات غير مباشرة بأدوات عراقية سورية لبنانية، ما يشير إلى عمق العلاقة بين الطرفين، من خلال الفائدة المشتركة بينهما، وهي فائدة وضعت ركائزها العلاقات التاريخية التي تربط إيران بتنظيم القاعدة.
حتى أمه تبرأت منه.. أسامة بن لادن الرجل تسبب في معاناة كل من حمل اسمه
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن